العالم بين يديك| مرحلة غير مسبوقة في العلاقات الأمريكية الروسية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عاطف عبداللطيف

دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا مرحلة غير مسبوقة من التوتر، لم يشهدها البلدان منذ عقود، ووصل الأمر إلى أن أعلنت موسكو عودة سفيرها فى واشنطن، وهى خطوة لم تحدث بين أكبر قوتين عسكريتين فى العالم إلا فى أحلك الظروف.

جاء ذلك بعد أن وصف الرئيس الأمريكى جو بايدن، نظيره الروسى فلاديمير بوتين، بـ «القاتل». وكان بايدن قد حذر، فى مقابلة مع قناة إى بى سى الأمريكية، من أن بوتين «سيدفع ثمناً» لجهوده للتدخل فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة.

وعندما سأله المحاور، جورج ستيفانوبولوس، عما إذا كان يعتقد أن بوتين «قاتل»، أجاب الرئيس: «حسنًا. أنا أعتقد ذلك». لم يقدم بايدن مزيدًا من التفاصيل حول «الثمن» الذى سيدفعه بوتين، لكن من المتوقع أن تعلن إدارته عن عقوبات تتعلق بالتدخل الروسى فى الانتخابات، خلال الأيام القليلة المقبلة.

على الفور جاء رد الكرملين بغضب شديد، واصفا تصريحات بايدن بأنها غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين. بينما كان رد بوتين فى صورة تحدٍّ، حيث دعا نظيره الأمريكى لإجراء حوار ثنائى بينهما يتم بثه على الهواء مباشرة، ليشاهده الشعبين الروسى والأمريكي.

وأثارت تصريحات بايدن تكهنات وتخوفات داخل أروقة واشنطن حول شكل العلاقات مع موسكو خلال الأربع سنوات المقبلة. ويضغط الديمقراطيون التقدميون فى الكونجرس لاتباع سياسة أكثر شدة مع روسيا لما فعلته من انتهاك للديمقراطية الأمريكية بسبب تدخلها فى الانتخابات. وعلى الرغم من شدة تصريحات بايدن حول الرئيس الروسي، أكد البيت الأبيض أن بايدن لن يتراجع عن تصريحاته.

وكانت أجهزة المخابرات الأمريكية كشفت، فى تقريرها الذى قدمته الثلاثاء الماضي، أن الحكومة الروسية تدخلت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، من خلال حملة «تشويه سمعة» للرئيس جو بايدن و»دعم» الرئيس السابق دونالد ترامب.

فى المقابل، تدرك روسيا أن الولايات المتحدة لا تستطع أن تتحمل تدهور العلاقات مع موسكو، خاصة فى المرحلة الراهنة. فموسكو تعلم أن من يشغل بال الإدارة الأمريكية الحالية، وغيرها من الإدارات المقبلة، هو كيفية تقويض القوة الصينية.

فمن ناحية، هناك الكثير من الضجة حول إمكانية اندلاع حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين. بل إن العديد من الخبراء يرى أن هذا المصطلح الذى تم استخدامه لوصف العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فى القرن العشرين، يفشل فى تلخيص اتساع القضايا المتنازع عليها حاليا ين واشنطن وبكين. وذلك بناء على حقيقة راسخة أنه على عكس الاتحاد السوفيتي، فإن القوة الآسيوية الصاعدة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي.

وبصرف النظر عن الصراع والتنافس الخفى بين واشنطن وبكين حول ريادة العالم، هناك العديد من القضايا التى تتصدر الخلافات بين القوتين الاقتصاديتين: أهمها الخلاف حول تايوان وهونج كونج وسيادة بحر الصين الجنوبي، والتجسس التكنولوجي، وسرقة الملكية الفكرية الأمريكية. ويبدو التخوف والتحدى الحقيقى بالنسبة لأمريكا فى أن الصين حاليا باتت قاعدة صناعية عملاقة، وتمتلك سلاسل إمداد ضرورية للاقتصادات الغربية. كما تمتلك بكين بنية أساسية من التكنولوجيا المتقدمة تمكنها من مواجهة أعدائها المحتملين، مما يعنى أن أى حرب باردة جديدة ستحدث على الأرجح فى الفضاء الإلكتروني.

من ناحية أخرى، لم تعد الصين تعبأ بما تقوله أو تهدد به واشنطن. ومن المثير للاهتمام أن نجد أن نبرة المسئولين الصينيين تجاه أمريكا تغيرت بشكل واضح خلال السنوات الماضية. فالمتابع لتاريخ العلاقات الصينية الأمريكية على مدى الخمسين عاما الماضية، سيجد أن كبار المسئولين الصينيين حاليا أكثر استعدادًا لتوبيخ واشنطن مقارنة بما يقرب من نصف قرن من العلاقات بين البلدين.

ويسعى بايدن لتقويض الصين عبر استراتيجية الأحلاف لإجبار بكين على القبول بقواعد نظام دولى جديد، وهو ما ترفضه الصين بشدة. ويرى الخبراء أن استراتيجية بايدن قد تأتى بنتائج عكسية فى أن تصبح بكين أكثر عدوانية فى سياستها الخارجية. وقد يتسبب ذلك فى تقويض آمال واشنطن فى إبرام اتفاقيات مع الصين بشأن مكافحة تغير المناخ. كما انه ليس هناك ضمان أن حلفاء الولايات المتحدة سوف يقتنعون باستراتيجية بايدن.. وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الاتحاد الأوروبى يريد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.