رمضان حول العالم..

الإفطار الجماعي و«الحلو مر».. أهم ما يميز رمضان السودان

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

 أحمد بهجت

يتميز الشعب السودانى بالأصالة والعراقة والمحبة التى تجمع بين أبناء شعبه، ورغم ما مر به من أحداث جسام، تبقى العادات والتقاليد التى يشهدها شهر رمضان شاهدة على الشهامة التى تميز السودانيين.

فرغم جائحة كورونا، التى أثرت على حركة الناس على مستوى العالم، إلا أن من التقاليد الراسخة التى شهدها السودان خلال الأعوام الماضية، تقليد الإفطار الجماعي في الشوارع والساحات العامة، وما يزال يمثل الحدث الأبرز والأهم بالنسبة للسودانيين، إذ يخرج الصائمون إلى الشارع كلّ بطعامه وشرابه يتشاركونه ويدعون العابرين إليه، فالإفطار الجماعي ظل عادة راسخة في الوجدان السوداني، لا يحيد عنها إلاّ قلة قليلة من سكان الأحياء الراقية في المدن الكبيرة.

اقرأ أيضا| دول قررت فتح مجالها الجوي لإنقاذ السياحة في 2021

والإفطار الجماعي في الشوارع يختلف في طريقته من القرية إلى المدينة، ففي القرى يقوم السكان بقطع الشارع واعتراض وسائل النقل وإجبار المسافرين على النزول وتناول الطعام، وذلك عن طريق وضع العمامة السودانية في منتصف الطريق ثم يأتي رب الأسرة ليقوم بالترحيب بركاب الحافلة، فتدخل النساء إلى المنزل، ويبقى الرجال لتناول الفطور في الشارع، حيث تمتد موائد الرحمن.

ومن الطرائف التى تروى فى هذا الصدد، حيث شهدت ولاية الجزيرة تسجيل دعوى قضائية، تروى خلاف بين مواطنين حول من يكرم المسافرين على الطريق، ويتشرف بخدمتهم أثناء وجبة الإفطار وادعى أحدهم أن الآخر (يسرق) منه الضيوف، ويسرع لسحب الحافلات والعربات المسافرة على الطريق لمائدته دون أن يترك له مجالا لإكرام بعضهم، الأمر الذي جعل القاضي يرفض النظر في الدعوى، لكنه استعمل الحكمة وقدم محاضرة عن الكرم السوداني وتدخل فاعلو الخير ليتم تقسيم الضيوف على الموائد جميع.

أمّا بالنسبة إلى المائدة الرمضانية، فلم يُسجَّل تغييراً كبيراً، حيث تتكون بشكل أساسى من التمر و«العصيدة» ومشروب «حلو مر»، وعلى الرغم من أن أسراً افتقدت هذا المشروب السوداني الخالص، إلا أنه يظل «الطقس» الرسمى للكثير والكثير من العائلات، وهو عبارة عن رقائق مصنوعة من طحين الذرة المخلوط بأنواع  مختلفة من البهارات اللاذعة والباردة (الكزبرة، القرفة، والهيل، والعرق الأحمر، والتمر هندي، والكركديه، والكمون)، حيث يتم تذويب هذه الرقائق في الماء ويستخرج منها عصير بلون داكن مذاقه يتراوح بين الحلاوة والمرارة، لذا أطلق عليه (الحلو مر).

في الماضي كان يوم «الحلو مر» يومًا تاريخيًا للأسرة السودانية، حيث تتحلق الجارات حول صاج كبير يوضع فوق حطب أو فحم ثم تأتي عملية سكب السائل على هذا الصاج الساخن لتتشكل رقاقة خفيفة تزدهي بلون أحمر. هذه الجلسة تتميز بأنها جلسة سمر نسائية خاصة ولعب الأطفال الذين يستمتعون بتذوق أول رقاقة تخرج من الصاج. للحلو مر رائحة ذكية جدا تنتشر في أرجاء الحي، ما زالت هذه الجلسة تمارس في القرية السودانية لكنها تختفي كلما اتجهنا للمدن لأن كثيرًا من الأسر السودانية أصبحت تميل إلى شرائه من السوق أو السوبر ماركت، أو جلب سيدة لعملة في المنزل بهدوء ودون الإعلان عنه.

أما العصيدة فهي «مخبوز» من الذرة في شكل عجينة يتم تشكيلها وفق للقوالب التي توضع فيها، وتؤكل على مائدة رمضان إلى جانب بعض الإضافات ومكونها الأساسي مسحوق البامية المجففة، واللحم القديد.

وبطبيعة الحال، تأثرت المائدة الرمضانية السودانية بثقافات أخرى، فأضيفت الحلويات والسمبوسة والزلابية والشوربة والحمص وغيرها من المأكولات الوافدة، وكذلك صارت أكثر تنوعاً من ناحية المشروبات، فبالإضافة لمشروب «الحلو مر»، انضمت عصائر الفواكِه المختلفة.

ومن أبرز الظواهر في رمضان بالسودان، ذلك الشغف بالشراء والتسوق، خاصة بالنسبة للنساء، فلا تكاد الأسوق تخلو من المتسوقات، خاصة ليلاً، حيث يشترين كل شيء من المفروشات والملبوسات والأدوات المنزلية والتوابل والبهارات، خاصة في خواتيم الشهر المعظم، استعداداً للعيد.

كما توجد بعض المحظورات الاجتماعية، إذ يخلو شهر الصيام من المناسبات كالزواج والختان، وذلك لاعتقاد الكثير من السودانيين بأنّ رمضان مخصص للعبادة فقط، وأنّ مثل هذه المناسبات التي يسمح فيها بالترف والإسراف لا تتناسب مع مقتضيات هذا الشهر الكريم.

ويُعتبر رمضان بالنسبة للسودانيين شهراً لصلة الأرحام، والبذل، فبعد صلاة التراويح يتزاور الأهل والأصدقاء، ويُحيي البعض حلقات المديح النبوي، إذ إنّ مسلمي السودان ينتمون إلى الطرق الصوفية، التي تنظم تلك الحلقات، وهناك ينشدون في مدح النبي ما شاء لهم أن يمدحوا، كما تُفضل كثير من السودانيات الصلاة في المسجد، وخاصة صلاة التراويح، ما يجعل السودانيين يحيون روحانيات الشهر الكريم.

بجانب ذلك، يجتمع شباب الأحياء في الأندية أو المقاهي أو المطاعم، يلعبون الورق والشطرنج، ويدخنون الشيشة، ويتسامرون إلى وقت متأخر من الليل، كما تنشط الفعاليات والأنشطة الثقافية والرياضية بغية الترفيه والمتعة، فتلتئم المنتديات الأدبية والمنابر الشعرية ومجالس الغناء.

وتتميز ليلة السابع والعشرين من رمضان بمكانة خاصة لدى السودانيين، ولذلك للاعتقاد السائد بأنها «ليلة القدر»، حيث يحيونها حتى مطلع الفجر، فيما يستقدم بعضهم الشيوخ والمقرئين ليقرأوا القرآن ويرتلوه طوال الليل وحتى فجر الثامن والعشرين من الشهر، ويكثرون فيها من التهجد والدعاء، ويتصدقون فيها للفقراء والأطفال الإيتام.

وفي الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يُحيي معظم السودانيين ذكرى موتاهم، بما يعرف عندهم بيوم «الرحمتات» أي يوم الرحمة أو بمعنى «الرحمة تأتي»، فيذبحون الذبائح ويقيمون الولائم للعامة، لكنّهم لا يتصدقون بها للأيتام أو الفقراء فقط، كما هو متوقع، بل يدعون إليها جميع الناس حتى ميسوري الحال، وبعد تناول إفطار الرحمتات ينخرط الجميع في ابتهالات وأدعية يطلبون الرحمة لموتاهم، حيث تشهد الأيام الأخيرة من الشهر الكريم تحول البيوت السودانية إلى خلايا نشطة، إذ تبدأ الاستعدادات الخاصة لتحضير حلوى العيد، وتنشغل النساء في عمل الكعك والبسكويت، وغالباً ما يتم صنعها منزلياً بشكل جماعي.

ويفضل عدد من المغتربين السودانيين العودة لوطنهم لقضاء رمضان بنكهة محلية خالصة تمتد من لمة الأهل، وتنتهي بسماع المسحراتي الذي بدأ يتلاشى صوته مع عصرية الحياة.