فى الصميم

فليتحمل الجميع مسئولياتهم.. أمريكا والمجتمع الدولى والسد الإثيوبى!

جلال عارف
جلال عارف

تعيين أمريكا لمبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقى فى هذا التوقيت يعكس إدراك خطورة الأوضاع فى هذه المنطقة. واختيار الدبلوماسى «جيفرى فيلتمان» الخبير بشئون المنطقة والشأن العربى يعنى أن هناك جدية فى التعامل مع أزمات المنطقة وفى المقدمة منها أزمة السد الإثيوبى.
فى بداية جولة أولى للمبعوث الأمريكى فى المنطقة كانت زيارته للقاهرة وكان مهماً جداً أن يسمع رؤية مصر وموقفها الحاسم من الأزمة من الرئيس السيسى الذى كان حريصا من جانبه على تأكيد أمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف وملزم قانوناً لملء وتشغيل سد النهضة هو قضية وجودية بالنسبة لمصر التى لن تقبل بالإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها.
والأمر الثانى: كان التأكيد على أهمية تحمل المجتمع الدولى مسئولياته فى حلحلة تلك الأزمة، وحيوية الدور الأمريكى وأهمية اضطلاع أمريكا بدور مؤثر فى هذا الإطار وهو دور لا يعتمد فقط على مكانة أمريكا وتأثيرها كأكبر قوة عالمية، وإنما أيضا على معرفتها الكاملة بجذور الأزمة وتطورها، وانخراطها فى محاولات الحل التى وصلت فى العام الماضى إلى اتفاق من خلال مباحثات واشنطن التى رعاها الرئيس الأمريكى السابق وشارك فيها البنك الدولى. وهو الاتفاق الذى كان يمثل حلا معقولا لكن إثيوبيا أثبتت مرة أخرى أنها تفتقد للإرادة السياسية، فتهربت من توقيع الاتفاق واستمرت فى طريقها الخاطئ الذى ينتهك كل القوانين والمعاهدات، ويرفض أى حل عادل يحقق مصالح كل الأطراف.
لم تكن أمريكا بعيدة عن تطورات الأزمة ولا عن حجم المخاطر التى يمثلها الموقف الإثيوبى على استقرار المنطقة وسلام العالم. وهى تدرك جيداً معنى إقدام إثيوبيا على الملء الثانى للسد دون اتفاق ملزم. ولهذا يأتى تحركها فى هذه الظروف الدقيقة، ويبدأ مبعوثها من القاهرة حيث كان ضروريا أن يسمع رؤية مصر وموقفها الواضح والحاسم، وجهودها الهائلة على مدى سنوات للتوصل للحل الذى يضمن حقوق كل الأطراف ويحقق مصالحها، والتى لم تقابلها إثيويا ـ حتى الآن ـ إلا بالتعنت الأحمق، والتهرب الدائم من أى التزام.
الدور الأمريكى هام «كما هو دور المجتمع الدولى كله» فى إنقاذ المنطقة والعالم من العبث الإثيوبى، وفى الحفاظ على السلم والأمن فى أفريقيا والعالم، خاصة بعد سنوات من جهد إثيوبى متواصل لنشر الأكاذيب ومحاولة التأثير فى الرأى العام الأمريكى «وخاصة عند الأمريكيين من أصل افريقى» بالافتراء على مصر وتصوير تمسكها بالحق فى الحياة لملايين المصريين الذين تمثل مياه النيل شريان الحياة لهم بأنه «إرث استعمارى»! فى لعبة قذرة تمارسها إثيوبيا لتبرير عدوانها على الحقوق وانتهاكها للقانون.. وكأن أفريقيا بلا ذاكرة تعرف من كان يقاتل من أجل حرية شعوبها، ومن كان يقف فى صف المستعمر(!!) وكأن القاهرة لم تكن مقر كل حركات التحرر الأفريقية(!!) وكأن الأكاذيب الإثيوبية لن تنكشف أمام الجميع وهى تفتح الباب للفوضى الكاملة فى القارة الأفريقية بإطلاقها لحروب المياه وإنكارها للاتفاقات التاريخية على الحدود.. لكى يهرب حكامها من صراعات الداخل وما يرافقها من مذابح وانتهاكات أصبحت على أبواب المحكمة الجنائية الدولية!!
الدبلوماسية المصرية تعمل جاهدة لفضح الأكاذيب الإثيوبية ولشرح موقف مصر العادل.. عمل كبير لوضع الصورة كاملة أمام الحكومات والشعوب الأفريقية بالتنسيق مع السودان الشقيق. وجهد مماثل مع الرأى العام العالمى والقوى الكبرى والتحرك المشترك من وزير خارجيتنا سامح شكرى ووزيرة خارجية السودان القديرة والشجاعة الدكتورة مريم المهدى فى القارة الأفريقية ومع العالم يحقق نتائج جيدة فى حصار الأكاذيب الإثيوبية. نحتاج لمضاعفة الجهد لمخاطبة الرأى العام العالمى وشرح قضيتنا العادلة له. المهمة ليست صعبة لأننا نملك الحق، ونملك القوة للدفاع عن حقوقنا خاصة إذا كان الخطر يستهدف حياتنا. لا نسعى للعدوان بل ننشد السلام الذى يحقق مصالح كل الأطراف والذى لن يتحقق إلا مع اتفاق عادل ومنصف وملزم قانونا يضمن حق إثيوبيا فى التنمية وحقنا فى الحياة.
نأمل أن يتحمل المجتمع الدول مسئولياته، وأن تكون الإدارة الأمريكية جادة فى تحركها الجديد لحل الأزمة. الحل مازال ممكنا من خلال التفاوض الجاد إذا امتلكت إثيوبيا الإرادة السياسية والتزمت بالقانون، وإذا ادرك الجميع أن المرونة الفائقة التى أبدتها مصر فى التفاوض لا يمكن أن تؤدى إلى ترك العبث الإثيوبى يبلغ مداه. ما سمعه المبعوث الأمريكى من الرئيس المصرى هو ما يجمع عليه شعب مصر: التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف وملزم قانوناً لملء وتشغيل سد النهضة هو قضية وجودية بالنسبة لمصر التى لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها.
رسالة ولا أوضح نرجو أن يتلقاها حكام إثيوبيا بالفهم الصحيح والإدراك الواعى وأن تساعدهم أمريكا والقوى الكبرى والمجتمع الدولى على ذلك قبل فوات الأوان!