الشيخ محمد رفعت.. احتبس صوته فبكى أهل الأرض

الشيخ الراحل محمد رفعت - أرشيف أخبار اليوم
الشيخ الراحل محمد رفعت - أرشيف أخبار اليوم

الشيخ محمد رفعت أو قيثارة السماء كما أطلق عليه؛ حيث كان صوته ملائكي يتلو القرآن بتدبر وخشوع يجعل يسمعه يعيش معاني القرآن الكريم ومواقفه بكل جوارحه لا بأذنه فقط، تلاوته تمس القلب وتملكه ويسرد الآيات بسلاسة وكان يبدأ الترتيل بهدوء بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والبسملة، وبعدها يعلو بصوت جميل ورخيم ورنان.

 

امتلك الشيخ محمد رفعت طاقات صوتية هائلة، جعلته يستطيع الانتقال بسلاسة شديدة بين المقامات، فصوته قوي لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من 3 آلاف شخص في الأماكن المفتوحة.

 

حفظ الشيخ محمد رفعت القرآن في مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز، وانطلق منه صوته صاحب الرهبة والغموض، وفي هذا المسجد أيضا احتبس صوته واحتبست معه دموع محبيه وعاشقيه ومن خشعوا وارتفعوا بقلوبهم وأرواحهم على «حس» صوته الذي ظل خلال 11 عاما ينطلق بسورة الكهف يوم الجمعة من هذا المسجد حتى حجبه المرض، بحسب ما نشرته جريدة الأهرام في 18 مايو 1986.

 

بدأ الشيخ في إحدى صلوات الجمعة في بداية عقد الأربعينيات؛ إذ رفع شيخ صغير السن صوته «يا سامعي القرآن الكريم أنصتوا ثم أنصتوا، تفوزوا إن شاء الله بالثواب».

 

اقرأ أيضًا| محمد صديق المنشاوي.. قطعوا إرسال التلفزيون ليعلنوا نبأ وصوله‬ 

 

اعتدل الشيخ الصغير في جلسته وتنحنح وكأنه يهيئ القلوب للوجه والطرب، فأصغوا وأرهفوا السمع لأعظم صوت أنشد القرآن وتلاه، انطلقت الآيات من حنجرته على 18 مقاما موسيقيا ومن يومها ملأ الصوت الدنيا وشغل الناس، وسمي بصوت رمضان حيث حول أختام التلاوة في رمضان حتى بات جزءا منه فبمجرد سماع صوته نستشعر أجواء رمضان. 

 

كان يرسم أمام سامعيه بتنغيماته مساجد ومآذن وقصورا في الجنة, كما كان يقرأ ويتدبر الآيات فإذا كانت واحدة تبشر بالجنة كان الصوت مستبشرا بهيجا وإذا مر بآيات النقمة والتوعد كان الصوت جزعا مرتعشا كأنما كان الصوت يسير وجلا فوق الصراط خشية السقوط.

 

وفي آخر حياته في منتصف الأربعينات أصابه مرض في حنجرته أثر عليه، وفي إحدى الجمعات وفي مسجد فاضل كعادته وفيما كان يقرأ سورة الكهف غص صوته واحتبس فسكت قليلا ثم عاد يتلو تلاوة متقطعة حتى احتبس صوته تماما، هنا أخرج من جيبه زجاجة دواء فيها سائل أحمر، واحتسى قليلا منه وانتظر برهة وعاد يرتل فأطاعه صوته قليلا ثم بعد ذلك توقف تماما فغادر مجلسه ليحتله شيخ آخر.

 

كانت لحظة قاسية عنيفة اهتزت لها مشاعر وأعصاب الحاضرين في المسجد فضجوا بالبكاء ولطم بعضهم الخدود حزنا وأسفا, وارتفع صراخ المقرئين الشباب الذين كانوا يلتفون حول الشيخ العظيم كل جمعة، وخرج الناس من الصلاة وعيونهم تفيض بالدموع وقلوبهم تحف الشيخ لا يدرون أيواسونه أم يواسون أنفسهم.

 

لقد عطل المرض تلك الأوتار السماوية لذلك الصوت الذي وصفه ذات يوم محمود السعدني بأنه «صوت الشعب»، الذي استمد طبيعته من جذور الأرض وهو صوت مشحون بالأمل والألم.

 

ولد الشيخ رفعت في حي المغربلين وعاش في حي السيدة زينب بالقاهرة ومات فيه، والغريب أنه ولد في 9 مايو يوم 1882، ومات 9 مايو 1950، أي أنه ولد في الربيع ومات أيضا في الربيع ليظل صوته ربيعا دائما.

 

فقد بصره صغيراً وهو في سن الثانية من عمره، وبدأ يحيي بعض الليالي في القاهرة بترتيل القرآن الكريم، وبعدها صار يدعى لترتيل القرآن في الأقاليم، وهو من افتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934. وتزوج من زينب من قرية الفرعونية بالمنوفية، وأنجب أربعة أبناء وقد توفاهم الله جميعاً.

 

أما عن مرضه فقد أصابت حنجرة الشيخ محمد رفعت في عام 1943 «زغطة» تقطع عليه تلاوته، فتوقف عن القراءة، وقد سببت الزغطة ورم في حنجرته يعتقد أنه سرطان الحنجرة، صرف عليه ما يملك حتى افتقر لكنه لم يمد يده إلى أحد، حتى أنه اعتذر عن قبول المبلغ الذي تم جمعه في اكتتاب لعلاجه وكان في حدود 50 ألف جنيه، على الرغم من أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، وكان جوابه كلمته المشهورة «إن قارئ القرآن لا يهان».

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم