أفكار متقاطعة

مشروع العمر

سليمان قناوى
سليمان قناوى

أصبح الموت على مقربة من أطراف أصابعنا، يتسرب فيروسه منها لحلوقنا فيتسلل لرئتينا فيدمرها. وبعد عام من الكورونا وحصد الموت لأكثر من قريب وصديق وزميل وجار، ظننت أن الناس سترجع عن الكذب والرياء وظلم الآخرين والتنابز بالألقاب وفحش القول وإشاعة الكراهية والغل، لكننى كنت واهما، فلايزال كثيرون يعتقدون أنهم سيكونون آخر من يموت حين تبدل الأرض غير الأرض، ومن ثم فلا اعتدال أو استقامة، مع أن الاستقامة هى مشروع العمر كما يصفها الباحث محمود إبراهيم سليم فى كتابه «فاستقم كما أمرت». الكتاب سفر من أسفار الأعمال الرصينة يغوص فيها المؤلف فى بساتين القرآن والسنة واجتهادات العلماء الثقاة ليقتطف لنا زهرات الآيات والأحاديث التى تنبهنا لخطورة استمرار البعض فى غيه وبعده عن الطريق المستقيم. ويرى المؤلف أن الاستقامة ليست كما يصورها بعض المغرضين، تعصبا وتنطعا وجفاء وغلظة بل هى تمام الاتزان والسرور والمحبة والعدل. ويضيف أن كل إنسان مهما بلغ من التقوى والإيمان بحاجة للتذكير بلزوم الاستقامة، فكيف بأزمنة الغربة وأيام الفتن وكثرة المفتونين؟. ويتساءل: لو كان أحد مستغنيا عن الاستقامة لكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها، فكيف وقد أمره ربه بالاستقامة فقال “فاستقم كما أمرت”. ثم يعرف الباحث الاستقامة أنها فى العقيدة: تسليم وإذعان ويقين بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وهى فى الخلق: وسط بين طرفين، لا جبن ولا تهور، لا إسراف ولا تقتير، لا تسرع ولا تبلد، ولكن قوام بين ذلك تصلح به النفوس وتستقيم به الأمور. وهى فى العمل: اعتدال لا يعرف الإفراط والتفريط، فلا تكليف للنفس ما لا تطيق ولا تحلل من الواجبات وتهرب من المسئوليات، لا تحريم لزينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق ولا استباحة لما حرم الله. وتلمس فى كل صفحات الكتاب الذى لا تتسع المساحة هنا لبيان أهميته، خوف المؤلف على بنى جنسه من الانحراف عن جادة الحق من أول الإهداء إلى خاتمة الكتاب فيهديه إلى كل نفس اشتاقت إلى عز الطاعة بديلا لذل المعصية، ويختتمه بأنه لا منجى من تدابير البشر فى الصراعات التى تشهدها الدنيا إلا بالاستقامة على منهج الله. اللهم الهمنا الاستقامة.