مصر بتتكلم حرفي.. «أنامل مصرية» تغزل منتجات يدوية بـ«ديارنا»

معروضات معرض ديارنا - تصوير:محسن نبيل
معروضات معرض ديارنا - تصوير:محسن نبيل

 

تحقيق: شاهندة أبوالعز


مهرجان «ديارنا للحرف اليدوية» يستقبل المبدعين تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعي


بعد قرار دعم الرئيس السيسي لـالحرف اليدوية والتراثية، في إطار خطة الارتقاء بالصناعات المتوسطة والصغيرة كإحدى آليات الدولة لتوفير فرص العمل ورفع معدلات التشغيل ودعم مختلف القطاعات الإنتاجية الوطنية، دبت الحياة مرة أخرى في تلك القطاعات وبدأ مصنعوها التجديد وبذل قصارى جهودهم لتقديم ما يواكب التطور الزمني.

تحدثت «الأخبار المسائي»، مع عدد من أكبر حرفيي مصر بمعرض ديارنا الذي يقام في دورته الـ61 تحت إجراءات احترازية مشددة متحدياً جائحة كورونا.

 

 

منتجات يدوية بأيدٍ ناعمة

 

بعد تحديد موعد مهرجان ديارنا للحرف اليدوية، بدأت بسمة حمدان ذات الـ 30 عاماً مع فريقها المكون من 60 سيدة تجهيز منتجاتهن، كخلية نحل انقسمت السيدات إلى فريقين أحدهما بمنطقة دهشور، والأخرى بمنطقة الوادي الجديد، يجمعن جريد النخل و نباتات الحلفا من محافظتهن لاستخدامه في تصنيع الشنط اليدوية والسجاد والمفارش وبعض التابلوهات.

 

بدأت بسمة مع فريقها «بدارة» منذ نحو 10 سنوات، بعد تفكير في بداية مشروع صغير يتحدث عن التراث والهوية المصرية، وجدت من طبيعة محافظاتها بالوادي الجديد الحل الأمثل لبداية مشروعها.تعلمت أصول حياكة الحقائب والأدوات المنزلية لتبدأ في تشكل مشغولات ممهورة برسومات تحمل ملامح الوادي الجديد، وبعد نجاح لمسته في بيع منتجاتها، لم تشعر بسمة أن ذاك يكفي لتقرر البحث عن منطقة أخرى بها سمات محافظاتها لتجد منطقة دهشور الأنسب من حيث الجبال والنخيل، بجانب بساطة أهالي المنطقة وبحث سيداتهن عن فرصة عمل لمساعدة أبنائهن.

 

تقول بسمة: "نحاول تصنيع شنط صديقة للبيئة وتحمل ملامح التراث القديم، بالخامات طبيعية قائمة على نباتات الحلفا والنخيل التي يتم تصنيعها وتطريزها يدوياً بأيدي سيدات مصريات بمنطقة دهشور بمحافظة الجيزة ومحافظة الوادي الجديد، الناس بتحب ترجع للتراث والروح المصرية القديمة".

وبعد 3 سنوات من اشتراك بسمة في معرض ديارنا للحرف اليدوية ذاع صيت منتجاتها لتصدر للدول الخارجية مثل السعودية وألمانيا، ليصبح التراث المصري منتشراً في جميع الدول.

 

 

«التلي» السوهاجي

على جزيرة شندويل بـمحافظة سوهاج صعيد مصر، عرفت حرفة «التلي» إحدى الحرف اليدوية التراثية التي تعتمد على نسج خيوط الفضة على قماش التل، ولكن كانت مصيرها كمصير باقي الحرف اليدوية التي اندثرت مع مرور الوقت. 

عرفت ماجدة عبدالرحيم «إحدى رائدات صناعة التلي» أهمية تلك الحرفة التي اشتهرت بها محافظتها وتباهى بها الفنانون المصريون قديماً في تقديم صورة حقيقية عن صعيد مصر، فبحثت كثيراً عن طريقة لإحياء تراث صناعة التلي.

 

«35 عاماً» قضتها السيدة الصعيدية ماجدة في مشروع إحياء حرفة «التلي» فمن خلال ورشة صغيرة بقريتها -شندويل- بدأت السيدة في نسج خيوط الفضة مرة أخرى على التل المصري، حتى تمكنت من إنتهاء أول طرحة من التل و الفضة الحقيقية.

تعلمت ماجدة، أصول المشغولات اليدوية وكيفية دمج خيوط الفضة في الأقمشة لتنتج قطعة ملابس تراثية تعبر بها عن الهوية المصرية الصعيدية، وبعد العديد من الورش التدريبية في هولندا، عادت لتفتح ورشة كبيرة تضم  أكثر من 200 سيدة وفتاة، تعلمهن أصول حرفة «التلي» حتى يتوارثها الأجيال.  

 

 «مشغولات يدوية سوهاجية»، اللقب الذى تحب السيدة الخمسينية إطلاقه على منتجاتها في حرفة التلي، حيث تأخذ كل قطعة ملابس ساعات وأيامًا  بل أعوامًا في بعض الأحيان حتى تتناغم الخيوط سوياً، لتروي كل قطعة قصص كفاح سيدات معيلات.

 

تحاول ماجدة مواكبة العصر الحالي، بدمج خيوط الفضة في العبايات الحريمي، والبلوزات والجواكت والشالات، فلم تعد تقتصر على الطرحة فقط. وترى ايضاً تحسنًا كبيرًا في مستوى الحرف اليدوية والتراثية بمصر خصوصاً بعد دعم الرئيس السيسي لها، ومنح تمويلات للحرف بالصعيد، قائلة: "حرفة وتراث التلى بقينا نصدره برة وبنكسب".

 

 

أصحاب متلازمة داون.. يحيون تراث الحرف اليدوية

 

في زمن آخر ووقت لاحق وظروف مختلفة وأعمار متفاوتة استطاع القدر أن يجمعهم جميعاً تحت سقف واحد، 25 فتاة وشابًا من ذوي الهمم  بإحدى دور الأيتام المتخصصة سونيا توفيق 32 عاماً، حاولت عمل شىء مختلف عن جميع دور الأيتام المنتشرة لتقرر البحث عن أيتام من أصحاب متلازمة داون، تبدأ في تعليمهم حرفة يدوية، يشعرون من خلالها أنهم أشخاص منتجون.

ومن خلال الورش التدريبية لتصنيع الشمع والنول والمفارش وبعض الأشغال اليدوية الأخرى، تدرب «سونيا» طلابها على جميع الفنون حتى تستطيع تحديد هوية كل طالب من أصحاب متلازمة داون، لتبدأ معهم في ورش تدريبية متخصصة في نوع الفن الذي اختاره.

 

استطاعت سونيا، منذ افتتاح دار الرعاية أن تنمي قدرات 25 فتاة وشابًا من أصحاب متلازمة داون ليصبحوا من أكبر الحرفيين، في صناعة الشموع بأشكال ديكورية ورائحة جميلة، إضافة إلى تصنيع المفارش الكروشية، والسجاد اليدوي عن طريق حرفة النول قررت سونيا الاشتراك في أي معرض يدعم الحرف اليدوية لمصر، وتأخذ مكانًا لتتباهى بمنتجات طلابها، التي أصبحت تحقق مبيعات ليعود العائد المادي إلى صانعها.  

 

 

تقول سونيا مديرة دار الأيتام ذوي الاحتياجات الخاصة: "لازم كل واحد يشعر أنه بيعمل حاجة مهمة ومفيدة، وقدرات ذوي الهمم طاقة كبيرة يمكن استغلالها في المكان الصح، لذا تدريبهم في إحياء تراث المشغولات اليدوية يبعث فيهم الأمل".

 

«الديكوباج والجرجار النوبي» يغزو ديارنا بالزي النوبي المعروف بألوانه الزاهية والمبهجة، تقف زينب ودعاء، عارضتين بعض منتجات أهالي النوبة من المشغولات اليدوية والحلي، حيث حرصتا على الالتزام بالزي أثناء افتتاح معرض ديارنا للحرف اليدوية.

 

 

الوقت الطويل الذي تقضيه سيدات أهالي النوبة، تجعلهن يتعلمن حرف المشغولات اليدوية التي تعبر عن التراث النوبي، فحبهن للنوبة وتراثها جعلهن شغوفات باستمرار إحياء التراث.

خيوط ذات ألوان زاهية من ملامح الطبيعة، تغزلها زينب في تناسق تام لـ تخرج بحقيبة مصنوعة من الخوص ممزوجة بخيوط ملونة تارة «الجرجار النوبي» زي أسود مختلف التطريز تارة أخرى، حيث تستغرق من يومين إلى أسبوع للانتهاء من كل قطعة حسب درجات الخيوط الموجودة بها.

 تقول زينب: النوبة هي مصنع المشغولات اليدوية، فكل سيدة نوبية تأخذ من الحرف اليدوية مصدر رزق لها، بجانب الحفاظ على الهوية النوبية من الاندثار وتعريف الناس بها.  

 بينما حاولت دعاء، استغلال موهبة الرسم في إنتاج الديكوباج وهو فن استخدام الورق القديم أو الخشب لعمل لوحات فنية، فتأخذ المنتجات من الطبيعة كجريد النخيل، وخشب الأشجار لتحولها إلى قطعة فنية ذات رسومات نوبية، تحكي من خلال رسوماتها تاريخ النوبة، من أحزان وأفراح وعادات وسمات المواطنين من كفوف وبشرة سمراء من شدة الشمس.

تحرص زينب ودعاء، على المشاركة بجميع المعارض التي تدعم الحرف التراثية واليدوية، فقبل أي معرض تجمعان منتجات سيدات النوبة من جميع القرى الموجودة والمحيط بها، لتعرض أعمالهما بفخر.

 

من الطب إلى فن الباتشورك

تعلقت الطبيبة هناء عبدالرحمن (73) عاما، بوالدتها كثيراً فكانت ترافقها أثناء ممارسة هواية الحياكة وصنع بعض المشغولات اليدوية كالمفارش لمنزلهم البسيط أو الملابس الكروشيه وظلت هناء تحافظ على حبها لهواية المشغولات اليدوية، بجانب دراستها بكلية الطب وتخرجها لتعمل طبيبة استشاري أشعة تشخيصية.

وفي عام 2012، قررت هناء، ترك العمل في المجال الطبي بشكل نهائي والسفر إلى أمريكا لتعلم أصول فن «الباتشورك» وهو فن خياطة قطع مختلفة الأنواع والأحجام من الأقمشة بعد دراسة جيدة للخامات الموجودة وتنسيق ألوانها معاً.

ترك الدكتورة هناء للمجال الطبي، كان وراءه قصة إنسانية، حيث تزوج أبناؤها وسافروا ليكملوا حياتهم ما جعلها حبيسة الوحدة لفترات طويلة تنتظر مكالمة تليفونية أو زيارة من أبنائها لتشعر بوجودها وبالحياة، لكن خبرتها الطبية جعلتها تبدأ مراحل العلاج النفسي بفن «الباتشورك».وتعتبر هناء فن «الباتشورك» أعلى مراحل فنون المشغولات اليدوية، تستخدم فيه قطع أقمشة مصنوعة من القطن 100% لعمل لحاف أو شنط أو تابلوهات ومفارش، حيث تستغرق كل قطعة من شهر إلي 3 أشهر، لكي تخرج إلى النور.

 تقول هناء:"فن الباتشورك أو الكولتينج يحتاج لصبر عشان يخرج بشكل مبهر للعين والنفس، فكل قطعة عزيزة لدي، وهذا سبب وراء ارتفاع أسعار منتجاتي والتي تتراوح من 5 إلى 10 آلاف جنيه".

 

النحت على جذوع النخيل

ينتظر عادل محمود (41 عاماً)، المعارض الداعمة للحرف اليدوية كل عام، ليخرج أعماله الفنية إلى النور، بدأ عادل مهنة النحت على جذع النخيل منذ 20 عاماً بقريته في الواحات، محاولاً إخراج موهبته الفنية من خلاله.

 بدأ عادل، يترقب مواعيد تقطيع النخيل حتى يستطيع جمع أكبر قدر من جذوع النخيل وهي رطبة، ثم تركها لتجف لمدة 6 أشهر، ليبدأ بعد ذلك بالنحت عليها برسومات تراثية تعبر عن مجتمع الواحات وتوثيق تراثه. يحلم عادل بدخول فن النحت على جذع النخيل كل بيت مصري من خلال التابلوهات التي يقدمها بأشكال ورسومات ريفية.

 

تابلوهات حصير

 

قادم من محافظة دمنهور، ليستقرّ في زاوية أحد أركان المخصص له بمعرض ديارنا للحرف اليدوية كُتب أعلاه «تابلوهات حصير» وأمامه النول المصري يغزل خيوط الحصير.

 

توارث محمد فوزي السيد (51 عاما) حرفة صناعة الحصير البلدي أباً عن جد، فعمل مع والده في ورشته الصغيرة بقرية الأبعدية منذ الصغر، ولكن اندثار الحصير من البيوت المصرية هددت مصدر رزقه الوحيد، ولم يقف محمد مكتوف اليدين بعدما هجر المصريون الحصير، فحاول تطوير الحرفة حيث ظل 10 سنوات يعمل فقط في تجربة إدخال مواد وخامات جديدة على الحصير من الصوف والنحاس والجلد مصنوعات اقتصرت على أهل بيته فقط، حتى نجح في تحويل الحصيرة البلدي إلى تابلوه يُعلّق كلوحة فنية أو سجاد دمج مابين الحصير والصوف أو ستائر من الحصير والنحاس.

 

«من 5 أيام لـ3 أشهر» المدة الزمنية التي ينتهي فيها «محمد» من تابلوهات الحصير، محاولاً تعليم أولاده أصول الحرفة كي لا تندثر، ويعرض محمد لوحة «خريطة مصر» من الحصير والصوف لأعلى سعر 3 آلاف ونصف.

 


 

سترة صفراء

وعلى الجانب الآخر من معرض ديارنا والعارضين، تجد 3 رجال بسترات صفراء يحملون على ظهورهم مطهرات ومعقمات يتجولون في أروقة المعرض لرش الكلور والكحول، على الأرضيات وزوايا المعرض، فيبدأون يومهم في الـ10 ونصف صباحاً حتى 10 مساء، دون كلل أو ملل، يبعثون روح الطمأنينة لكل المتواجدين وتأمين الزوار من فيروس كورونا وضمان سلامتهم.

ويقول عادل البكساوى مستشار وزيرة التضامن للتسويق والمعارض، أن معرض ديارنا يقام على مرحلتين بسبب جائحة كورونا، حيث يشارك 340 عارضًا بمرحلته الأولى، ومن المقرر أن يشارك 200 عارض في المرحلة الثانية التي ستقام في أكتوبر ممن لم يتسن لهم الدخول في المرحلة الأولى، مضيفاً أن تمكين المرأة اقتصادياً يظهر بوضوح خلال هذه الدورة حيث تبلغ نسبة السيدات المشاركات حوالي 80%، بالإضافة إلى مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولفت البكساوي، إلى  تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا وحفاظا على سلامة المشاركين في المعرض من خلال شراكة جمعية الهلال الأحمر المصري بعيادتين.