محمد العيلة
موائد الرحمن.. أحد أبرز طقوس الشهر الكريم والتى اعتاد عليها المصريون منذ 11 قرناً من الزمان، حيث الجود والكرم وإفطار الصائمين ليس فقط من الفقراء والمساكين وإنما هى مفتوحة على مصراعيها للجميع، إلا أننا حُرمنا منها للعام الثانى على التوالى بسبب الإجراءات الاحترازية والوقائية لمواجهة جائحة كورونا ، حيث أصدرت دار الأوقاف قرارا بمنع إقامة الموائد الخيرية خلال شهر رمضان فى ظل مساعى الوزارة للحد من التجمعات ووقف انتشار الفيروس.
تاريخ الموائد
ومع اختفاء موائد الرحمن من شوارع مصر.. تقوم الجمعيات وأهل الخير بعمل موائد الإفطار المحمولة وتعتمد على نقل الموائد إلى المنازل «موائد ديلفرى» تحت شعارات مختلفة أبرزها «خد فطارك.. وافطر فى البيت»، و«خليك بالبيت فطارك هيوصلك»، و«يلا نساعد أهالينا» وغيرها، حيث يتم تجهيز وجبات إفطار جاهزة فى أكياس أو علب، وتوزيعها على المحتاجين قبل موعد الإفطار وعلى العابرين الذين لم يسعفهم الوقت للوصول إلى منازلهم وقت الإفطار مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس.
ويرجع تاريخ موائد الرحمن الخيرية فى مصر إلى نحو أكثر من 1119 عاما، وقت حكم الدولة الطولونية، وتحديدا فى السنة الرابعة من ولاية الأمير أحمد بن طولون(220-270 هجرية)، تحت اسم «سماط الخليفة». ويرى مؤرخون أن الخليفة المعزلدين الله الفاطمى(932-975 هـ) كان أول من أقام مائدة فى شهر رمضان بمحيط جامع عمرو بن العاص تحت اسم «دار الفطرة»، وكان طولها حوالى 175 مترا، ليخرج من قصره 1100 قدر من الأطعمة والتى كانت توزع على الفقراء والمحتاجين.
واستمرت الموائد حتى العصر الحديث، وكان الملك فاروق يحرص يوميا على افتتاح مأدبة هائلة فى ساحة قصر عابدين، ويقرأ بها أشهر قراء القرآن الكريم، ومنذ عام 1967 أصبح بنك ناصر الاجتماعى مسئولا عن الإشراف على موائد الرحمن والتى يتم توفير نفقاتها من أموال الزكاة والصدقات وكان أشهرها المائدة التى تقام بجوار جامع الأزهر الشريف.
ثلاثة ملايين مستفيد
وأفادت دراسة أجرتها جامعة الأزهر بأن عدد المواطنين الذين يستفيدون من موائد الرحمن يبلغ ثلاثة ملايين شخص يوميا، ويبلغ عدد الجهات أو الأشخاص الذين يقومون على تنظيم تلك الموائد 10 آلاف، بواقع 40 ألف مائدة تقريبا موزعة على محافظات مصر.
إفطار ديلفرى
وقال أيمن عبد الفضيل، وهو أحد مقدمى موائد الرحمن فى حى الجمالية:« كنت أقدم مائدة رحمن سنوياً منذ ما يقرب من 16 عاما ولكن استبدلتها هذا العام بوجبات إفطار جاهزة كى استمر فى تقديم العمل الخيرى، وأقدم الوجبات لضيوفى ليأخذوها ويتناولوها فى منازلهم أو أماكن عملهم».
وأضاف عبدالفضيل:«مستمر فى مساعدة أهالى منطقتى حتى تنتهى أزمة فيروس كورونا، ومصر مليانة ناس خيرين ولازم نتكاتف كلنا وندعم بعض وقت الأزمات».
تكافل اجتماعى
من جانبه، أكد محسن سرحان الرئيس التنفيذى لبنك الطعام المصرى أن البنك يستهدف توفير مواد غذائية لمليون أسرة خلال شهر رمضان ومساعدة 150 ألف أسرة شهريا بالاضافة إلى التوسع فى إطلاق القوافل الغذائية بالمحافظات الحدودية لمساعدة 500 ألف أسرة خلال عام 2021
وأوضح أن البنك يقوم بالتعاون مع آلاف الجمعيات الخيرية المعتمدة من قبل البنك فى جميع أنحاء الجمهورية بتوصيل كراتين إفطار الصائم إلى الحالات الأكثر فقراً المسجلة فى قاعدة بيانات البنك، والتى تم دراستها مسبقا والتأكد من احقيتها فى كل محافظات مصر. وأشار إلى أنه يمكن لأى شخص المساهمة والتبرع فى مبادرة إفطار صائم بعدة طرق أتاحها البنك، وتوجد عدة شرائح من التبرعات الأولى منها للوجبات اليومية ومنها نوعان «25 جنيها وجبة فطار 35 جنيها وجبة إفطار وسحور»، وكذلك يوجد الكراتين وهى نوعان تختلفان فى مكوناتهما وأوزانهما وهى«كرتونة إفطار صائم بقيمة 15جنيها.. وكرتونة أخرى بقيمة 250 جنيها».
أخف الضررين واجب
وكان الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتى الجمهورية السابق قد أشار إلى أننا لا نريد فى المحنة التى نمر بها بسبب فيروس كورونا أن نوقع الضرر بأنفسنا ثانيا وأباءنا وأمهاتنا أولا، حيث قال رسول صلى الله عليه وسلم «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منا»، كما علمنا فى دينه أن ارتكاب أخف الضررين واجب.
وأوضح جمعة أن من رحمة الله تعالى أن يجعل للشىء بديلا حيث نستطيع أن نصل بالطعام إلى مستحقيه عبر مؤسسات المجتمع المدنى وذلك فى صورة شنطة رمضان أو كرتونة الطعام، مشيراً إلى أن موائد الرحمن كانت علامة على التكافل الاجتماعى ولكن حرمنا منها وكأن الله يعلمنا أن النعم لا تتناهى أبدا وأوجد لنا البديل فى مثل هذه الظروف.
الإلغاء واجب شرعي
وتؤيد د.إلهام شاهين الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، القرارات الخاصة بعدم التزاحم حفاظا على حياة الناس وعدم انتشار وباء فيروس كورونا وأهمها منع موائد الإفطار الجماعى وإلغاء الاعتكاف وعدم السماح بفتح الأضرحة ودورات المياه أو دور المناسبات.
وقالت شاهين، فى تصريحات خاصة للواء الإسلامى، إن «دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة» وهى قاعدة فقهية تهدف فى الأساس إلى الحفاظ على النفس البشرية فى كافة الأوقات وبالأخص وقت الأزمات فكون الإنسان يدرأ الضرر عن نفسه وعن من حوله أعظم من كونه يجلب المنفعة، فإذا كان عمل تلك الموائد سيترتب عليه ضرر أو شر فمنعها أولى من إقامتها.