محمود الوردانى - [email protected]
بروايته الوحيدة «بيرة فى نادى البلياردو» ترجمة إيمان مرسال وريم الريس الصادرة عن دار الشروق- 2014 والمنشورة بالإنجليزيةعام 1964، صنع الكاتب المصرى وجيه غالي( 1930- 1968 ) الذى أنهى حياته منتحرا فى شقة صديقته وراعيته وأقرب الناس إليه ديانا أتهيل، صنع مجدا أدبيا وصاغ أسطورة، بالتأكيد أسهم انتحاره فى تداعياتها، لكن هذا لاينفى أبد أنها واحدة من أهم روايات ذلك العصر: عصر ستينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم أنها مكتوبة بالإنجليزية ومنشورة بعدة لغات وطبع منها عدد كبير من الطبعات، إلا أن ترجمتها إلى العربية لم تحدث إلا بعد أكثر من نصف قرن على صدورها بالإنجليزية، وعلى الرغم أيضا من أغلب أحداثها تدور فى القاهرة تحديدا، وبين رجال ونساء مصريين فى منتصف خمسينيات القرن الماضي.. على الرغم من هذا وذاك انتظرت الرواية كل تلك العقود قبل ترجمتها، بسبب خطيئة ارتكبها فى أعقاب حرب يونيو 1967، وأثناء إقامته فى أوربا، بزيارة إسرائيل وكتابته عدة مقالات عن تلك الزيارة فى الصحف الإنجليزية، حتى لو كان ماكتبه لم يتضمن إشادة وتشبيبا بالدولة العبرية، كما لم يتضمن إدانة واضحة فى الوقت نفسه إلا أنه ارتكب تلك الخطيئة وفى وقت خطر، معتبرا نفسه مواطنا إنجليزيا، وحتى الإنجليز من المفترض أن يستخدموا عقولهم إزاء احتلال قام على طرد السكان الأصليين، وهو جريمة ماتزال تحدث أثناء كتابة هذه السطور فى حى الشيخ جراح بالقدس.
لن أكتب هنا عن روايته الوحيدة تلك، مكتفيا بأننى أعتبرها دون أى مبالغة من أكثر الروايات التى قرأتها فتنة وعذوبة، ومن أكثرها تعبيرا عن تلك الفترة وإمساكها بشئ ما عصى على التصنيف، لكننى سأعتبره « جوهر» ما « إيقاع» أو « إحساس»، ومسحة من خفة الدم والسخرية السوداء وعدم الانتماء ورفض كل ماهو مطروح وتسفيهه، وعدم إيلاء أى عناية أو انتباه للسائد، بل رفضه دون أن يكون ضروريا ولامطلوبا تقديم البديل.
أما ماكنت أود أن أثيره هنا هو صدور هذا العدد الكبير من الترجمات لكتبه فى وقت وجيز فيما يشبه الاستعادة فبعد البيرة، صدر عن المركز القومى للترجمة عام 2018 كتاب» بعد جنازة» للمحررة والكاتبة الإنجليزية راعية وصديقة غالي، ديانا أتهيل، ترجمة نرمين نزار حول السنوات التى أمضياها معا، سواء قبل إقامته الفعلية معها فى شقتها فى لندن، أو قبل ذلك أثناء إقامته فى ألمانيا.
وفى العام التالى 2019 أصدرت دار المحروسة كتابين له قام بترجمتهما وائل عشري. الأول مجموعة غالى القصصية الوحيدة « الورود حقيقية»، والثانى « رسائل السنوات الأخيرة» الذى يتضمن ما أمكن العثور عليه من رسائله خلال السنوات من 1963 وحتى1967 ، وأغلب تلك الرسائل أرسلها غالى لديانا أتهيل مما يلقى الضؤ ويكشف بجلاء عن طبيعة العلاقة البالغة التعقيد بينه وبين أتهيل.
وفى هذا العام2021 أصدرت دار الكتب خان ترجمة قام بها محمد الدخاخنى لمجلدين يتضمنان يومياته خلال الأعوام من 1964 وحتى1968 من إعداد وتحرير مى حواس. وأغلب الظن أن صدور هذه الأعمال المتوالية خلال هذا الوقت الوجيز بسبب المصادفة، لكن الأهم أنه أصبح لدينا الآن- نحن القراء- كامل الإرث الذى خلّفه وجيه غالي، وأغلبه لم ينشر فى حياته.
وفى النهاية أظن أيضا أن استعادة وجيه غالى مهما كانت أخطاؤه وخطاياه حدث ثقافى يتمتع بأهمية استثنائية..