خروج المومياوات من «الفاترينات» كانت أكبر التحديات

موكب المومياوات الملكية | مصطفى إسماعيل يكشف سر الغرفة ٥٥

 عمليات الترميم تمت على أعلى مستوى
عمليات الترميم تمت على أعلى مستوى

وراء الموكب المهيب الذى يشهده العالم أجمع اليوم، فريق من شباب المرممين، وضعوا على عاتقهم إنجاز هذه المهمة الصعبة، بفكر وإرادة وجهد بحثى مصرى خالص، استغرق سنوات من الدراسة والعلاج والصيانة والترميم والتغليف، حتى جاءت اللحظات الحاسمة التى تهيأ فيها ملوك وملكات الفراعنة لمغادرة موقعهم داخل المتحف المصرى بالتحرير، ذلك المبنى العريق الذى ظلوا فى رحابه 118عاماً، ينتظرون هذا اليوم ليحتفى أحفادهم بانتقالهم إلى مقر إقامتهم الدائم بالمتحف القومى للحضارة، ليرقدوا فى سلام بمكان يليق بعظمتهم، ويحكى للأجيال إنجازاتهم وانتصاراتهم وتضحياتهم للحفاظ على تراب الوطن.
من هنا.. من المتحف المصرى بدأت الرحلة التى يحكى تفاصيلها الدكتور مصطفى إسماعيل، رئيس فريق الصيانة والتغليف والنقل، قائلاً: بدأ المشروع عام 2017 بتجميع البيانات والمعلومات حول كل مومياء، وكان معظمها يرجع إلى عام 1889، والمعلومات الحديثة لم تكن كافية لتحديد مناطق القوة والضعف، والتحميل والتحليل والانفصالات فى المومياوات، حيث تعرض بعضها للتلف والكسور بسبب سرقات ونهب المقابر فى الأسرة 21، وقام الكهنة بإعادة تجميعها ووضعها فى مكان بعيد عن أعين اللصوص، كما أصيب بعضها أيضاً بالتلف أثناء انتقالها بعد اكتشافها من الأقصر إلى القاهرة، مثل مومياء رمسيس السادس المقطعة 178 قطعة، ومومياء أمنحتب الثانى المقسمة إلى 170 قطعة، وهناك مومياوات كاملة دون أى تشوهات مثل مومياء الملك أمنحتب الأول وزوجته.
قام الفريق المكون من د.مصطفى إسماعيل ود. إيمان إبراهيم بدراسة تفاصيل كل مومياء من عظام ومكونات وأماكن الانفصالات، وكان التحدى فى هذه الرحلة خروج المومياوات من «الفاترينات» التى كانت محفوظة بداخلها تحت منذ عقود النيتروجين، وتكمن الخطورة فى تعريض المومياوات إلى البيئة الخارجية، التى قد تسبب لها تلفاً، وأثناء عملية الفحص قام الفريق باختيار مواعيد معينة، وتم التحكم فى درجات الحرارة المناسبة من خلال التكييفات المركزية، حفاظاً على المومياء من التعرض للتمدد أو الانكماش، مما يؤدى إلى انفصال أجزائها، واستخدمنا فى هذه العملية «الزيوت الطيارة» التى كان يستخدمها المصرى القديم، للحفاظ على المومياء من التحلل، واستعنا فى هذه المرحلة بمركز البحوث والصيانة بقيادة د.داليا المليجى، ود.سامية الميرغنى، وتم عمل النسب المناسبة من تلك المواد، واستخدمت فى حقن المومياوات وعمليات التكثيف.
وحول المرحلة التالية قال: انتقلنا إلى مرحلة «السى تى سكان»، وتدخل فى تلك المرحلة عالم الآثار د.زاهى حواس، و د.سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب بالقصر العينى، لمعرفة أماكن الانفصال بدقة، ومناطق الضعف والقوة للتحكم فى حركة الاهتزازات أثناء النقل، والمراحل التالية كلها أجريت بالغرفة 55 فى المتحف المصرى، حيث قمنا بداخلها بأعمال الصيانة والترميم لكل المومياوات التى تقرر نقلها، من فصل وتركيب وعلاج وتقوية الأجزاء الداخلية، كما قمنا أيضاً بوضع المومياوات داخل كبسولات من النيتروجين، لكى يتم نقلها بداخلها بعد وضع الكبسولة داخل صندوق مبطن من كل الجوانب، وجميع مراحل الصيانة والترميم تم تصويرها وتوثيقها، وقد تمت عمليات تصنيع وتجهيز الكبسولات والصناديق فى متحف الحضارة، لأنها تحتاج إلى تقنيات حديثة متوافرة فى متحف الحضارة، أما عملية الصيانة والتعقيم والتغليف فتمت بالكامل فى الغرفة 55 بالمتحف.
وفكرة الكبسولة من ابتكارى، وهى عبارة عن طبقات عديدة لنوع من البلاستيك بداخله نيتروجين على درجة عالية من النقاء، لتعقيم المومياء وحمايتها من الإصابات، وكذلك حمايتها من وحدات الربط والتدعيم، أو أى صدمات أو اهتزازات، ويمكن أن تظل المومياء محفوظة داخل الكبسولة لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وقد أظهرت عمليات الفحص بالأشعة مدى براعة المصرى القديم فى إخفاء موت الملك رمسيس الثالث مقتولاً، حيث قاموا بعمل دعامات خشبية، ومعرفة اتجاه شرايين الجسد ووصلها، وترميم الجزء المصاب من الرقبة، كما أوضحت براعة المصرى القديم فى الطب والتشريح، وعمليات التجميل التى ظهرت فى مومياء سيتى الأول أجمل المومياوات، بسبب استخدام «حشوات» من مواد متجانسة ووضعها تحت الجلد بشكل جمالى، فى حين أثبت فحص مومياء الملك «سقنن رع» أن جسده شق إلى نصفين، بالإضافة إلى الجلطات والسحجات فى الوجه، مما يدل على أنه كان يقاوم هجوم الهكسوس الذين مثلوا بجسده، لذا قام المصرى القديم بعمل رئتين من اللفائف وعمليات أخرى عند التحنيط.
وحول أساليب بيئة عرض المومياوات فى متحف الحضارة، يقول: هناك درجات كاملة من التحكم البيئى حول المومياوات، من درجات حرارة ورطوبة، وستظهر فى حالة ممتازة بعد الصيانة التى أجريت عليها، وعلى التوابيت، ومرورها على وحدات المعالجة فى وحدة النيتروجين بمتحف الحضارة، كما أن قاعة العرض تحاكى شكل مقابر البر الغربى، وفى أجواء توحى بالعالم الآخر.