حبيبها غدر بها وتركها.. كيف عالج طبيب الخمسينيات «الحسناء الحزينة»؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كيف يمكن أن ننسى من سكن القلب واستوطن فيه، كيف ننساه مهما قسى وأهان وغدر، فهل الحكم على القلب بأيدينا، هل حقًا توجد روشتة للنسيان إذا فعلنا كل ما فيها نستطيع أن نشفى من مرض الحب الخاطئ.

 

في مجلة "الجيل" في العدد الصادر يوم 5 يناير 1959، تم نشر قصة فتاة ظلت تبحث عن طريقة للنسيان، وبعد كل محاولاتها وصلت إلى العلاج.

 

وفي يوم جلست وحيدة تحت أشعة شمس الضحى في النادي الكبير، كانت مستغرقة في القراءة وكان واضحًا على ملامحها الجميلة أنها تحيا بعصارة أعصابها في كل سطر تقرأه، لم تكن تقرأ كتابًا ولا صحيفة ولا رسالة، بل كانت تقرأ في أوراق متناثرة مكتوبة على الآلة الكاتبة.

 

فهي عاشقة عاشت كل تقلبات الحب، كانت تهواه ولكنه هجرها وهي في قمة هواها، تركها وحيدة بعد أن طاف بها فضاء ملونًا بكل ألوان السعادة اسمه الحب.

 

بدد الليالي الحلوة التي عاشتها معه في شبابها وغدر وخان وتركها للنار التي تحرق، للألم الذي يعصف، للعذاب الذي يستبد، لدنيا كلها ضباب وظلام ووحشة ودموع.

 

استغفرته فلم يغفر، استرضته فتمرد، أغلق في وجهها كل باب طرقته، واكتشفت بقلبها المنكسر أن السعادة التي عاشتها ليست إلا وديعة كالعمر، شيئًا يسترده القدر في وقت مناسب أو يمكن أن تراه هي غير مناسب، فكان هو حبيبها وسيدها وقدرها والمصير الوحيد الذي ترضاه  ولا تود البعد عنه.

 

وبحثت عن النسيان، فتشت عنه في كل كأس فلم تجده، فتشت عنه في ليالي الصخب فلم تعثر عليه، فتشت عنه في كل مكان ولكن انتهي بحثها بجلسة حزينة منكمشة سكبت فيها الدموع، كثيرًا من الدموع.

 

- لو كان معي

 

وتحت شمس الضحى في النادي الكبير قررت أن تخطو الخطوات الأخيرة في طريق النسيان في محاولة للتخلص من ليالي العذاب التي طالت، لقد ذهبت إلى طبيب نفسي بعد اليأس والألم والصراع.

 

قالت للطبيب أريد أن أنسى، أريد أن أشفى، واستمع الطبيب إلى قصتها ووضع فوق جروحها الكلمات الهادئة.

 

ثم قال لها سافري فالحب عادة تتأصل وتتعمق في المشاعر بالممارسة والزمن، والعادة لها حنين يشتد ويحرق ويذيب الإرادة.

 

وبجب أن تعلمي أن الحنين شعلة فلا تزيدي لهيبها بالخيال والذكرى، اتركي الطريق الذي مشيت فيه وهو إلى جوارك يهمس بالحب ويتغنى، اتركي الركن الحالم الذي قضيت معه فيه ليالي السعادة والسمر على ضفة النيل، اتركي العطر الذي كان يضعه أو يهواه، اتركي رسائله ولا تقربيها، اتركي كل ما يلهب الذكرى والقلب والخيال وارحلي.

 

وفعلا سافرت ورحلت عن كل شيء ولكن لم ينفع الرحيل، فقد كانت صورته تجري مع أفلاك الدم في كيانها، كانت ذكراه كالجرح المستيقظ في خاطرها، لا تختفي ولا تتوارى ولا ترحم.

 

كانت تحاول وتبذل كل جهد لكي تنسى، ولكنها كانت تتحسس بعينها فتنة الطبيعة على شاطيء البحر مع نسمات الصباح ثم تهمس: آه لو كان معي!.

 

وفشل أول علاج، وعادت إلى طبيبها تبكي.

 

- غير ممكن!

 

عندما لم يجد الطبيب فائدة من أول علاج قال لها: أحبي، قالت له إن قلبي ممتليء بحبه وليس فيه مكان لحب جديد، قال لها الطبيب: حاولي.. إن الحديد لا يفله إلا الحديد، فالحب القديم لا يمحوه إلا حب جديد.

 

وبالفعل انطلقت تسعى وفوق كفها قلب لا تملكه وحاولت أن تمنحه لأول عابر سبيل ولكنه كان صلبًا عصيًا، وحاولت مرارًا وتكرارًا وتوسلت إلى قلبها أن يلين ولكن بدون فائدة.

 

وفشل العلاج الثاني، عادت إلى طبيبها تبكي للمرة الثانية.

 

- البحث عن الجراح

 

ووقتها بدأ الطبيب يلتفت إلى الحالة التي استعصت واكتشف أنها حالة لا تعالج بالسفر والحب الجديد وإنها ليس فقاعة عاطفية يسهل تفجيرها بنفخة هواء.

 

وبدأ جلسات العلاج الطويلة وجعلها تستلقي وهو يسأل لتتداعى الخواطر في رأسها، فجعلها تنطلق على سجيتها والطبيب يسجل، كان يبحث عن الجرح ليضع إبهامه عليه ويحكي لها سر غرامها بالرجل الغادر الذي خان.

 

وطالت الجلسات والطبيب يبحث ويستعرض كل مواقف حياتها ليربط بين سر غرامها المجنون وبين العقدة التي أفضى إليها موقف من المواقف، إن نقل هذه العقدة من عقلها الباطن إلى عقلها الواعي هو بداية عودتها إلى نفسها وبداية الشفاء والنسيان ونهاية الحب.

 

- قائمة الأخطاء

 

بدأ الطبيب يتبع أسلوبًا جديدًا في العلاج، وهو أن يسلط الضوء على الرجل الشرير الكامن في حبيبها، الرجل الذي أهانها وعذبها ومرغ كبرياءها في التراب ولطخ كرامتها بالوحل.

 

إن الحب والكراهية في نظر الطبيب هما وجهان لعملة واحدة وهو يريد أن يقلب هذه العملة في قلبها إلى الوجه الآخر، وراح الطبيب يركز أسئلته في اتجاه معين وبدأ يدخل لها الإحساس بالهوان.

 

وبعد أسبوعين سلمها روشتة العلاج، إنها مجموعة أوراق مكتوبة على الآلة الكاتبة فيها كل الأخطاء التي ارتكبها حبيبها وكلها أخطاء مشينة تستفز الكراهية، وقال لها لا ترفعي عينيك من فوق هذه الأوراق وأقرأيها دائمًا واحفظها عن ظهر قلب لكي لا تنسيها أبدًا.

 

وفي الأيام الأولى كانت تنظر إلى الورق فيلوح لها طيفه ويطل من بين السطور ويغطي على سطور الأخطاء، قال لها الطبيب: ولو.. استمري.

 

واستمرت تقرأ كل أخطائه في كل وقت على مائدة الإفطار في النادي في فراشها قبل النوم، وبدأ حبيبها يتحول إلى خطأ كبير تنعكس صورته على كل أحاسيسها.

 

وبعدها قال لها الطبيب: هل كرهتيه؟

قالت: بكل قطرة دم في كياني

 

قال لها: هل ما زلت تقرأين أخطاءه؟

قالت: نعم.. لتترسب كراهيته كما ترسب حبه من قبل

 

وكانت الأوراق في يدها ثم طوتها وهي تقول بابتسامة متعبة نصيحة لكل من يريد النسيان:

 

"إذا كان لك حب خان، إذا كان لك حبيب غدر وهجر، إذا كان في خاطرك ذكرى ترهق مشاعرك وتسيل دموعك، اكتب قائمة الخطايا التي عذبتك الليالي الطويلة ولا ترفع عينيك من فوقها إلا عندما تجتاز بوابة النسيان".

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم