شعب المستحيل | ثورة 30 يونيو.. قرار المصريين

 ثورة 30 يونيو.. قرار المصريين
ثورة 30 يونيو.. قرار المصريين

أحمد مراد

سنوات فوضى وعشوائية عاشتها مصر فى أعقاب أحداث الخامس والعشرين من يناير العام 2011، أعقبها عام حزن بوصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم بعد فوز المعزول، محمد مرسي، فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى منتصف العام 2012، وقد سبقها تشكيل برلمان إخواني، وصياغة دستور بالتفصيل على أيدى ترزية القوانين، لا يراعى مصالح الشعب والدولة المصرية، ولكن يخدم فقط جماعة الإخوان وعشيرتها، ويعزز من قوتها فى المشهد السياسى المصري. 

وطوال عام كامل، حاولت الجماعة الإرهابية السيطرة على مفاصل الدولة الحيوية عبر خطة ممنهجة لـ «أخونة» أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، ونشر أنصارها وأتباعها فى المواقع القيادية لهذه المؤسسات والأجهزة، وكان الغرض من ذلك ضمان البقاء فى الحكم إلى ما لا نهاية، وهو الأمر الذى عبر عنه صراحة أحد قادة الجماعة الإرهابية حينما قال: «جئنا إلى الحكم، وسوف نستمر فيه لمدة 500 سنة قادمة».

إلى جانب ذلك، سعى الإخوان إلى مد جسور التواصل مع تحالفات إقليمية ودولية، حتى يستندوا إليها لدعم مشروعاتهم ومخططاتهم الهادفه إلى تطويق المصريين، وبسط السيطرة على مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية بما فيها المؤسسات السيادية.  

ومنذ اللحظة الأولى لوصول «خفافيش الظلام» إلى القصر الرئاسي، أدرك المصريون أنهم أمام نكبة تاريخية تُنذر بسنوات عجاف تأكل الأخضر واليابس، ومن ثم وجب التحرك سريعاً لاسترداد مصر، ولم تُرهبهم تحالفات الإخوان الإقليمية والدولية، وقرروا رفع شعار التحدى فى وجه العالم فى سبيل عودة مصر إلى المصريين.

ومن رحم المعاناة، جاءت فكرة التخلص من الكابوس الإخوانى عبر إرادة شعب لا يعرف المستحيل، ولا تشغله التحديات مهما كانت قوتها، حيث أعلنت مجموعة من الشباب المصرى عن تشكيل حركة شعبية تحت مسمى «تمرد» هدفها جمع توقيعات من الشعب المصرى الرافض لاستمرار حكم جماعة الإخوان الإرهابية.

وسارع المصريون، مع اختلاف طوائفهم وفئاتهم ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، إلى المشاركة فى الحملة الشعبية للإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية، وإزاحتها من المشهد السياسى المصري، ومثل النيران فى الهشيم انتشرت استمارات «تمرد» بين مختلف الأوساط المصرية، وفى جميع المحافظات والمدن من أسوان إلى الإسكندرية، وفى غضون أيام قليلة وصل عدد التوقيعات على استمارات «تمرد» المطالبة بسحب الثقة من الرئيس الإخواني، محمد مرسي، إلى 22 مليون توقيع.

ومع شروق شمس يوم الثلاثين من يونيوالعام 2013، كان المصريون على موعد مع حدث تاريخى أبهر العالم كله شرقاً وغرباً، حيث خرج ما يقرب من 30 مليون مواطن مصرى فى مسيرات ومظاهرات سلمية يرددون الشعار الشهير: «يسقط حكم المرشد».

وفى المقابل، ردت جماعة الإخوان الإرهابية على مسيرات المصريين بلغة التهديد والوعيد والترهيب عبر منصاتها الإعلامية ومنابرها الدعوية إلا أن ذلك كله لم يُرهب المصريين، ولم ينل من إرادتهم، ولم يُحبط عزيمتهم الصادقة لإنقاذ مصر من براثن «خفافيش الظلام»، واسترداد وطنهم المسلوب.

خرج الملايين من المصريين بإرادة حرة صادقة، وتجمعوا فى الميادين الشهيرة بالقاهرة والمحافظات، وعزموا على ألا يعودوا إلى بيوتهم قبل أن يستردوا الوطن المسلوب، وتعود مصر إلى المصريين.

بينما الإخوان لم ينصوتوا لصوت العقل، وتمادوا فى غيهم القديم، وراهنوا على تجمعات إرهابية أقاموها فى ميدانى رابعة العدوية بمدينة نصر والنهضة بالجيزة، مهددين مصر بالخراب والدمار، وغيرها من التهديدات التى لم تنل من عزم المصريين.

وأمام حركة الشعب العظيم، استجابت القوات المسلحة المصرية لنداء المصريين الذين وجدوا فى نهاية المطاف من يحنو عليهم، ويستجيب لمطالبهم المشروعة، وهذا هوعهد القوات المسلحة، فهى دائماً وأبداً عند حسن ظن المصريين، تقف خلفهم، وتساند حقوقهم ومطالبهم، ولم تلتفت لتهديدات منصتى رابعة والنهضة، وأعلنت بشكل صريح وقوفها مع الشعب المصرى ومطالبه المشروعة، وعزمها على حماية مصر من أى محاولة لنشر الفوضى.

خرج بيان من القوات المسلحة المصرية يُمهل جميع القوى السياسية فى مصر 48 ساعة، حتى تسجيب لنداءات الشعب ومطالبه المشروعة، وإلا سيكون لها موقف آخر. 

انتهت مهلة الـ 48 ساعة، ومازال المصريون فى الميادين يهتفون: «يسقط حكم المرشد»، بينما بقى الإخوان على منصتى رابعة والنهضة يهددون ويتوعدون المصريين بالخراب والدم والنار.

وفى لحظة تاريخية فارقة، جاء بيان آخر من القوات المسلحة المصرية يعلن عن خارطة طريق لاسترداد مصر من المغتصبين والقتلة الذين وصلوا إلى سدة الحكم فى غفلة من الزمن، حيث استجابت القوات المسلحة لنداء الشعب بعزل الرئيس الإخوانى،  وتعطيل العمل بالدستور الإخوانى المفصل، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة ووضع دستور جديد.

هلل المصريون فى ميادين القاهرة والمحافظات لقرارات القوات المسلحة التى ضاعفت رصيدها فى قلوب المصريين، وفيما يبدوأنه اتفاق شبه ضمني، أعرب المصريون عن استعدادهم للوقوف خلف القوات المسلحة لصد الإرهاب المحتمل بعد سقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية.

وبالفعل حدث ما توقعه المصريون، حيث حاولت الجماعة الإرهابية بكل ثقلها وتحالفاتها الإقليمية والدولية أن تنشر الفوضى والخراب فى ربوع مصر عبر عمليات إرهابية خسيسة، ولكن تصدت لها القوات المسلحة المصرية بدعم قوى من الشعب، وفى النهاية استجاب القدر لإرادة المصريين فى ملحمة تاريخية وشعبية لا يفعلها إلا شعب لا يعرف المستحيل.