تحت القبة فاعل خير

باسم أمين
باسم أمين

ما دفعني لكتابة السطور التالية توثيق قصة تستحق أن تكون ضمن حكايات ألف ليلة وليلة بل إنها قد تعصى على أن تتهادى إلى خيال أعظم كتاب الأساطير الشعبية،  بطل هذه القصة هو احمد حلمي الشيشيني شاب مصري في بدايات عقده الثالث بقرية النجيلة مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، اشتهر عن احمد حلمي الشيشيني فعل الخير رغم أنه لا يملك من حطام الدنيا شئ لكنه ساعد في زواج كثير من بنات قريته الفقراء فكان يذهب للأغنياء والمقتدرين في قريته ويخبرهم بموعد تلك زيجات وكانوا يرسلون من خلاله مساعدات مالية لتلك الأسر الفقيرة ليتمكنوا من شراء الأجهزة الضرورية لبناتهم ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كان يذهب مع تلك الأسر لمحلات الأجهزة المنزلية و عندما يعلم اصحاب المحلات بقصة احمد حلمي الشيشيني وأنه يساعد تلك الأسر على زواج بناتهم  فكانوا يقررون بيع الأجهزة بتخفيضات كبيرة تعاطفا مع تلك الأسر و لمشاركته الثواب.

 

كما أنه كان يقوم بحملات تنظيف للمساجد ودورات مياه المساجد و كذلك تنظيف المقابر وشجع كثير من شباب قريته على مشاركته تلك الأعمال.

 

وعندما انتشر فيروس كورونا كان في الصفوف الأولى يساعد أهالي قريته في تطهير شوارع القرية برش المطهرات للتقليل قدر الامكان من الاصابات وتوفير الأدوية للحالات المصابة.

 

وكان أحمد حلمي الشيشيني يدير ملعب كرة قدم خماسي بجانب عمله في مكتبة والده  بالقرية وكان أثناء ادارته لهذا الملعب يقوم بمتابعة الأطفال الموهوبين و يسافر معهم ليتمكنوا من المشاركة في اختبارات الأندية الكبيرة ليلتحقوا بها "دون مقابل". 

 

وليس هذا كل شئ بل كان يساعد الاسر التي تسكن في بيوت متهالكة من الطوب اللبن بهدمها وبناء بيوت ادمية مكانها وأيضا كان يقوم بذلك عن طريق كونه همزة وصل بين اغنياء قريته و فقرائها،  فكان احمد حلمي الشيشيني لا يملك المال لفعل الخير  لكنه كان يملك القلب و الارادة التي نشرت الخير و الأمل و السعادة في جميع ارجاء قريته قدر ما استطاع فكان بمثابة طاقة خير تمشي على قدمين.

 

ذاع صيت احمد حلمي الشيشيني في القرى المجاورة و أصبح هناك كثير من الشباب يحاولون أن يقلدوا أحمد في فعل الخير في قراهم وكونوا بالفعل مجموعات فيما بينهم لمساعدة من يحتاج المساعدة.

 

و عندما أتى موعد الترشح لانتخابات مجلس النواب طلب أهالي قرية النجيلة من احمد حلمي الشيشيني أن يترشح ليكون خير من يمثلهم تحت قبة مجلس النواب  ولكنه اخبرهم انه لم يفكر في الأمر من قبل وأنه ليس لديه من المال ليخوض به تلك المعارك الانتخابية لعمل الدعاية و الملصقات و اليفط وخلافه ولا حتى لديه ما يكفي لسداد رسوم الترشح (عشرة ألاف جنية) وأن كل ما يملكه ثلاث آلاف جنية فقط فقام أحد افراد القرية بالتبرع بمبلغ خمسة ألاف جنية، وقام والد احمد ووالدته بدفع ألفي جنية ليتمكن من دفع رسوم الترشح و بالفعل قرر احمد حلمي الشيشيني دخول الانتخابات نزولا علي رغبة اهل قريته ورغم أن الدائرة الانتخابية التي ترشح علي احد مقاعدها دائرة (مركز كوم حمادة - مركز بدر) بها العديد من القرى و تعتبر ذات مساحة كبيرة إلا أن ما كان يفعله مع اهل قريته خير دعاية له في مواجهة نواب سابقين و مرشحي احزاب اعتادوا أن يصرفوا ملايين الجنيهات في كل انتخابات وتمرسوا على المشاركة في الانتخابات، ورغم ذلك استطاع اهالي قرية النجيلة بالبحيرة أن يثبتوا للجميع انه لا يمكن للأموال وحدها أن تأتي بمرشح لمجلس النواب وأنه لا يمكن ان ينجح مرشح دون رغبة اغلبية ناخبين الدائرة.

 "لقد ضرب اهالي قرية النجيلة مثالا واضحا للمتشدقين بالديمقراطية دون أن يمارسوها". لأن الامر لم يقف عند مجرد الترشح للانتخابات فقد كون شباب القرية اقوي حملة انتخابية لمرشح لانتخابات مجلس النواب بجهود ذاتية على الاطلاق فطافوا جميع القرى و المراكز التابعة للدائرة الانتخابية لتعريف الناس بمرشحهم و ابن قريتهم فهناك من ساعد بعمل الملصقات وعمل ويفط الدعاية الانتخابية و اخرين قاموا بمقابلة كبار العائلات و التجار بالدائرة و هناك من استخدموا سياراتهم ومكبرات الصوت لعمل الدعاية و التعريف بمرشحهم بجميع ارجاء الدائرة المترامية الأطراف لقد سطروا ملحمة ديمقراطية بأبسط الامكانيات و لكن " أصدقها و الصدق اقصر الطرق للقلوب و العقول وصولا للإقناع.

 

أنا اعلم أن اهالي قريته لم يفعلوا ذلك من اجل إعلاء قيم الديمقراطية ولا لكي يثبتوا أي شئ لأي احد و لكنهم فعلوا ذلك دون ان يقصدوا وكان كل هدفهم ان يرشحوا " من وثقوا به" ليكون خير ممثل لهم في البرلمان.

 

أنا اتابع تلك القصة منذ الانتخابات و كنت اتوقع أن تسلط القنوات و برامج التوك شو الضوء على مثل هذه النماذج المضيئة لعلها تكون دافع و قدوة لكثير من الشباب ولكن للأسف لم يحدث ولولا (اهل زوجتي) بمحافظة البحيرة ما كنت علمت بتفاصيل تلك القصة التي تستحق أن تكتب و أن تروى.

 

و أنا اشاهد أول امس دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي وهو يلقي بيان الحكومة امام مجلس النواب الموقر واسترجعت قصة النائب احمد حلمي الشيشيني  تمنيت لو أن كل الناخبين يعرفون نوابهم كأهل قرية النجيلة.