المواطنة حق وحياة| مسلم يُدرِّس في «الكنيسة» ومسيحي يُحاضر في «الأزهر»

سميرة لوقا ونبيل لوقا بباوي ولؤي سعيد
سميرة لوقا ونبيل لوقا بباوي ولؤي سعيد

◄| لؤي سعيد مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية: الأزهر يستطيع أن يسمح بدراسات حرة مفتوحة للأقباط

◄|نبيل لوقا بباوي أول مسيحي يحصل على درجة الدكتوراه في علم الشريعة الإسلامية: الرئيس السيسي يمثل وسطية واعتدال الإسلام.. ويجب تجاهل المتعصبون

◄|سميرة لوقا رئيس قطاع الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية: منتدى حوار الثقافات يهدف للتعايش مع الآخر وإذابة التخوفات المتراكمة

 

الحقيقة تعلن لنا عن ذاتها عن طريق المحبة، وإذا قُتلت المحبة خسرنا جميعا الطريق الوحيد لمعرفة الحق، ومصر مليئة بالنماذج التي أخذت من المحبة طريقا ومنهجا ودستورا، ضاربين أروع الأمثلة في تقبل الآخر مهما كان مختلفا في الفكر أو العقيدة أو الدين..

 

ربما هناك من يكبل أقدام من يسعون نحو تغيير وكسر التابوهات النمطية التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها، مثل تحقيق التعايش قولا وعملا وسط أجواء من المحبة الصادقة، وفي مصر هناك تجارب جديدة في ذلك كأن يقوم مسلم بالتدريس في كلية اللاهوت الإنجيلية، أو يقوم مسيحي بالتدريس لطلاب من الأزهر، ليضعوا لبنة في جدار التقارب والتعايش وتقبل الآخر..

 

مسلم في الكنيسة
د. لؤي سعيد، مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية وأحد المدرسين «مسلم» في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لكلية اللاهوت، قال إن مفارقة عمله في مركز قبطي كانت في عام 2016 أطلقنا دبلومة تحت عنوان: «التراث العربي المسيحي»، وكانت بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية وكلية اللاهوت الإنجيلية، وكنت أشرف على الدبلومة مع الدكتور القس وجيه مخائيل، لافتا إلى أن كلية اللاهوت دورها هو تخريج قساوسة إنجليين، ولكن الدبلومة كانت مفتوحة للجميع مسيحيين من مختلف الطوائف بالإضافة إلى مسلمين، مضيفا أن أول وثاني دفعة كان هناك طلبة أئمة مساجد تابعين لوزارة الأوقاف وأزهريين، مستطردا بأن هذه الدبلومة كانت حالة خاصة مختلفة لأنه خلقت جو من المحبة والتفاهم واستمرت لعدة سنوات، وكنا نعتبرها أحد وسائل صناعة المحبة في مصر لأنها ترسي مبادئ التسامح والمساواة وقبول الأخر بشكل حقيقي على الأرض.

 

وأضاف مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، أنه دخل للتدريس في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لكلية اللاهوت، من خلال تلك الدبلومة، مشيرا إلى أنهم يتعاملون مع التراث باعتباره تراث مشترك، وأنه لا دين له ولا عقيدة، وأن هذا التراث تراث عربي، وبالتالي فالتراث يخص المسلم والمسيحي وكل الديانات الأخرى، لافتا إلى أننا ممكن أن نختلف في الدين أو العقيدة، لكن بخلاف ذلك نحن متفقون في كل شيئ، موضحا أنه متخصص في الدراسات القبطية ويقوم بتدريس ذلك للطلاب في المركز بصرف النظر عن الدين، لأنه لا يقوم بتدريس عقيدة أو كل ما يمكن أن يسبب شقاقا أو خلافا نقوم بالابتعاد عنه تمام، لكننا نتحدث عن التاريخ المشترك أو الفن أو العمارة.

 

اقرأ أيضا| المواطنة حق وحياة| أقباط في رحاب الأزهر.. وأزهريون تحت مظلة الكنيسة!

 

إذابة التخوفات
وذكر أنه ليس هناك تخوفات داخل كلية اللاهوت من قيام مدرس مسلم بالتدريس للطلبة المسيحيين، لكن ممكن أن تكون هناك بعض التخوفات من الطلبة أنفسهم، ولكن مع الوقت والاحتكاك في المحاضرات يحدث نوع من التفاهم والتقارب، وكل هذه المخاوف تزول وتذوب.

 

وبالنسبة للدراسة الأقباط في الأزهر، عملا بكلية اللاهوت التي تسهل على مسلمين الدراسة في الكلية، أوضح الدراسة ليست مفتوحة في كل الدراسات داخل كلية اللاهوت، بل إن الأمر مقتصر على الدبلومة التي تكون عبارة عن سنة واحدة، وهذا هو المتاح للجميع سواء مسيحيين من مختلف الطوائف أو مسلمين، مضيفا أن الأزهر لديه إشكالية لأنه لديه اشتراطات حتى في الدراسات العليا ومنها حفظ القرآن الكريم، وهذا صعب أن يطبقه شخص غير مسلم، لكن الأزهر يستطيع أن يسمح بدراسات حرة مفتوحة، وهذا في يده ويمكن تطبيقه، لأن الأزهر حصن حصين وجامعة كبير وهناك الكثيرون من يرغبون في دراسة العقيدة الإسلامية من خلال الأزهر.

 

ولفت إلى أن هناك حالات درست في الأزهر، حيث كان تبادل بين مؤسسة الأزهر والكنيسة في الثمانينات، وأرسل الأزهر أحد الأزهريين للدراسة في الكنيسة، وأرسلت الكنيسة أحد القساوسة للدراسة في الأزهر، وكانت حالة استثنائية، مشيرا إلى أن ذلك القس كان يحفظ من الآيات القرآنية الكثير وببلاغة وبدقة شديدة جدا، مشددا على ضرورة إعادة النظر في لائحة الأزهر بالنسبة للدراسات العليا، على الأقل في بعض التخصصات، مبينا أن العلاقة الطيبة والوثيقة بين شيخ الأزهر والبابا تواضروس تسمح بتحقيق تعاون لتنفيذ ذلك، وستكون خطوة إيجابية تضاف للأزهر، كما نتمنى أن تقوم الكلية الإكليريكية الأرثوذكسية تقوم بإتاحة الدراسات العليا لمسلمين أيضا، لتكون الخطوة من الطرفين.

 

واختتم سعيد، بأن الهدف مما نقوم به هو تحقيق مزيد من التقارب والتفاهم بين قطبي الأمة، لأن الإنسان عدو ما يجهل ونحن نحاول إزالة هذا الجهل لمزيد من المحبة والتقارب.

 

اقرأ أيضا| المواطنة حق وحياة| مسيحيون بـ«الجبة والقفطان».. حين كان للأزهر رواقا للأقباط

 

مسيحي يدرس الشريعة الإسلامية
ونحن نتكلم عن التعايش وقبول الأخر وتحقيق المواطنة بشكل كامل لا يمكن أن نغفل الدكتور «نبيل لوقا بباوي»، أول مسيحي يحصل على درجة الدكتوراه في علم الشريعة الإسلامية، تلك الشخصية القبطية الحاصلة على 9 دكتوراه، في القانون الجنائي والقانون الدولي والقانون العام وعلوم الشرطة وفي الاقتصاد والشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية، ودكتوراه في حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة الإسلامية في القانون المدني، ودكتوراه في قانون بناء وترميم الكنائس وحرية العقيدة في الإسلام والمواثيق الدولي وجائزة الجنادرية بالسعودية، والذي يقول في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يمثل وسطية واعتدال الإسلام والذي يؤكد على قبول الآخر والتعايش معه، والدليل على ذلك أن الرئيس السيسي في افتتاح أيا من المدن الجديدة يحرص على بناء كنيسة، لافتا إلى أنه  استطاع أن يحصل على ترخيص بناء كنيسة ومسجد يحيطهما سورا واحدا لا يفصل بينهما أي حائل، على مساحة نحو فدانين بحي المقطم في القاهرة تحت مسمى «مجمع الأديان» وسيتم افتتاحهم من قبل رئيس الوزراء بعد شهرين من الآن، ليصبح ذلك المجمع شاهدا على رسالة الوحدة الوطنية بين جموع المصريين، كما أن هذا المجمع دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، كأول مجمع يحتضن مسجد وكنيسة داخل سور واحد.

 

وأكد بباوي، أن قبول الآخر وتحقيق التعايش أصبح سمة ظاهرة في عهد الرئيس السيسي، وما يدلل على ذلك أيضا التهنئات المتبادلة بين شيخ الأزهر والبابا تواضروس في المناسبات المختلفة، مطالبا بتجاهل المتطرفين أو المتعصبين من الجانبين، الذين لا يعلمون صحيح دينهم، أو أولئك الذين يفسرون النصوص «على مزاجهم»، هؤلاء خارجون عن القانون ودينهم نفسه.

 

تجاهل المتطرفون
وأوضح بباوي، أنه حاصل على دكتوراة في الشريعية الإسلامية من جامعة القاهرة تحت عنوان: «حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة الإسلامية»، وكان يشرف عليها د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، و د. علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق، وسط ترحيب من أوساط الجامعة ومؤسسة الأزهر، لأن ذلك علم في النهاية، مشيرا إلى أن الحساسية من فكرة أن مسيحي يدرس عن الشريعة الإسلامية كانت من قبل المتعصبين سواء كانوا من المحسوبين على الإسلام أو المسيحية، مؤكدا أنه لم يعترض أحد من الأزهر أو الجامعة على اتمام الدكتوراه.

 

اقرأ أيضا| المواطنة حق وحياة| ما بين القبول والمنع.. أزهريون عن دراسة الأقباط في الأزهر

 

ولفت إلى أنه على أرض الواقع من يريد أن يدرس شيء لن يمانعه أحد، مؤكدا أننا لو سيرنا وراء المتعصبين من هنا أو هناك سنضل الطريق، ضاربا مثلا لتقبل فكرة تعاون وتقبل الأزهر لدراسة مسيحي للدراسات الإسلامية، بنفسه، حيث أن الدكتوراه التي حصل عليها أشرف عليها وناقشها، رجال دين – وزير أوقاف ومفتي – مشيرا إلى أنه أول مسيحي يرشحه مجمع البحوث الإسلامية لجائزة الدولة لمجموع كتبه التي تحض على الوحدة الوطنية ومحبة الآخر، وهذا يعكس وسطية الأزهر، بخلاف أنه حصل على جائزة الجنادرية من السعودية، مشددا على ضرورة تجاهل المتعصبين الذين يسيئون إلى الإسلام أو المسيحية.

 

الدور المجتمعي والتعايش
وفي إطار الدور المجتمعي للجمعيات الأهلية، كان لجمعية الهيئة القبطية الإنجيلية دورا كبيرا في هذا الخط، وتقول سميرة لوقا رئيس قطاع الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية، في تصريحات خاصة لـ« أخبار اليوم»، إن الهيئة ترعى منتدى حوار الثقافات الذي يضم كافة أطياف المجتمع ما بين أئمة أزهريون أو قساوسة من طوائف مختلفة، للتأكيد على قيم المواطنة والعيش المشترك وبناء السلام في المجتمع، لافتة إلى أنهم لا يناقشون الأمور الدينية أو العقائدية بل يعملون على مشاريع وأنشطة كثيرة، أبرزها الدورات التدريبية لبناء القدرات، ثم تشجيع منتسبي تلك الدورات لعمل مبادرات تخدم المجتمع، موضحة أن المنتدى بني على فكرة التفاعل، كما أن الهدف أن يكتشف الملتحقين بالدورات بأن استقرارنا ووجودنا وازدهارنا، مرتبط بقدرتنا على العيش المشترك، وتحقيق المواطنة بشكل عملي.

 

تنسيق مع المؤسسات الدينية
وأضافت سميرة، أن منتدى حوار الثقافات يعمل بعدد من المنهجيات أحدها التفاعل بين المشاركين والذي يضم أئمة من الأوقاف وقساوسة من الكنيسة، لتحقيق الثقة المتبادلة بينهما، ومن خلال بناء الثقة تذوب كافة الثلوج التي كانت متراكمة عبر الأزمنة والحقب المختلفة نتيجة الفجوة التي كانت تتسع نتيجة الصراعات وتوظيف الدين لأغراض دينية، ومن هنا جاءت فكرة المنتدى لعمل لقاءات على أرضية مشتركة بين الطرفين لتحقيق المواطنة وقبول الآخر وتحقيق التعددية وذلك من خلال ورش عمل ولقاءات تدريبية، كما أن المشاركين يقومون بعمل دراسات وأبحاث يشاركونها فيما بينهم، وبعد فترة من ورش العمل يقومون بعمل مبادرات عملية بهدف عكس ما تعلموه في المناطق التي يعيشون فيها.

 

وأشارت إلى أنه في ظل أن الدورات يحضرها عدد من الأئمة والقساوسة، فهناك تنسيق مع وزارة الأوقاف منذ حقبة د. محمود حمدي زقزوق أي منذ حوالي 15 عاما، وعدد من الكنائس المصرية المختلفة، ويتم ترشيح الشخصيات المختلفة من كل الأطراف، لافتة إلى أن الجميع شركاء في التخطيط والتنفيذ، مبينة أن هناك تعاون أيضا مع الأزهر من خلال بيت العيلة بخلاف برنامج آخر لتدريب الواعظات وطلبة الأزهر بكلية الشريعة، مؤكدة أن فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب من المهتمين بهذا الشأن والشراكة.

 

اقرأ أيضا| المواطنة حق وحياة| أقباط يتطلعون للدراسة بالأزهر.. والشروط التعجيزية تمنعهم

 

تخوفات تتحول لمحبة
وبالنسبة لحساسية التعامل أو التخوفات من الجانبين في ظل احتكاكهم بشكل مباشر، أوضحت أنه في البداية يكون هناك بعض التخوفات لكن من خلال التفاعل وطبيعة البرنامج ومرونته - لأنه يحتوي على بعد إنساني كبير- بعد فترة تتحول هذه التخوفات إلى تقارب وعلاقات صداقة ويبدؤون للسعي للتشارك فيما بينهم في مبادرات لخدمة المجتمع، مشيرة إلى أن التوسع في التعاون لا يقتصر على الأزهر والكنيسة فقط، بل إن الأمر يحاج تعاون وتكاتف الجميع لتحقيق التقارب بين أطياف المجتمع، وحينما تكون المؤسسات الدينية كالأزهر والأوقاف والكنيسة مؤمنة بالقضية، هذا يعطي شرعية قوية لتعاون أكبر، ومع وجود الإرادة السياسية للدولة فبالتأكيد هذا سيدفع للاستمرار والازدهار، ملقية الضوء على تحدث الرئيس السيسي عن ضرورة تجديد الخطاب الديني والفكر والعيش المشترك والمواطنة، وإلى زياراته إلى الكنائس وما يعكسه ذلك من رسائل ويؤكد أن دور العبادة ليس مكانا نخاف منه، ولكنه مكان مقدس نحترمه ونوقره.

 

بدروها، قالت إيمان ممدوح مدير البرنامج المحلي للحوار وبناء التنمية بالهيئة القبطية الإنجيلية، إنهم يعملون أيضا على مستوى السيدات، لأنه كما أن هناك داعيات وواعظات في الأوقاف، هناك خادمات للكنيسة، ومنذ حوالي عامين كانوا لأول مرة يشتركن في برامج حوارية وتدريبية، وكانوا في بداية الاحتكاك المباشر كان هناك حساسية ولكن بمجرد التعارف والاحتكاك اكتشفوا أنهم يقدمون نفس الخدمات، وهي خدمة المجتمع والناس، مبينة أن الهدف الأساسي لهذا التعاون أن يساهمن من خلال دورهن كواعظات وخادمات في دعم المرأة كصانعة للسلام.