حقائق بنكهة المؤامرة تغلفها المصالح

زلزال ميجان وهارى.. فى القصر الملكى!

أوبرا وينفرى فى حوارها مع ميجان
أوبرا وينفرى فى حوارها مع ميجان

كتبت: دينا توفيق

مقابلة زلزالية وتصريحات نارية، حتى بات القصر الملكى البريطانى فوق فوهة بركان.. حوار ميجان ميركل والأمير هارى دوقة ودوق "ساسكس" مع الإعلامية الأمريكية "أوبرا وينفري"؛ كان مثل القذائف النووية على العائلة المالكة.. إيماءات اليد حملت رسائل ولغة الجسد تحدثت وأفصحت أكثر مما قيل.. اتهامات بالعنصرية وترويج للأكاذيب والشائعات المضللة تجاه الزوجين وابنهما آرتشي، ضغوط جعلت ميجان على شفا الانتحار، وعانى هارى من اضطرابات نفسية؛ حياة قلقة جعلتهما يفران من جنة القصر وتخليهما عن أدوراهما كأفراد عاملين.. ومع رفض الأمير "ويليام" دوق كامبريدج والوريث الثانى لعرش بريطانيا، اتهامات العنصرية، تعهدت الملكة إليزابيث الثانية أن يُؤخذ الأمر بجدية بالغة.

ربما تبدو الصورة قاتمة داخل العائلة المالكة كما قصها الزوجان فى لقائهما المسجل مع الإعلامية الأمريكية، لقاء حمل فى طياته الكثير من المعاني، خاصة أن مغادرتهما بريطانيا كانت منذ أكثر من عام، وحوار يشير إلى وجود المزيد من الأسرار لم يزح عنها الستار بعد.. رسائل سياسية وإظهار لصراع تاريخى بين الأمريكيين والبريطانيين، إلى جانب صفقات مع منصات وقنوات لعرض تلك الأسرار، لكن رغم ذلك كان هناك فائز واحد فورى وواضح، هى ملكة الإعلام الأمريكى "وينفري"، التى عادت مرة أخرى إلى الشاشة ولكن عبر منصة "آبل" فى يوليو الماضى بعد اعتزلها عام 2011، من خلال برنامجها "الحوار مع أوبرا"، غير محدد له جدول زمني، ذى طابع سياسى يختلف عما قدمته من قبل، لتكون أولى حلقاته عن العنصرية فى الولايات المتحدة، وذلك عقب الاحتجاجات الغامضة التى انطلقت على خلفية مقتل الأمريكى من أصول أفريقية "جورج فلويد"، حسب ما ذكرته مجلة "فانتى فير" الأمريكية.
تُعد العائلة المالكة البريطانية القوة الناعمة للبلاد؛ قوة ثقافية تحمل التاريخ والحضارة، ولكنها لاتزال القوة "العظمى" فى بريطانيا، كمؤسسة مترابطة لازالت تعمل فى الألفية الثالثة، يعرف النظام الملكى استخدام القوة الصارمة من أجل البقاء، إلا أن مقابلة وينفرى كما وصفها الصحفى الأسترالى "ريان هيث" جاءت لتكون مجرد الفصل الأخير فى الملحمة. تسببت المقابلة مع الأمير هارى وميجان، فى إحداث موجات من الصدمة، بعد أن طلبت وينفرى من الزوجين اللذين يمسكان بأيدى بعضهما البعض الكشف عن خطايا نظام ملكى يعود تاريخه إلى 1200 عام، حيث اتهم الزوجان "المؤسسة" الملكية بالعنصرية والفشل فى حمايتهما عندما كانا فى أمس الحاجة إليها. صاغت وينفرى الأسئلة بعناية وشاركت ميجان للتأكيد على أن الأسئلة لم يتم تقديمها مسبقًا، ولم يكن هناك موضوع خارج عن الحدود، وإيماءات يد الإعلامية الإبداعية جعلتها تحصل على الإجابات المفاجئة.
فيما أعلنت قناة «CBS» الأمريكية عن قيامها بدفع ما يقرب من 9 ملايين دولار إلى شركة "هاربو" التى تمتلكها وينفرى لبثها الحوار. وقالت مديرة مركز أخلاقيات الصحافة فى جامعة "ويسكونسن ماديسون"، "كاثلين بارتزن كولفر"، إن الطريقة التى بدأت بها الحوار هى الإفصاحات المتعلقة بالأخلاقيات، ما جعلها بداية رائعة للتحلى بالشفافية بشأن ما سيراه المشاهدون وعدم الشك فيه. لذا عندما كشفت ميجان عن عمق ضيقها العاطفي، لم تصل إلى حد التأكيد على أنه يعتبر انتحارًا؛ إلا أن وينفرى وجهتها نحو ذلك الوحى الكئيب ببراعة بحكم خبرتها. كانت أسئلتها قصيرة ومباشرة، بما فى ذلك السؤال الذى لا يُنسى لميجان: "هل أنتِ صامتة أم أجبرتِ على الصمت؟" كانت مستمعًا دقيقًا، ولم تدع شيئًا يفلت منها، بما فى ذلك عندما ذكر هارى بشكل غير مباشر أن والده، الأمير "تشارلز"، توقف عن الرد على مكالماته فى مرحلة، ما دفع وينفرى لإقناع هارى للكشف عن الأسباب. مثال آخر، تصريحات ميجان حول لون بشرة طفلها قبل ولادته ومخاوف داخل العائلة بخصوص ذلك، ورفضت الكشف عمن الذى أجرى مثل هذا الحديث مع هارى الذى نقل إليها القصة، قائلة إن الكشف عن أسمائهم سيكون "ضارا للغاية". ومع التركيز الشديد على تعليقات الزوجين، كان هناك مجال ضئيل للتوضيح، ما خلق موجة من التكهنات.

ميجان وهارى وطفلهما آرت
ومنذ قرارهما مغادرة بريطانيا، سعى الزوجان إلى جذب الجمهور العالمي، حتى إن ظل هارى فى المرتبة السادسة فى ترتيب العرش، فإن هذا أمر ليس ذا أهمية الآن؛ الولايات المتحدة هى موطنهم، و90% من مواطنى الكومنولث البالغ عددهم 2.4 مليار نسمة من الملونين، لذا وجه الزوجان نداءات لحشد الجماهير. وقال هارى إن ميجان ثنائية العرق "هى واحدة من أعظم أصول الكومنولث التى يمكن للعائلة (المالكة) أن تتمنى الانضمام إليها". ويخشى البعض داخل الحكومة البريطانية أن تلحق تلك المخاوف فى بلد يشهد مراجعة وطنية كبيرة للماضى الاستعماري، على ضوء النشاط المتجدد لحركة "حياة السود مهمة" فى العالم ما قد يزعزع منظمة دول الكومنولث التى تعنى أهمية كبيرة للمملكة.
وبشكل عام، مركز ثقل الرأى العام حول العائلة المالكة على وشك التحول إلى جيل الألفية؛ وهذا اتجاه سيساعد ميجان على تسريعه ومحاولة الاستفادة منه. وفيما يصل إلى ساعتين من الحديث ضد نظام السلطة فى بريطانيا، فعلت ميجان ما لم تفعله الأميرة ديانا؛ حيث أوضحت صراعاتها على أنها أكثر من مجرد قصة شخصية حزينة، كدليل على نظام غامض يقوده شخص ظل يسعى لإحباط رغباتهما. ووفقاً لموقع "بوليتيكو" الأمريكي، إذا كانت ميجان لا تعرف شيئا عن حياة الملوك كيف تكون؟ فلم تكن عاجزة عن العثور على قصة الأميرة ديانا من محرك البحث "جوجل".
بينما وصف الرئيس السابق لخدم الأميرة ديانا "بول بوريل"، وينفرى بأنها "سيدة أعمال ذكية" لإجراء مقابلة مع هارى وميجان بعد سنوات من رفض أميرة ويلز لها. حيث جاءت وينفرى إلى قصر "كينسينجتون" وحاولت مغازلة ديانا قبل مقابلتها مع البرنامج الشهير "بانوراما" المذاع على شبكة «BBC» البريطانية عام 1995. وقالت للأميرة وقتها "أريد أن أكون أول شخص يجرى مقابلة معك"، لكن ديانا أعلنت رفضها لأنها تريد إجراء الحوار مع برنامج إخبارى ثقيل الوزن يعطى أهمية لما ستقوله، بدلاً من برنامج وينفرى "التجاري" وحتى تمتلك سيطرتها على روايتها. وتوقع أن تكون نصيحة ديانا إلى هارى وميجان بعدم السير فى "الطريق التجاري" خوفًا من "التحكم فى مصيرهما"، وفقًا لصحيفة "ديلى ميل" البريطانية. فيما زعم الزوجان أنهما لم تكن لديهما أية أفكار بشأن صفقات منصات Netflix و Spotify عند الرحيل من بريطانيا، ورغم ذلك، اعترف هارى بأنه تم إقناعه بتوقيع صفقات بملايين الدولارات مع المنصتين عندما كان "معزولًا ماليًا"، بعد التوقف عن تلقى الدخل من قصر "باكنجهام" بعد فترة وجيزة من إعلانه عن رغبتهما فى التراجع عن منصبهما فى العائلة. وتأتى ادعاءاتهما بشأن المخاوف المالية فى الوقت الذى يمكن أن يصبح فيه هارى أكثر ثراءً من أفراد العائلة المالكة. حيث أعلن فى سبتمبر الماضي، عن صفقة تقدر قيمتها بـ 104.40 مليون دولار لإجراء برنامج على Netflix ، رغم أنه يفتقر الخصوصية لأن فكرته عن سبب تركهما للقصر. وفى ديسمبر كانت صفقة Spotify التى تقدر قيمتها بحوالى 25 مليون دولار. ومن المتوقع أن يصبح هو وميجان الزوجين من المشاهير الأعلى دخلاً فى العالم بثروة قد تصل إلى مليار دولار فى غضون عقد. ويقارن ذلك بثروة الملكة التى تقدر بنحو 478 مليون دولار. فى حين يعتقد الكثيرون فى بريطانيا أن ميجان كانت دائمًا منجذبة للأضواء، وترمز كل من المقابلة ومحتواها إلى قيمة الصفقة. 
ومن ناحية أخرى، وبعد لقاء وينفري، الذى تم بثه فى المملكة المتحدة على قناة ITV ، تم التركيز على جانب من جوانب الدراما الملكية الحديثة؛ بما فى ذلك المحيطون بالعائلة المالكة - فى الماضى والحاضر، مثل الضابط السابق فى سلاح الفرسان فى الجيش البريطانى "جيمس هيويت"، الذى تورط فى واحدة من أكبر الفضائح الملكية خلال القرن الماضي، عندما أقام علاقة غرامية مع ديانا، خلال زواجها من الأمير تشارلز. واشتهرت قضية ديانا وهيويت من قبل أولئك الذين عايشوا جنون الصحافة فى تلك الحقبة، وتصدرت كل عناوين الصحف - خاصة بعد أن أكدتها الأميرة نفسها فى مقابلتها مع "بانوراما"، وفقًا لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية. وكانت هناك شائعات بأن هيويت هو "الأب البيولوجي" للأمير هاري، وهو ادعاء نفاه هيويت بنفسه، ولكن كثرة التشابه والمقارنات فى مظهرهما، ساهمت فى انتشار الأقاويل مع اعتراف ديانا بعلاقتهما. وقال هيويت لصحيفة "ديلى ميرور"، "عندما قابلت ديانا لأول مرة عندما طُلب منه إعطاء دروس فى ركوب الخيل إلى ديانا، كان هارى بالفعل طفلاً صغيرًا، عندما بدأت العلاقة الرومانسية مع ديانا عام 1986. وأضاف، أستطيع أن أفهم الاهتمام، لكن إن شعر هارى الأحمر مثلي، ويدفع الناس لإيجاد تشابه بيننا." وأرجعت الصحيفة البريطانية الخطأ إلى محرك البحث "جوجل" الذى خدع الكثيرين بالشائعات وإلقاء اسم هيويت عندما يبحث البعض عن "الأب الحقيقي" للأمير هاري.
ولم يستطع البريطانيون تحمل ميجان وتصريحاتها، وكان الأمريكيون متعاطفين إلى حد كبير؛ خاصة ما ورد من البيت الأبيض من دعم للزوجين، وهو الانقسام الجغرافى والجيل الذى عززته المقابلة نفسها. حيث أشادت المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية "جين ساكي" بـ"شجاعة" الأمير هارى وزوجته، للتحدث عن صراعاتهما الشخصية والصحة العقلية، فهذا يتطلب شجاعة وهذا بالتأكيد شيء يعتقده الرئيس "جو بايدن". 
ومنذ قرار زواج "ميجان وهاري" اعتبره البعض بداية العاصفة أو الإعصار المدمر للعائلة المالكة؛ حتى بدأت الأقاويل والتكهنات حول سرعة دخول الممثلة الأمريكية إلى القصر الملكي، وكان أول التعليقات الصريحة عام 2018 وقبل الزفاف الملكى مباشرة حيث طرح "برنامج الليلة" الأمريكى لـ"جيمى فالون" سؤالا مع الممثل الإنجليزى "بول بيتاني" حول ما إذا كانت ميجان عميل نائم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA»، وهل كان الزفاف جبهة وكالة المخابرات للسيطرة على بريطانيا؟ ووفقاً لمجلة "فانتى فير" الأمريكية، ليس من المستبعد أن تسعى الاستخبارات الأمريكية إلى التأثير فى الملكية البريطانية؛ لأنه وضع مثير للاهتمام. الآن وبعد أن تزوج الأمير هارى من مواطنة أمريكية، يمكنه  فورًا التقدم للحصول على البطاقة الخضراء ويصبح مواطنًا فى غضون ثلاث سنوات. ولحسن الحظ بالنسبة له، فهو من بلد لا توجد خلافات معه، وسيكون طفلهما مواطنًا أمريكيًا أيضًا، لذا سيكون اثنان من الورثة المحتملين للتاج البريطانى مواطنين أمريكيين. ويمكن أن يتحدى هارى شرعية ورث ويليام للعرش ويبدأ حرب الملوك. وربما تؤدى بعض المناورات السياسية والابتزاز أوالإقناع إلى تنازل ويليام وعائلته عن العرش، مما يسمح لهارى وابنه الأمريكى بتولى السلطة. ويرى البعض حتى إن كان الأمر على سبيل الكوميديا، لم ينفه أحد ولم يعقب على هذه الأقاويل. وحسب ما نشرته مجلة "ريدرز دايجست" الأمريكية مؤخرًا حول نظريات المؤامرة الأكثر انتشارًا حول حادث ديانا، رغم مرور ما يقرب من 24 عاما على مصرعها، التى كانت من بينها، مراقبة وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومى أميرة ويلز وتتبع مكالماتها مع امتلاكهما 39 وثيقة تتعلق بها. وفى الواقع، اعترفت وكالة المخابرات المركزية بأن لديها وثائق أخرى لكنها قالت أيضًا إن أياً من هذه الوثائق لم يكن لها علاقة بالحادث. واعترضت وكالة الأمن القومى إحدى مكالمات ديانا، لكن تلك المكالمة كانت لزوجة السفير البرازيلي. ورغم كل ما مضى، لن تكن هذه الأزمة الأولى التى هزت صورة العائلة المالكة، وربما لن تكون الأخيرة إن لم تحتوِ الملكة إليزابيث الموقف للمحافظة على القصر وأفراده.