«إن فاتك الميرى اغطس فى بلاعته»

محمود.. غطاس مجـــــارى بدرجة مرشد سياحى

«إن فاتك الميرى اغطس فى بلاعته»
«إن فاتك الميرى اغطس فى بلاعته»

كتبت: مروة أنور          تصوير : عصام مناع

حينما يحل فصل الشتاء، وتهطل الأمطار والسيول بغزارة، وبينما أنت تجلس ليلًا فى منزلك، تشعر بالدفء، لا تنس أن تتذكر أن هناك أشخاصا يعملون فى تلك الظروف القاسية، بل وتحتم عليهم طبيعة عملهم التواجد داخل بالوعات الصرف الصحى لتسليكها وتطهيرها لتصريف مياه الأمطار الراكدة بالشوارع، لتستطيع أنت الذهاب فى الصباح إلى عملك دون مشكلات.
تلك المهمة القاسية يمارسها غطاس الصرف الصحى، ذلك الجندى المجهول، ورجل المهام الصعبة، الذى بدونه تتوقف الحياة، هذا المقاتل الذى لا يستحق منا إلا الشكر والثناء، لا السخرية والتنمر.

محمود محسن، عمره 32 عامًا، خريج كلية تجارة، يعد نموذجًا نادرًا لغطاس الصرف الصحى، فهذا الشاب الجامعى، كان يعمل بالسياحة فيصطحب الأفواج السياحية بشرم الشيح والغردقة للقيام برحلات الغطس فى أعماق مياه البحر الأحمر، ويُجيد التحدث بثلاث لغات، ومع تدهور أوضاع السياحة، ذهب إلى القاهرة ليعمل كمدرب سباحة بالنوادى الرياضية والمدارس الخاصة.
عن التحاقه بمهنته الحالية، يقول محمود: «التقيت بنصفى الآخر، وقررت الزواج، وعندما تقدمت لها كان شرط والدها أن أعمل فى مهنة ثابتة حتى أستطيع فتح بيت الزوجية، وبالصدفة عرض علىّ أحد الزملاء إعلانا لشركة مياه الشرب والصرف الصحى عن احتياجها لغطاسين، ذهبت وعملت بالشركة».
ويروى: «لم يكن الأمر سهلًا فبعد أن كنت أغطس وسط الأجانب فجأة وجدت نفسى داخل بالوعة، لكن على رأى المثل إن فاتك الميرى اغطس فى بلاعته، لكن فى الحقيقة أكثر ما يؤلمنى هو تعليقات المجتمع حولى، والنظرة الدونية من الأقارب».
ويضيف: «كثيرًا ما حاولت أن أترك العمل وأعود لمهنتى الأساسية بسبب التهميش الواقع على أصحاب هذه المهنة والإهانات التى نتعرض لها، والنظرة الدونية من الجميع، فأنا أب لطفلين، وأكثر ما يحزننى حينما يسألنى ابنى «انت بتشتغل إيه يا بابا؟» فأرد قائلًا: «مدرس إنجليزى»، لإننى أجيد التحدث بثلاث لغات، وأعلم أولادى اللغة الإنجليزية، وأتمنى تغيير مصطلح «غطاس المجارى» بأى صورة.


لحظة واحدة غيرت وجهة نظر محمود تجاه مهنته، حينما أغرقت الأمطار شوارع وميادين مصر الشتاء قبل الماضى، فتم استدعاء جميع الغطاسين وتوزيعهم للعمل فى الليل والنهار، وعندها شاهد محمود تحول نظرات الناس إلى فخر وإعزاز: «شعرت وكأننى مثل الجندى الذى انتصر فى المعركة واستطاع أن يعيد الحياة لشوارع مصر».
ويتذكر: «أول مرة أغطس فى بالوعة شعرت وكأن الدنيا أهانتنى ولم تعطنى حقى، وبمجرد أن خرجت ووجدت نظرات الفرح فى عيون الأهالى بالحى، وكأننى أنقذتهم من نكبة، عندها شعرت بأهمية مهنتى، فنحن رجال المهام الصعبة».
وعن إجراءات الغطس فى بالوعات الصرف الصحى، يقول محمود: إنها أمر فى غاية الصعوبة فلا يمكن الاقتراب من غطاء البالوعة إلا بعد الكشف عن نسبة ثانى أكسيد الكربون والميثان وذلك عن طريق تفريغ مياه على الغطاء ثم فتحها وقياس نسبة الغازات المتواجدة بها لأن رائحة الغاز يمكن أن تتسبب فى الاشتعال خاصة إذا كان أحد المارة يقوم بالتدخين، بخلاف عمق الآبار الكبير، لذلك من يتعامل مع البالوعات لا بد أن يكون لديه خبرة فى الغطس، وتلقى تدريبات كثيرة.
وأشار محمود إلى أن الغطس فى بالوعات الصرف الصحى، يتم من خلال ارتداء بدلة غطس ذات طبيعة خاصة مقاومة للغازات، لأن المواد التى تتواجد بمياه الصرف يمكن أن تسبب أمراضا جلدية لذلك فبدلة الغطس لا تسمح بمرور هذه المواد لجسم الغطاس، ويتراوح سعر البدلة من 80 لـ100 ألف جنيه بحسب طبيعة المأمورية فهناك غطس بمياه الصرف، وآخر داخل بيارات الكلور، وهذه البدل تكون مصنوعة من مواد معينة لا تسمح بنفاذ هذه الغازات لجسم الغطاس، إضافة إلى أن التنفس داخل هذه المياه يتم من خلال أسطوانة الأكسجين، بخلاف أدوات السلامة والصحة ذات التكاليف الباهظة.


وعن أغرب الأشياء التى يُمكن أن يعثر عليها فى بالوعة الصرف الصحى، قال: «حمار أو غيره من الحيوانات النافقة.. والحقيقة سمعت  قصصا كثيرة من أصدقائى عن عثورهم على خواتم ذهبية، لكن هذا لم يحدث معى حتى الآن».