في ذكرى رحيله.. «دوستويفسكي» عاشق الكتابة الذي رفض الدفن في مقابر الأدباء

صورة موضوعية
صورة موضوعية

«عندما أموت، يا آنا، ادفنيني هنا أو أينما تشائين، ولكن تذكري جيدًا، لا تدفنيني في مقبرة "فولكوفويه" ضمن مدافن الأدباء، لا أريد الرقود بين أعدائي، يكفيني أنني عانيت منهم الأمرين في حياتي».. وصية الكاتب الروسي الراحل فيودور دوستويفسكي لزوجته آنا جريجوريفنا، الذي تحل اليوم 9 فبراير ذكرى وفاته، ومعها نتعرف على بعض ملامح الأديب الروسي. 


ميلاده ونشأته


ولد فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي في العاصمه الروسية موسكو في 11 نوفمبر 1821، وهو روائي وفيلسوف وكاتب قصص قصيرة وصحفي روسي، ويعد واحدٌ من أشهر وأفضل الكُتاب والمؤلفين عبر مر العصور . 


رواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية كما تقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر، وتتعامل مع مجموعة متنوعة من المواضيع الفلسفية والدينية .


بدأ قراءته الأدبية في عُمرٍ مُبكّر من خلال قراءة القصص الخيالية والأساطير من كُتّاب روس وأجانب، وتوفّيت والدته عام 1837 عندما كان عُمره 15 سنة، وفي تلك الفترة ترك المدرسة والتَحق بمعهد الهندسة العسكرية. 


وبعد تَخرّجه عَمِل مُهندساً، وكان يُترجم كُتباً في ذلك الوقت أيضاً ليكون كدخلٍ إضافيّ له، وقد نشر أول روايةٍ له عند بلوغه الخامسة والعشرين من عُمره، كَتب روايته الأولى المساكين التي أدخلته في الأوساط الأدبية في سانت بطرسبرج حيث كان يعيش، وقد عانى في شبابه من عدة صِرَاعات، حيث تم اعتقاله أثناء مشاركته في نشاطات ثورية وحُكِمَ عليه بالإعدام، ولكنَّه حصل على العفو في آخر لحظة، كما كانت صحته متدهورة ، وكان يُعاني من نوبات الصرع .


في السنوات اللاحقة، عَمِل دوستويفسكي كصحفيّ، ونَشر وحرّر في العديد من المجلّات الأدبية، وعُرِفت تلك الأعمال بـ مذكرات كاتب وهي عبارة عن مجموعة مُجمّعة من مقالاته خلال أعوام 1873-1881 .


بداياته مع الكتابة


بدأ دوستويفسكي بالكتابة في العشرينيّات من عُمره، وروايته الأولى المساكين نُشِرت عام 1846 بعمر الـ25، وكتب روايته الثانية الشبيه ونُشِرت في مجلة Notes of the Fatherland في 30 يناير 1846، وأكثر أعماله شُهرة هي الإخوة كارامازوف، والجريمة والعقاب، والأبله، والشياطين.


وتضم أعمالُه الكامِلة 11 رواية طويلة، و3 روايات قصيرة، و17 قصة قصيرة، وعدداً من الأعمال والمقالات الأخرى، وقد اعتبره العديدُ من النُقّاد أحد أعظم النفسانيين في الأدب العالمي حول العالم، وهو أحد مؤسسي المذهب الوجودي حيث تُعتبر روايته القصيرة الإنسان الصرصار أولى الأعمال في هذا التيّار، وفي نهاية المطاف أصبح واحداً من أعظم الكُتّاب الروس وأكثرهم تقديراً واحتراماً، وقد تُرجِمت كتبه لأكثر من 170 لغة .


حياته الشخصية

تزوَّج دوستويفسكي من ماريا ديمترييفنا إساييفا في عام 1857، وكانت علاقتهما متوترة ؛ بسبب الطبيعة المُعَقَّدة لكلٍّ من الزوجين، و مع أنَّه لم يكن زواجًا سعيدًا، إلا أنهما أحبا بعضهما البعض لدرجة يصْعُب معها الفراق، وبعد وفاة زوجته الأولى، تزوَّج من آنا جريجورييفنا سنيتكينا .


كان «دوستويفسكي» مسيحيا أرثوذوكسيا متشربا بالفكر المسيحي، تعلم الإنجيل في سن مبكرة وكان يحرص على حضور قداس الكنيسة بانتظام مما أشعل في نفسيته شغفَ البحث والتقرب من الأديان السماوية منذ نعومة أظفاره، خصوصا وأنه كان يحب التأمل والنظر إلى السماء. 


إبداعه وأهم أعماله


أشتهر الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي بمجموعة كبيرة من أفضل الروايات ذات الطابع الإنساني التي تجمع بين القيمة الأدبية والقيمة الجمالية، وقد استطاع أن يغوص من خلالها في خبايا النفس الإنسانية ويصف تحولاتها ما بين السمو نحو الفضيلة والسقوط في الرذيلة وبين الإيمان والإلحاد وما إلى ذلك بأسلوب أدبي ساحر يجذب القراء، مجيبا عن تساؤلات كثيرة تفسر أفعال الإنسان وتكشف الستار عن أسبابها.


ومن أهم رواياته الفقراء (1846م)، الإنسان الصرصار (1864م)، الجريمة و العقاب (1866م)، المقامر (1867م)، الأبله (1869م)، الزوج الأبدي (1870م)، الشياطين (1872م)، الإخوة كارامازوف (1880م). 


أشهر أقواله


عند الحديث عن دوستويفسكي لا بدّ من إيراد عدد من أقواله وحكمه التي بثها في خطبه ومقالاته، أو تلك التي جاءت في كتبه وقصصه على لسان شخصياته التي مثّلت عددًا كبيرًا من النماذج الاجتماعية بتجاربها الإنسانية، وظروفها النفسية، في ظل علاقاتها وأنماط حياتها المختلفة، ومن أشهر عباراته.. 

- تُشفى الروح في البقاء بصحبة الأطفال. 

- السخرية: هي الملاذ الأخير لذوي الأرواح الخجولة والعفيفة عندما تُقتحم خصوصياتهم بمنتهى الغلظة والتطفّل. 

- تُمنح القوة فقط لمن يجرؤ على الانحناء والتقاطها، لا يهمّ سوى شيء واحد، شيء واحد فقط، وهو القدرة على المواجهة. 

- يهوى المرء إحصاء مشكلاته، ولكنه لا يحصي مصادر بهجته، إذا عدّهم كما يجب؛ سيرى أنّ كل مشكلة يقابلها السعادة التي تكفيها. 

- الرجل النبيل حقا هو من يخسر كل ما يملك دون إبداء أي مشاعر، فلا ينبغي للمال أن يساوي مثقال ذرة في قلب النبلاء.


وفاته

في 26 يناير 1881، عانى فيودور تمزّقاً رئوياً حادا، كان ذلك بعد يوم من القبض على جار دوستويفسكي الذي انتمى لمنظّمة نارودنايا فوليا التي قامت باغتيال القيصر ألكسندر الثاني . 


وبعد نزف ثان، تواصلت زوجته آنا مع الأطباء الذين لم يفهموا علّته، ثُمّ تَبِع ذلك نزيف ثالث بوقت قصير، حتى فارق فيودور دوستويفسكي الحياة في 9 فبراير 1881 متأثراً بمرضه .

 

اقرأ أيضا

موسكو تعلق على طرد الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية