الفـوال والطـرشجـى والكنفانـى وبائـع المكسرات

الأربعة الكبار فى رمضان

الفـوال والطـرشجـى والكنفانـى وبائـع المكسرات
الفـوال والطـرشجـى والكنفانـى وبائـع المكسرات

قراءة: أحمد الجمَّال

أميرة المجلات "آخرساعة" لها حكايات مع شهر الصيام وتحفل أعدادها من عقود طويلة بموضوعات شائقة، ربما طاولها غبار الزمن، لكنها لا تزال تحمل رائحة العبق، وحين يقع تحت يدك عدد عتيق منها فهو بمثابة كنز يلقى هالة ضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة، بل وتاريخ مصر عموماً فى ذلك الوقت. وفى السطور التالية نستعرض «كنوز الأميرة» وما فيها من صفحات الماضى الجميل  خلال رمضان من أعوام وأعوام قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.

 

فى هذا التقرير الذى كتبه محرر المجلة، يتحدث عما سماه «الأربعة الكبار»، وهو فى الحقيقة أراد لفت الأنظار إلى ما جاء فيه من تفاصيل، فاستخدم هذا المصطلح المعروف لدى أهل السياسة، ويشير إلى الدول أو القوى الأربعة الكبرى المتحالفة فى الحرب العالمية الأولى، التى اجتمع وزراء خارجيتها فى مؤتمر باريس للسلام فى يناير 1919، وهى أمريكا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، والمحرر كان يقصد أربعة غيرهم تماماً مرتبطين بشهر رمضان فى مصر، وهم الفول والطرشى والكنافة والمكسرات، وفيما يلى نص التقرير:

هم ليسوا وزراء خارجية الدول الأربع الكبار، ولكنهم يحتلون فى شهر رمضان مكاناً رفيعاً فى المجتمع المصري، حيث يقصد إليهم الناس بمختلف طبقاتهم راجين أن يشملوهم بالرحمة التى هى فوق العدل.

وهؤلاء الأربعة الكبار هم الكنفانى وبائع الفول وبائع المكسرات والطرشجي، ويبلغ دخل كل منهم فى هذا الشهر أضعاف أضعاف دخله فى الشهور الأخرى، فبائع الكنافة ـ مثلاً ـ قل أن تجد أحداً فى الأيام العادية يقف أمام دكانه: أما فى رمضان فالزبائن تقف أمامه بالنبوت.

يتقدّم الزبون إلى بائع الكنافة بمنتهى الأدب والذوق، مراعياً لا يجرح شعوره فيما يتعلق بمسألة الميزان فذمة بائع الكنافة فى شهر رمضان فوق مستوى الشبهات، وكلمته واحدة وأعصابه من حرير.

وأغلب صانعى الكنافة لا يزاولون صنعها إلا فى موسم رمضان، فإذا أقبل العيد تراهم يزاولون مهنة أخرى لا تقل رواجاً عن كنافة رمضان وقطايفه: هى كعك العيد.. وأشهر بائع كنافة فى القاهرة هو الحاج عرفة، ولم يحدث أن أقبل الناس على دكان كما يقبلون على محل الحاج عرفة، فأنت إذا ذهبت إلى هذا المحل لشراء كمية من الكنافة فقد تقف نصف ساعة أو ساعة، إلا إذا كلفت أحد الصبية الذين يحترفون هذه المهمة، القيام بذلك، كما يفعل (الشيالون) أمام شباك تذاكر محطة مصر.

والفول المدمس من أهم الأطعمة التى يعتمد عليها الصائم فى الإفطار والسحور، لذلك يخرج بائع الفول بعربته من الساعة الثانية بعد الظهر ولا يعود إلا فى الثانية بعد منتصف الليل، إذ يكون قد أفرغ كل ما يحمله على عربته من قدور ويبيعه فى كميات يتفاوت ثمنها بين قرش وخمسة قروش.. ومن هنا أصبح بائع الفول أحد الأربعة الكبار.

أما بائع المكسرات فيظل طول العام صائماً عن البيع والشراء إلى أن يأتى رمضان فيزدحم الناس أمام دكانه.. والمكسرات فى رمضان من التقاليد الموروثة التى لا تقلع عنها الزوجة المصرية مهما تكلفها من ثمن.

ويصل التطرف ببعض السيدات المصريات إلى أن تخلع الواحدة منهن قطعة من مصوغاتها إذا تعذر عليها النقود، لتبيعها أو ترهنها وتشترى كميات من قمر الدين واللوز وعين الجمل. وكثيراً ما تحدث بين الأزواج بسبب المكسرات وكعك العيد مشاحنات تنتهى بالطلاق.

أما الطرشجى فيزدحم حوله الزبائن من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى مدفع الإفطار.. و»الطرشجي» يختلف عن زملائه من باعة الأطعمة بطريقته فى تنسيق الطرشى فى الطبق أو السلطانية، وهو كبائع الزهور يحاول أن يجعل من الجرجير والخيار والزيتون الأخضر طاقة يقدمها إليك.

هؤلاء هم الأربعة الكبار الذين يلعبون الدور الأول فى شهر رمضان، وتليهم فى الأهمية طائفة أخرى فى مقدمتها «المسحراتي» صاحب الصوت الذى تستطيع أن تسكته طلقة مدفع السحور.

والمسحراتى فنان يرتجل الزجل والمديح ويحفظ الكثير منها، ينادى أسماء سكان البيت بعد أن ينظمها فى عقد من الألفاظ الرقيقة، وهو يحفظ أسماء سكان منطقته ووظائفهم فرداً فرداً، ويستطيع أن يعطيك تقريراً وافياً عن حالة كل منهم الاجتماعية.

(آخرساعة - 9 يوليو 1949)