يوميات الأخبار

الدبلوماسى والحاكم.. وقناة السويس

أحمد الإمام
أحمد الإمام

بقلم/ أحمد الإمام

أثار مافعله المصريون من إنجاز كبير فى تعويم السفينة الجانحة الشجون عن حكاية شعب حفر القناة وجعلها رئة العالم

«أكبر جريمة نصب تعرضت لها أمة عبر العصور»
قناة السويس ليست فقط ممرا ملاحيا هو الأهم فى حركة التجارة العالمية بل هى جزء هام وملحمى من تاريخ مصر لايمكن أن يطويه تراب النسيان أو يتوارى خلف ستائر الزمن.
امتياز حفر القناة يوثق أكبر جريمة نصب تعرضت لها أمة عبر العصور.. أمة تم الاستيلاء على حقوقها المالية بشكل فاجر وتم انتزاع سيادتها على جزء من أرضها لمدة تقترب من 90 عاما.
جريمة قتل جماعى أودت بحياة 120 ألف مصرى أثناء عملية الحفر التى تمت فى ظروف غير آدمية دون أن يُعاقَب من تسبب فى هلاكهم.
وتُجسد القناة أيضا بطولة زعيم وطنى اسمه جمال عبد الناصر استطاع أن يثأر ل120 ألف شهيد ويعيد لمصر سيادتها على قناتها بقرار التأميم الشجاع عام 1956.
وتجسد هذه القناة كذلك عبقرية وبُعد نظر بطل آخر هو الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اتخذ قراره الجرىء بحفر مجرى جديد أعاد الشباب والحيوية لقناة السويس وساهم فى تقليل الزمن الذى كانت تقطعه السفن التجارية أثناء عبور القناة ووجه ضربة قاضية للمشروعات البديلة التى كانت تستهدف ضرب قناة السويس مثل مشروع ربط البحرين الأبيض والأحمر عبر قناة تخترق البحر الميت، ومشروع آخر لإحياء طريق الحرير ونقل البضائع الآسيوية القادمة من الشرق الأقصى إلى أوروبا عبر تركيا.
هذه الكلمات بمناسبة الذكرى ال166 على قيام حاكم مصر محمد سعيد باشا بمنح المهندس الفرنسى الشهير فرديناند ديلسبس امتياز حفر قناة السويس، وذلك فى عام 1854م، وكان هذا القرار إيذانا ببدء مرحلة هامة من تاريخ مصر، تغيرت معها خريطة العالم، وأصبحت بلادنا فى موضع القلب منها، وبمثابة الرئة التى تتنفس من خلالها حركة التجارة العالمية.
ولم تكن هذه هى المحاولة الأولى لحفر قناة تربط بين البحرين الأحمر والأبيض بل سبقتها محاولات عديدة بدأت منذ عهد الفراعنة حيث سجل التاريخ أن مصر كانت أول بلد يحفر قناة صناعية عبر أراضيها بهدف تنشيط التجارة العالمية.
وكانت أول قناة أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 ق.م. لربط البحرالأحمر بنهر النيل ومنه إلى البحر الابيض.
وفى العصر الحديث كانت أول محاولة لربط البحرين الأحمر والأبيض مباشرة بعيدا عن نهر النيل وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 حيث خرج نابليون من القاهرة ومعه مجموعة من المهندسين يرأسهم مهندس يدعى لوبير لمعاينة الموقع هندسياً عند السويس والبدء فى الحفر.
إلا أن لوبير أقنع نابليون بالعدول عن المشروع لأنه اكتشف أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى البحر الأبيض، مما سيتسبب فى غرق مصر كلها.
وتم عرض المشروع مرة أخرى على محمد على باشا عام 1832 ولكنه لم يتحمس للفكرة خوفا من تحول مصر إلى مسرح جديد للصراع بين القوى الدولية الكبرى وقال وقتها جملته الشهيرة «لا أريد بوسفورا آخر فى مصر» فى إشارة إلى مضيق البوسفور الذى كان محور صراع دائم بين روسيا من جانب والدول الغربية الكبرى مثل فرنسا وإنجلترا من جانب آخرعلى جثة الأتراك.
وبعد أن جاء سعيد باشا إلى سُدة الحُكم، ما كان من ديلسبس إلا أن ركب أول سفينة متجهة للإسكندرية ليصلها فى 7 نوفمبر 1854 ويلتقى بصديقه الذى أصبح حاكم مصر فى 11 نوفمبر، وهناك عرض ديلسبس مشروع حفر القناة على سعيد باشا الذى قبل فوراً ما رفضه والده وكأن سعيد أراد أن يعبر عن امتنانه لصديقه القديم الذى كان يقدم له الأكل الذى حرمه منه والده داخل القصر وخاصة طبق المكرونة الذى اكتسب شهرة كبيرة وذاع صيته فى كتب التاريخ.
منح والى مصر محمد سعيد باشا عام 1856 المهندس الفرنسى فرديناند ديلسبس الامتياز الثانى لحفر قناة السويس ونص الامتياز على منح ديلسبس امتيازاً لحفر وتشغيل قناة بحرية تربط بين البحرين الأحمر والأبيض مدته 99 عاماً تبدأ من تاريخ فتح القناة للملاحة البحرية وذلك مقابل أن يكون للحكومة المصرية 15% من أرباح القناة فى اتفاق جائر وظالم لايرتضيه عقل ولامنطق، وحتى هذه النسبة الضئيلة اضطرت مصر إلى بيعها عام 1875 بعد الأزمة المالية الطاحنة التى مرت بها لتصبح قناة السويس بعد 6 سنوات فقط من افتتاحها مملوكة بالكامل بأسهمها وأرباحها لدول الغرب!
وفى 26 يوليو 1956 أعاد عبد الناصر قناة السويس للسيادة المصرية بقرار التأميم الجرىء الذى استرد به كرامة أمة لم تكن لها سيادة على ممر ملاحى عالمى فوق أراضيها.
وفى 7 أغسطس 2014 أعلن الرئيس السيسى عن مشروع قومى عملاق استهل به حكم مصر ودشن عملية حفر مجرى ملاحى موازٍ لقناة السويس بطول 35 كم بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم ليصبح الطول الإجمالى للمشروع 72 كم وكان الهدف من المشروع تلافى المشكلات القديمة لقناة السويس من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة فى منطقة البحيرات المرة، ويسمح باستيعاب قناة السويس للسفن العملاقة بغاطس 65 قدما بتكلفة بلغت 4 مليارات دولار، مما يساهم فى زيادة دخل القناة بنسبة 259% وتم افتتاح المشروع الجديد فى 6 أغسطس 2016.
رحلة طويلة قطعتها قناة الأحلام عبر 40 قرنا من الزمان بدأت من سنوسرت وانتهت إلى السيسى وستستمر دوما كنزا استراتيجيا لمصر ومصدرا هاما من أهم مصادر الدخل القومي.

عبث فى منطقة محرمة
هل وصل الشطط ببعض ضعاف العقول والإيمان إلى درجة العبث بالآيات القرآنية واستخدامها فى غير موضعها بما يخدم مصالحهم الضيقة بلا حسيب أو رقيب.
هذا ماحدث بالفعل ومازال يحدث فى كل مكان دون أن تنتفض المؤسسات الدينية لإيقاف هذه المهزلة أو تتدخل السلطات التنفيذية لإيقاف هذا العبث.
على سبيل المثال أصبح من المعتاد أن ترى بعض محلات العصير ومكتوب على جدرانها « وسقاهم ربهم شرابا طهورا».. بالتأكيد الشراب الطهور الذى أعده الله لعباده المتقين على أبواب الجنة ليس له علاقة بعصير القصب أو السوبيا.
وأصبح من المعتاد أن ترى ترزيا يكتب على جدران محله « وكل شيئ فصلناه تفصيلا».. أى مهزلة هذه التى نتحدث عنها وأى استخدام خاطئ ومنافٍ للمعنى المقصود من الآية الكريمة.
وفى نفس الإطار تجد صاحب محل فول وطعمية يكتب على جدران محله «كلوا من طيبات ما رزقناكم».. بالتأكيد الفول والطعمية والباذنجان المقلى ليست هى الطيبات التى ذكرت فى الآية الكريمة.
وتجد أيضا محل ساعاتى يزين جدرانه بالآية الكريمة «ويسألونك عن الساعة».. بغض النظر عن اجتزاء الآية الكريمة وإخراجها من سياقها والمقصود بها يوم القيامة إلا أن الأخ الساعاتى اكتفى بما يخص عمله واعتبر الساعة الواردة فى الآية الكريمة شأنها شأن الساعات التى يصلحها فى محله.
وفى قوله تعالى «ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم» ستجد بعض سائقى الميكروباصات يبترون الآية ويأخذون منها ما يناسبهم، وأصبح من المعتاد أن ترى عشرات الميكروباصات مكتوب عليها « وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم» فى أسوأ استخدام ممكن لآيات الذكر الحكيم.
وهناك بعض أصحاب محلات الطيور والدواجن يصرون على وضع الآية الكريمة «ولحم طير مما يشتهون» على جدران محلاتهم وهى تمثل أيضا اجتزاء لآيات القرآن الكريم واستخدامها فى غير موضعها.
وعلى نفس الطريق سار أصحاب محلات بيع الأسماك الذين يكتب بعضهم على لافتات محلاتهم « وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا».
كل هؤلاء ارتكبوا دون أن يشعروا خطيئة كبرى نهى المولى عز وجل عنها فى كتابه العزيز «ولاتتخذوا آيات الله هزوا».
أرجو اعتبار هذه السطور بلاغا رسميا ضد كل من يستخدم الآيات القرآنية فى غير موضعها وتوجيه تهمة ازدراء الأديان إلى كل من يرتكب هذه الجريمة النكراء.

موهبة القرن
النجم الأرجنتينى مارادونا الذى فارق عالمنا منذ شهور قليلة لم يكن مجرد لاعب كرة يمتلك موهبة نادرة بل جسد حالة خاصة أشبه بأبطال الملاحم والأساطير الشعبية كنموذج للشاب العصامى المكافح الذى خرج من أزقة بيونيس أيرس الفقيرة ووصل بموهبته إلى منصات التتويج وأغلفة المجلات العالمية.
مارادونا جسد أيضا صورة البطل الأسطورى الذى استطاع أن يرد الاعتبار لوطنه المنكسر بعد أن أذل لاعبى المنتخب الانجليزى وتلاعب بهم مسجلا واحدا من أروع الاهداف فى تاريخ كأس العالم وذلك فى مونديال 1986 بالمكسيك وأطاح بالمنتخب الإنجليزى من البطولة ليمحو بموهبته أحزان شعب كامل بسبب نتائج الحرب الدامية التى نشبت بين بريطانيا والارجنتين حول جزر فوكلاند المتنازع عليها بين البلدين.. موهبة مارادونا وحدها فعلت بالإنجليز ماعجزت عنه القاذفات بعيدة المدى والمدمرات والفرقاطات الحربية.
وحتى بعد اعتزال الكرة ظل مارادونا دائما فى قلب الأحداث واستطاع بذكاء شديد أن يظل مثيرا للاهتمام بمواقفه السياسية وانحيازه للفقراء والمهمشين.
ونذكر جميعا كعرب كيف كان مارادونا نصيرا قويا للقضية الفلسطينية وأعرب عن تأييده لحقوق الشعب الفلسطيني، دون خوف من اللوبيات الإسرائيلية حول العالم قائلا قولته المشهورة «قلبى فلسطيني».