حبر على ورق

المواقف الكبيرة تصنعها مصر

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«رب ضارة نافعة».. هذا ما أراه بوضوح منذ اندلاع الأحداث المؤسفة فى القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، فقد عادت القضية الفلسطينية بقوة لتتصدر المشهد السياسى، وأصبحت أخبار القصف الإسرائيلى للمدنيين من نساء وأطفال فى فلسطين خبرًا رئيسيًا فى نشرات الأخبار، والصحف والمواقع الإخبارية فى العالم كله. كانت القضية وأخبارها قد ماتت إعلاميًا، تجمدت تقريبًا على مستوى الأحداث السياسية العالمية، ومع التصعيد الأخير كانت «عودة الروح» من جديد، وهذا هو الجانب الإيجابى لما حدث.
لم يفوت الإخوان الذين يطلقون على أنفسهم «مسلمين» الفرصة، وجدوها ضربة حظ جاءتهم فى وقتها لتأليب الرأى العام المصرى والعربى المشتعل بالغضب على النظام المصرى والرئيس عبد الفتاح السيسى، راحوا يلطمون الخدود، يولولون، يندبون، ويسألون: أين دور مصر تجاه تلك الوحشية الإسرائيلية؟ كيف يمكن السكوت على انتهاك حرمة بيت المقدس، وقتل المصلين والأبرياء من الفلسطينيين؟.
نسى هؤلاء ما لم ينسه الشعب المصرى، أن مصر هى أكثر دولة عربية ساندت على امتداد تاريخها القضية الفلسطينية، لم يكن هذا بالشجب والتنديد فحسب، بل بالتضحيات الضخمة التى قدمتها، والحروب التى خاضتها والشهداء البواسل من جنود جيش مصر الذين طهرت دماؤهم أرض فلسطين.
الدور المصرى لم يتوقف لحظة واحدة خلال أكثر من سبعين عاما وحتى الآن، أى منذ احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية عام 1948. الأفعال تتحدث وليس الأقوال، وهذا ما شهدته الأيام الماضية بكل وضوح، بلا تظاهر ولا افتعال، وإنما من عمق إحساس قيادة مصر بمسئوليتها، ودورها التاريخى فى هذه القضية. قيام الرئيس السيسى باتصالات برؤساء الولايات المتحدة وإسرائيل، وفرنسا. الضغوط السياسية المكثفة سعيًا للتهدئة والوصول إلى حل سلمى يضمن الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الفلسطينى.
كذلك انتهز الرئيس السيسى فرصة وجوده فى باريس، عقد قمة ثلاثية بقصر الإليزيه، ناقش خلالها تطورات الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية مع كلٍ من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والملك عبد الله الثانى بن الحسين، ملك الأردن، وأكد فى كلمة قوية أدلى بها فى مؤتمر صحفى عقب المباحثات: «إنه لا سبيل لإنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن واشتعال الموقف بالأراضى الفلسطينية، إلا بإيجاد حل جذرى عادل وشامل للقضية ينتهى بإقامة دولة فلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، يعيش ويتمتع على أرضها الشعب الفلسطينى بكامل حقوقه المشروعة كسائر شعوب العالم».
لم يكتف الرئيس السيسى بالجهد السياسى الكبير الذى يقوم به مع رؤساء وقيادات العالم، وجميع الأطراف المعنية، بل اتخذ خطوة جريئة، شجاعة، أنعشت قلوب المصريين المحروقة على إخوانهم الفلسطينيين جراء الأحداث المحزنة فى الأرض المحتلة. فقد أعلن مساء الثلاثاء الماضى عن تقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار فى قطاع غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك فى تنفيذ عملية إعادة الإعمار.
هذه المبادرة المصرية الشجاعة تعلن بوضوح موقف مصر تجاه أهلنا فى قطاع غزة، وتوجه صفعة قوية لمن احتشد لتشويه صورة مصر بلى عنق الحقائق، وتزييف المواقف والتاريخ.
المواقف الكبيرة ليست جديدة على مصر، لا تأتى انطلاقا من إحساسها بدورها العربى، ودعمها للشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة فحسب، بل لأن هناك أسبابًا قومية واستراتيجية تؤكد أن القضية الفلسطينية هى قضية أمن قومى بالنسبة لمصر، والدفاع عن حدودنا ومقدراتنا أمر لا يقبل النقاش، فهو يمثل «خطاً أحمر» لا يمكن تجاوزه أو حتى الاقتراب منه، كما أكد الرئيس السيسى فى أكثر من موقف.
متى تعلمون أيها الحمقى أن نواياكم الخبيثة أصبحت مفضوحة؟!. وأن مؤامراتكم ضد مصر صارت مكشوفة. ونصيحة أوجهها إليكم: لا تستهينوا أبدًا بذكاء المصريين.