دينها إيه ؟

دينها إيه ؟
دينها إيه ؟

اعتدل الشيخ الجالس القرفصاء ومسد لحيته الطويلةالبيضاء وهو ينظر مستفسرا إلى أحد مريديه الذي أقبل على مجلسه ممزق الثياب مُنكس الرأس فأنهى الشيخ درسه على الفور وانتحى به جانبا ..

_خير يا "صابر" يا بني .. مالي أراك كمن خرج لتوه من أنقاض مبنى منهار !!

_خير يا مولانا ..بس أصل أنا ارتكبت معصية كبيرة 

وبينما دمعت عينا "صابر" ندماً حاول الشيخ أن يهدأ من خواطره فجذبه من كتفيه ونظر في وجهه قائلا :

_ بص يا بني لو كانت متزوجة و حُبلى فالولد للفراش يعني اللي هيتولد هيبقى بإسم جوزها وانت بقى ما عليك إلا التوبة والاستغفار ..ولو كانت بنت يبقى..

قاطعه "صابر" بصوت مشروخ :

_لا يا مولانا ..فضيلتك فهمت غلط 

_ أومال يابني في إيه ؟

_ أصلي أنا النهاردة استلمت شغلي الجديد في شركة المية 

_ ماشاء الله جميل .. ودي حاجة تزعل ؟!

_ صبرك عليّ يا مولانا .. اللي حصل إني قابلت شاب متعين معايا في نفس اليوم ..وبعدين استدرجني ..

بدت علامات الغضب على وجه الشيخ وعبث في لحيته بعصبية 

_ بص يا "صابر" ..إلا دي ..آه.. دا أنا بنفسي هرميك من فوق مدنة الجامع فهذا هو حد من جاء بفعل قوم لوط .

_ يا مولانا ..يا مولانا ..تريث جزاك الله خيرا .. اللي حصل إنه استدرجني في الكلام وجرى بيننا نقاش تطور إلى جدال ثم تشابك بالإيدي فشججت رأسه بمفتاح إنجليزي .

_ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..وكيف لنقاش أو جدال يؤدي بك إلى هذا يا "صابر"..أعرفك حليما صبورا طويل الأذنين .. إلا بقى إذا كان مجادُلك هذا من أهل الكفر والعياذ بالله وهم كٌثر.. يعني إذا كان ذميا أو شيعيا أو بلى أزرق من الزنادقة و الملاحدة أو لم يكن على مذهبنا أولا يرى رأينا فلا جُناح عليك يا بني إن أرقت دمه جهاداً وذوداً عن الدين فأنت في ذلك مأجور إن شاء الله .

_ والله يا مولانا ..الموضوع مش كدة خالص .. هو الحقيقة استدرجني في الحديث لما سألني سؤال واحد ..قاللي : "هي شركة المية اللي بنشتغل فيها دينها إيه ؟" فرددت عليه بما يستحقه وبينت له أنه يهزل في موضع الجد فليس للجمادات دين لأن الماكينات وأنظمة الحاسوب والنظام الإداري نفسه ليس له دين وهذا من بديهيات العقل والنقل معا .. أليس كذلك يا مولانا ؟

_ نعم طبعا ..هذا الخبيث أراد أن يسخر منك حسداً من عند نفسه حين رأى فيك التزاما واستمساكا بشرع الله. 

_ صحيح يا مولانا.. وهذا ما قلت له بل دعوت عليه بأن يُحشر يوم القيامة مع "فرعون" و"هامان" و"رونالدو" فهو من معجبي هذا الأخير من أيام "الريال" .

_أحسنت فعلا.. يا بني 

_لكن الخبيث  قذف في وجهي بكلمات كالصواعق المرسلات .

_يا حفيظ ..ماذا قال هذا المأفون ؟ 

_قال "إذا كانت شركة المياه لا دين لها فالشركة الأم وهي الشركة القابضة للمياه و الصرف الصحي لا دين لها كذلك" وهنا دعوت عليه مرة أخرى وكفرتُه على الفور فكيف سولت له نفسه الجمع بين الدين و الصرف الصحي في سياق واحد لكن اللعين لم يتوقف عن كلامه فقد ذكر أن الشركة القابضة تأسست بقرار جمهوري عام 2004 أي بقرار من الدولة ثم تلا على مسامعي "تعريف الدولة" من عدة مصادر موثوقة ليصل بكلماته المسمومة إلى أن الدولة بمكوناتها من وزارات ومؤسسات وشركات ومرافق وأنظمة إدارية لا تختلف عن هذه الشركة القابضة التي تتبعها شركات أخرى منها شركتنا وهكذا وجدتني انطقها يا مولانا.. قلت له ..

وهنا أجهش صابر بالبكاء وارتمى بين ذراعي شيخه وقالبصوت متهدج وأنفاس متقطعة ( قلت له ..إذن الدولةكشركتنا لا دين لها ) فقهقه بصوت عال مستفز وهو يقول: كدة انت علماني رسمي .

وهنا استشاط الشيخ غضبا ودفع "صابر" بعيداً عنه 

_ روح الله يكسفك .. دا عمل قوم لوط كان أهون ..إزاي يا وله يضحك عليك؟ إنت مش عارف إن الإسلام دين ودولة..يا وله ؟

_ ما أنا حبيت ارجع في كلامي وقلتله كدة فقاللي "هو ينفع تقول إن الإسلام دين وشركة؟!" 

وهنا بقى يا مولانا أخدت المفتاح الإنجليزي وعلى دماغهعلى طول .. بس زمايله اتلموا عليا وفين يوجعك.

_ يا خيبتك ..وجايلي تعيط كمان ؟!

_ ما هو أنا بعد كدة فكرت في كلامه .. وبعدين وانا جايلك في السكة حسست على وداني لقيتهم قصروا .

اقترب الشيخ من "صابر" متوجساً وأخذ يتأمل أذنيه ثم قال في فزع :  

_ أيوة صحيح .. ودانك الطويلة راحت فين ياد يا"صابر" ؟

_ ما أنا عشان كدة بعد ما فتحت دماغه روحت له المستشفى عشان ما يعملش محضر فشرط عليا الأول أقرالك كلام كتبهولك في الورقة دي. 

أخرج "صابر" من جيبه قصاصة ورقيه مطوية وقرأالجملة التالية :

"لما تشوف حلمة ودنك" 

وبينما أكفهر وجه الشيخ تساءل "صابر" ببراءة :

_يمكن عشان كلمة "حلمة ودنك" دي..وداني أنا بدأت تصغر يا مولانا ؟