حسين حسنى: وسائل التواصل الاجتماعى لا تبنى إنسانًا واعيًا

حسين حسنى
حسين حسنى

أجرى الحوار: عمرو صابر

موهبة فذة وجدت طريق النجاح فى سنوات قليلة، يمتلك حنجرة ذهبية جعلت صوته المميز يكشف عن هويته من أول كلمة للمشاهدين على شاشات الفضائيات، يقف بشموخ أمام الكاميرات يتحدث بلغة عربية رصينة، تحافظ على مكانة اللغة فى وجدان المشاهد العربى، هو الإعلامى حسين حسنى،الذى يؤمن بأن العمل فى المجال الإعلامى ليس مجرد حضور وكاريزما، ولكنه نتاج ثقافة ومعرفة ورسالة تحمل القيم، يدرك أنه لا قيمة للأمنيات بدون الإصرار والاجتهاد من أجل تحقيقها، وهو ما جعله فى عمر الثلاثينيات حاملا الماجستير والدكتوراة، ويعمل أستاذا جامعيا فى مجال الإعلام، وعضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة..

«الأخبار» التقت الإعلامى الشاب، وتحدثت معه عن مشوار نجاحه، وأحلامه، والشباب والثقافة.

                                      حسين حسنى خلال حواره مع «الأخبار»       
- وراء كل شائعة هدف خبيث.. والوعى يطفئ نيران الشر

- الدولة نجحت فى تمكين الشباب.. والثقافة حائط منيع ضد الهدم

- المتشائم لا يرى من الحياة سوى ظلها وينتظر الحصاد دون جهد

- إلى أى مدى يمكن للثقافة أن تجهض مخططات أهل الشر؟
الثقافة هى اللبنة الأولى فى مراحل بناء الأوطان، فهى حائط الصد المنيع ضد محاولات الهدم، ولدى قناعة بما قاله د.نصر حامد أبو زيد بأن الثقافة تحول الإنسان والمجتمع من مجرد الوجود الطبيعى إلى الوعى بهذا الوجود. وكل شيء يبدأ بالوعى ، ولا قيمة لشىء من دونه وفق «ألبيركامو». وعندما يولد الوعى ينطفئ الشر كما يطفئ الماء النار كما يقول «ألمهاتما غاندى».
لذلك لم تكن مفاجأة عندما تابعنا التقارير التى رصدت عشرات الآلاف من الشائعات بشأن مصر، سواء كان مصدرها من الداخل أو الخارج. وساعد على ذلك كثرة أعداد مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر، والذين وصل عددهم إلى أكثر من 42 مليون مستخدم. وتنوعت أساليب نشر الشائعات بين تداول معلومات مجهولة المصدر من حسابات وهمية وإيهام المواطنين بأنها معلومات صحيحة، ومقاطع صوتية وفيديوهات مفبركة منسوبة لمسئولين. وكان الغرض السيئ وراءها هز ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة، وزرع الخوف فى نفوسهم. لذلك ستجد أن وراء كل شائعة هدفا خبيثا، والشائعات دائما يخترعها حاقد، وينشرها أحمق، ويقبلها غير الواعى، والوعى كفيل بتفكيك كل هذه الدائرة.
من جد وجد 
- أصحاب النظرة التشاؤمية يقولون إن الوصول لا يتم إلا عبر بوابة الوساطة والمحسوبية..هل لمست ذلك وأنت فى طريقك؟

للأسف هم كذلك كما تصفهم، والتشاؤم هو تسوس الحياة كما يقول «فكتور هوجو»، والمتشائم لا يرى من الحياة سوى ظلها مثلما يقول «جبران خليل جبران». أما مصدر التشاؤم هنا قلة الحيلة وعدم الرغبة الحقيقية فى تطوير الذات. فمن ينتظر النجاح دون عمل شاق لتحقيقه كمن ينتظر الحصاد دون بذر البذور. لكن فى المقابل هناك أصحاب النظرة الإيجابية والتفاؤلية الذين يديرون ظهورهم لمن يحاولون إيهامهم بأن طريق النجاح مسدود، ويشقون بأنفسهم طريقهم للنجاح. بالنسبة لى، دخلت المجال الإعلامى والأكاديمى عبر البوابة الطبيعية «من جد وجد». فالجامعة التحقت بها معيدا بعدما حققت المركز الأول على دفعتى طيلة أربع سنوات، وبعدها حصلت على الماجستير والدكتوراه، وعندما دخلت المجال الإعلامى محررا أثناء دراستي، ثم مذيعا بعد ذلك، خضعت لاختبارات فعلية، ثم كان التوفيق من الله.
- هل ترى أن وضع الشباب قد اختلف عن ذى قبل على مستوى التمكين من المناصب القيادية؟
شاهدنا نوابا للوزراء والمحافظين من الشباب للمشاركة فى صنع القرارات، وعددا كبيرا منهم يمثل الشعب تحت قبة مجلسى النواب والشيوخ، للمشاركة فى صياغة التشريعات والقوانين. وهذه الخطوة تتناسب مع بلد بحجم مصر، يمثل الشباب نسبة كبيرة من عدد سكانها وثروتها القومية.
الانتقال من القاهرة لتقديم الفعاليات الثقافية فى باقى المحافظات المصرية هل يمثل عبئا عليك فى ظل عملك الإعلامى والأكاديمي.
بالتنظيم الجيد للوقت لا توجد مشكلة، بل أشعر بسعادة عارمة خلال المشاركة فى الفعاليات التى تحقق العدالة الثقافية، التى ضمنتها رؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة.
والمتابع لتحركات وتصريحات وزيرة الثقافة د.إيناس عبدالدايم، سيجد أن الحراك الثقافى لم يعد مقتصرا على القاهرة، بل انطلق إلى باقى المحافظات المصرية والمناطق الحدودية والنائية.أذكر لك مثالين، قبل أيام قدمت فعاليات احتفال وزارة الثقافة بإعلان مدينة بورسعيد عاصمة للثقافة المصرية لعام 2021، وقبلها شاركت فى تقديم فعاليات ثقافية كبيرة فى قلب صعيد مصر،ومنها مهرجان دندرة للموسيقى والغناء.
مبادرة علاقات ثقافية 
- هناك من يروج بأن التزام المذيع باللغة العربية الفصيحة قد يحول دون وصول رسالته إلى الجمهور..بماذا ترد على ذلك؟

اللغة الفصيحة معناها: «البينة الواضحة»، وهذا يعنى أنها سهلة الاستقبال من جانب الجمهور. ومما هو جلى أن سيدة الغناء العربى أم كلثوم أمتعت الجمهور بمختلف مستوياته العلمية وحتى غير المتعلمين بالقصائد الفصيحة.
ومن يتابع «مبادرة علاقات ثقافية» التى أطلقتها وزارة الثقافة، سيكتشف إلى أى مدى أثرت أم كلثوم بقصائدها الفصيحة فى وجدان الدول الأجنبية، فخلال احتفال وزارة الثقافة باليوم العالمى للغة العربية العام الماضى، وجدنا العديد من السفراء الأجانب يتحدثون باللغة العربية، ومنهم السفير البريطانى فى القاهرة،الذى قال حرفيا: «أحب اللغة العربية،لأنها لغة كوكب الشرق أم كلثوم».
- برأيك..لماذا تراجعت معدلات القراءة؟
هذه ظاهرة عالمية، ومن أسبابها أن وسائل التواصل الاجتماعى رغم إيجابياتها سرقت القارئ من القراءة، ثم نقلته إلى مناطق أخرى، بعضها مبتذل والإقامة فيها لا يبنى إنسانا واعيا ومثقفا، ونتيجة هيمنة الجانب المادى على الحياة أصبح الاعتماد على كل ماهو سهل وسريع للحصول على المعرفة بغص النظر عن رصانتها.
وأمام هذه الأسباب التى أضيف إليها تحدى جائحة كورونا، تابعنا فى مصر مبادرة «خليك فى البيت.. الثقافة بين ايديك»، والتى من خلالها تم تغذية المنصات الإلكترونية التابعة لوزارة الثقافة بالعديد من عناوين الكتب وإصدارات مختلف القطاعات.
- من تأثرت به من جيل عمالقة الزمن الجميل؟
كان لى الشرف أن ألتقى الإذاعى الكبير أ.صالح مهران رحمه الله، صاحب الصوت المميز بالإذاعة المصرية،والذى شارك فى تغطية أحداث مهمة مرت على مصر منها حرب أكتوبر 1973، وأول من تعلمت على يديه فن الإلقاء الإذاعي.
أيضا هناك من تأثرت بهم وتعلمت منهم دون أن أراهم، عن طريق مطالعة الإرث الذى تركوه وأصبح جزء منه موثقا على شبكة الإنترنت، مثل الإذاعى القدير الراحل جلال معوض، الذى قالت عنه السيدة أم كلثوم إنه «يبدأ الغناء قبل أن أغنى» حيث كان من أبرز المذيعين الذين قدموا حفلاتها، بجانب الإذاعيين الكبار أحمد فراج، وفهمى عمر، كما لا يمكن إنكار أننى تأثرت بالإعلامى الكبير الراحل فاروق شوشة فارس اللغة العربية.
ترتيب الأولويات
- كيف تقضى أوقات الفراغ ؟

علمنى أبى أن فراغ الوقت يؤدى إلى فراغ العقل. وربما ذلك ما دفع أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ للقول إن هناك فراغا رغم ازدحام كل شيء.
وهذا لا يمنع أن أخصص بعض الوقت لتنقية الذهن وترتيب الأولويات لتحديد الخطوات المستقبلية..والقراءة والرياضة رفيقان لا يمكننى أن استغنى عنهما.
- لماذا أصبح جمهور أغانى المهرجانات أكبر من جمهور المطربين الكبار؟
لا أعتبر هذا حكما نهائيا، فهناك مطربون كبار ليسوا مطربى مهرجانات، وتنفد تذاكر حفلاتهم خلال ساعات. كما لا يمكن تجاهل حقيقة أن أغانى الزمن الجميل لا تزال صامدة فى وجه عاصفة المهرجانات، رغم مرور عقود على رحيل مطربيها.
لكن ليس عجيبا أن يختلف الناس فى ميولهم وأذواقهم، ويبرهن على ذلك الدراسة التى أجراها خبراء علم النفس فى جامعة كمبريدج البريطانية على أربعة آلاف شخص استمعوا لـ 50 مقطوعة موسيقية تمثل 26 نمطا موسيقيا، فاكتشفوا أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة كبيرة من الحساسية والتعاطف مع الآخرين، يميلون إلى ألوان موسيقية تختلف عن تلك التى تفضلها الشخصيات العملية.