كلام فى السينما

وداعًا «المواطن مصرى»

هويدا حمدى
هويدا حمدى

مواطن مصرى.. ربما كانت كلمة السر لامتلاك الفنان الرائع عزت العلايلى قلوب الناس.. ملامحه وطبائعه مصرية خالصة.. نظرة عينيه وصوته، لون بشرته ووجهه المنحوت كتماثيل قدماء المصريين سبقت موهبته ليحتل مكانة كبيرة يستحقها بين عمالقة السينما المصرية.
كان أول لقاء لى معه كصحفية عام ١٩٩١ فى عرض خاص محدود لـ «المواطن مصرى» للعظماء المخرج صلاح أبو سيف والكاتب محسن زايد، عن رواية يوسف القعيد وكان من الصعب تصور تحويلها لفيلم كونها تحمل تشريحا ونقدا قاسيا للنظام المصرى بعد رحيل عبد الناصر وسرقة مكتسبات ثورة يوليو، بشكل منظم منذ حل أنور السادات رئيسا ليبدأ تغييب وإذلال المواطن المصرى الذى عبر وانتصر ودفع حياته ثمنا لتحرير أرض تاجر بها غيره ونهبها كما الاحتلال.. وكان «عبد الموجود» الفلاح الفقير الذى ضاعت فدادينه الخمسة التى آلت إليه بقانون الإصلاح الزراعى بحكم محكمة لتعود للعمدة الإقطاعى، واحدا من أجمل أدوار العلايلى السينمائية، تفوق فيه على عمر الشريف العمدة الفاسد الذى لم يكتف بالاستيلاء على الأرض ولكن استغل حاجته ليقنعه بمقايضة ابنه الوحيد «مصرى» بعقد إيجار للأرض التى انتزعها منه، ليتم تجنيده بدلا من ابنه المدلل توفيق، ويذهب الشاب الفقير «مصرى» للحرب مدافعا عن وطن ينعم به الأثرياء، وعندما يستشهد يصبح العمدة «سارق النصر» أبا الشهيد.. وينتهى المواطن المصرى مسحوقا مقهورا.. وكان مشهد النهاية وعبد الموجود مسلوب الإرادة والأرض والحق والكرامة، مهزوما مكسور القلب يودع ابنه الشهيد بدموع وقهر جسده العلايلى بعبقرية وليس من حقه احتضانه ولا الفخر ببطولة سرقها منه حاكمه، وقد ضاع منه كل شيء.
سألته بعد العرض.. بين كبرياء عبد الهادى الثائر فى فيلم «الأرض» وخنوع عبد الموجود الذليل فى «المواطن مصرى» تغير كبير.. لماذا كل الذل والخنوع بعد ثورة رفعت شعار ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد؟!
فقال هذا تطور طبيعى بعد ما سُلبت الثورة، والحياة بها حسابات كثيرة.
لكن ضعفه وانكساره أمام ابنه الشهيد صادما، فلماذا لم يصرخ بأنه أبو الشهيد ولم يعد هناك ما يخسره، هل بعد خسارة الضنا خسارة؟!
فقال الفقر يولد الخوف والانكسار، والنهاية مقصودة ليصرخ من يشاهدها.
ومر الفيلم مرور الكرام... كان عزت العلايلى هو أصدق وأقوى ما فيه، كما كان فى معظم أداوره فى السينما المصرية التى رحل عنها بهدوء يليق بأحد فرسانها النبلاء.