«الكحك» يحرق قرية كاملة!

«الكحك» يحرق قرية كاملة!
«الكحك» يحرق قرية كاملة!

قراءة: أحمد الجمَّال

لا تكتمل فرحة العيد من دون الكعك الذى تبرع فى صنعه ربات البيوت فى مصر من زمن بعيد كتقليد مرتبط بعيد الفطر، لكن يبدو أن القدر أراد أن يغير هذه الفرحة قبل أكثر من نصف قرن، حين تسبب كعك العيد فى حرق قرية كاملة، فى منتصف عام 1954، وهى الواقعة المأساوية التى شهدتها قرية «ميت النصارى» المعروفة حالياً باسم «منية النصر» إحدى مراكز محافظة الدقهلية، وهى قرية قديمة معروفة تاريخياً لأن محمد على باشا اتخذها مركزاً لسلاح المهندسين بجيشه.. تفاصيل ذلك اليوم الصعب نعيد سردها فى السطور التالية كما نُشرت فى المجلة، ولكن بتصرف محدود.

تواصلت عملية رفع أنقاض المنازل التى قوضها الحريق فى قرية ميت النصاري، وفى كل يوم كان الأهالى يكشفون جثثاً جديدة للضحايا، والشيء المؤكد أن عدد ضحايا الحريق قد بلغ 18 قتيلاً، ولكن عمليات البحث عن جثث القتلى تحت الأنقاض لم تكشف إلا عن 12 جثة، وكان من بين الضحايا سيدتان مجهولتان، ولما رُفِعت الأنقاض عن جثتيهما تبين أن إحداهما كانت حاملاً وأن بطنها قد انفجر بسبب حرارة الحريق، وكان الجنين وقد شوهته النيران بارزاً من فتحة البطن. أما الجثة الأخرى فقد كانت حالتها مؤلمة للغاية: كانت النيران قد أتت عليها ولم تتركها هى ووليدها الذى لم ير النور إلا قطعتين من الفحم.

وكشف التحقيق أن المرأة التى تسببت فى هذه النكبة التى حاقت بالبلدة كانت تعد كعك العيد، وبينما كانت تشعل فرن دارها بقطعة من «قوالح الذرة» لمست نار «القولحة» يدها وألقت بها على الأرض، وكانت الرياح شديدة فحملت «القولحة» معها ناحية جرن الدريس.. وبدأت النيران من الجرن وانتهت بما التهمته فى منازل القرية.

ويقولون فى القرية إن المسافة بين «سمنود» و«ميت النصارى» لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات، ومع ذلك لم تصل النجدة إلا بعد ساعة كاملة، ولما اشتدت وطأة الحريق جاءت وابورات (عربات) المطافئ من جميع المدن القريبة.

وشيء آخر يقولونه، فقد انهالت التبرعات والإعانات على المنكوبين، لكن أهل القرية يطالبون بإشراف وزارة الشئون الاجتماعية على توزيع هذه الإعانات، خاصة الأهلية منها.

ويقول مأمور مركز سمنود فى هذا الصدد: إن الإعانات الأهلية يشرف على توزيعها حقيقة رجال القرية المحليون، أما إعانات وزارة الشئون الاجتماعية فتشرف عليها لجان خاصة بمساعدة هذه القرية.

وقد تقرر بصدد هذه الإعانات صرف 30 جنيها لأسرة كل متوفى، وخمسة جنيهات لكل مصاب، و25 قرشاً كإعانة عاجلة عن تعطُل كل منكوبٍ لمدة خمسة أيام. وفى نفس الوقت تم توزيع أكثر من عشرة آلاف رغيف و280 «أفة» من الحلاوة والجبنة على العائلات المنكوبة.

ويقدر المأمور قيمة الإعانات التى صُرِفَت بنحو 550 جنيهاً. وقد بعثت إدارة الشئون العامة بوزارة الحربية كميات كبيرة من البقسماط والفاصوليا وعلب شوربة العدس ولحوم البولوبيف لتوزيعها على المنكوبين، ولكن الشيء الذى يشكو منه المنكوبون هو أن كل هذه الإعانات وضعت بين أيدى أفراد من أهل القرية للإشراف على توزيعها، وكان ذلك سبباً فى إثارة بعض هؤلاء المنكوبين.

(آخرساعة 2 يونيو 1954)