الحصانة البرلمانية وملابس الحشمة.. قصة أول برلمان في مصر

 أول برلمان في مصر
أول برلمان في مصر

تشهد مصر اليوم انعقاد الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الجديد 2021، ليضاف البرلمان الجديد لتاريخ مصر الفريد في الحياة النيابية الممتدة لأكثر من 150 عامًا، والأولى في المنطقة العربية.


ويعتبر مجلس شورى النواب الذي تأسس عام 1866 المجلس النيابي الأول في مصر الذي يمارس صلاحيات نيابية حقيقية، وبالرغم من أنه سبقته مجالس إلا أنها كانت ذات طابع استشاري دون صلاحيات نيابية.


ونعرض ملامح مجلس شورى النواب والقواعد البرلمانية التي أرساها، وأبرز المعلومات عن أول رئيس لأول برلمان في مصر.


 الملامح الأساسية
 ‏
أنشئ مجلس شورى النواب عام 1866 فى عهد الخديوى إسماعيل (18 يناير 1863 - 26 يونيو 1879) الذي وضع أسس هذا النظام  فى لائحتين عرفت الأولى باللائحة الاساسية وهى مؤلفة من ثمانى عشرة مادة مشتملة على بيان سلطته وطريقة انتخابه وموعد اجتماعه، وسميت الثانية اللائحة النظامية (اللائحة الداخلية) وتتألف من 61 مادة.


تكوين المجلس


تألف المجلس من 75 عضوًا ، ينتخبون لمدة ثلاث سنوات، ويتولى انتخابهم عمد البلاد، ومشايخها فى المديريات، وتولى الانتخاب فى القاهرة ، والإسكندرية ، ودمياط الأعيان.


وتحدد عدد نواب كل مديرية بحسب عدد السكان ، فينتخب واحد أو اثنان عن كل قسم من أقسام المديرية بحسب كبر القسم وصغره، وينتخب ثلاثة نواب عن القاهرة، واثنان عن الإسكندرية، وواحد عن دمياط. وكان عدد سكان مصر وقتذاك 5036000 نسمة بواقع نائب لكل  66 ألفا.


شروط العضوية 


يشترط فيمن ينتخب عضواً أن يكون مصرياً ، ومن المتصفين «بالرشد والكمال» ولا يقل عمره عن خمس وعشرين سنة، وأن لا يكون ممن صدرت ضدهم أحكام جنائية بالليمان أو من المحكوم عليهم بالإفلاس، أو الطرد من وظائف الحكومة بحكم، واشترط فى العضو العلم بالقراءة والكتابة فى الانتخاب السابع، أى بعد مضى ثماني عشرة سنة على تأسيس هذا النظام، لأن مدة كل مجلس ثلاث سنوات، ومعنى ذلك أن النواب كانوا يعفون من هذا الشرط فى الانتخابات الستة الأولى، ولوحظ فى هذا التميز أن هذه المدة تكفي لانتشار التعليم فى البلاد بحيث يشترط فى الأعضاء بعد انقضائها أن تكون لهم دراية بالقراءة والكتابة، واشترط في الناخبين أن يكون لهم إلمام بالقراءة والكتابة فى الانتخاب الحادي عشر، أى بعد انقضاء ثلاثين سنة على الانتخاب الأول.


اجتماع المجلس


يجتمع المجلس شهرين فى كل سنة، من منتصف ديسمبر إلى منتصف فبراير أما المجلس الأول، فيجتمع في نوفمبر، يناير، ويكون اجتماعه فى القاهرة وجلساته سرية وللخديوي جمع المجلس أو تأخيره أو إطالة مدة اجتماعه أو تبديل أعضائه (حله) وإجراء انتخابات جديدة.


تعيين رئيس المجلس ووكيله 


تعيين رئيس مجلس شورى النواب ووكيله كان منوطًا بالخديوي دون أن يكون للمجلس رأي أو ترشيح فى هذا التعيين.
عقوبات على من يتخلف من الأعضاء عن حضور الجلسات


للمجلس توقيع عقوبات على من يتخلف من الأعضاء بدون عذر عن حضور الجلسات .


ومن ثم كانت نسبة الحضور عالية، وللدلالة على حيوية المجلس ونشاطه وندرة الغياب فيه أن أحد الأعضاء ارسل يعتذر عن الحضور لمرضه ، فما كان من احد النواب إلا أن طلب توجيه رسالة للمديرية التابع لها العضو الذى يعتذر بالمرض للكشف عليه طبيًا بمعرفة حكيمباشي المديرية ، فوافق المجلس على هذا الرأى .


الحصانة النيابية 


يتمتع الأعضاء أثناء انعقاد المجلس بشئ من الحصانة النيابية فلا ترفع عليهم دعوى ( جنائية ) فى أثناء الانعقاد إلا اذا ارتكب أحدهم جريمة القتل.


قرارات المجلس علانية وبالأغلبية مع احترام رأى الأقلية


كانت إدارة نظام الجلسات منوطة برئيس المجلس، ولا يجوز للعضو أن يتكلم إلا إذا طلب الكلام ، وأذن له الرئيس بذلك، ولا يتكلم إلا وهو فى موضعه، وتصدر القرارات بطريقة أخذ الآراء علانية، وبالأغلبية وعلى المجلس احترام رأى الأقلية والإصغاء لأقوالها وملاحظاتها.


3  دورات


استمر مجلس شورى النواب ثلاث دورات أو هيئات ( 1866- 1879 ) ، وفي هذه الهيئات النيابية الثلاث كان المجلس ينعقد انعقاداً عادياً ولم يكن هناك اجتماع غير عادي سوى الذي عقد خلال شهر اغسطس 1876 م في مدينة طنطا، وكان عدد أعضاء المجلس في هذه الفترة خمسة وسبعين عضواً منتخبين وواحد فقط هو المعين.


إرساء العديد من التقاليد البرلمانية


شهد مجلس شورى النواب إرساء العديد من التقاليد البرلمانية ، والتى اصبح معمولا بها فيما بعد ، وبعضها من التقاليد الراسخة فى الحياة البرلمانية الراهنة  . وفى مقدمة تلك التقاليد خطبة العرش او ما كانت تسمى بمقالة العرش التى  يلقيها الخديوى في حفل افتتاح المجلس والتي كان يحضرها لفيف من الأمراء وعلية القوم في ذلك الوقت، وبمجرد الانتهاء منها يشكل المجلس لجنة للرد عليها .ومن التقاليد الأخرى الحصانة البرلمانية ومبدأ مسئولية الحكومة امام البرلمان .


 خطبة العرش والرد عليها


يفتتح الخديوى المجلس بخطبة العرش، ويقدم المجلس جوابه عنها بكتاب لا يقطع فيه بشئ من الامور التى يقتضى نظرها المجلس .


ومن ثم، بدأ المجلس أولى جلساته يوم الأحد 25 نوفمبر 1866 بمكان انعقاده بالقلعة برئاسة إسماعيل راغب باشا الذى عين رئيسًا للمجلس فى دور انعقاده الأول، وحضر الخديوى حفلة الافتتاح يحيط به أركان حكومته شريف باشا، ووزير الداخلية، وحافظ باشا وزير المالية، وعبد الله عزت باشا رئيس مجلس الأحكام، واسماعيل باشا صديق مفتش الأقاليم ، ورياض باشا المهردار ( حامل الختم ) ، واحمد خيرى بك كاتب الخديوى .


أقلام أو لجان المجلس 


تقليد نيابي آخر أرساه مجلس شوري النواب، وتمثل في تشكيل لجان المجلس أو ما عرف آنذاك بالأقلام حيث ينتخب المجلس من بين اعضائه لجانا تسمى ( أقلاما) ومن اعمالها فحص صحة نيابة الأعضاء وتعرض قراراتها على هيئة المجلس ومن يقرر المجلس صحة انتخابهم تعرض اسماؤهم على الخديوى ليعطى كل واحد منهم «ألبيرولدى» أى الأمر باعتماد عضويته.


الحصانة البرلمانية 


ومن التقاليد البرلمانية الأخرى الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها الأعضاء حيث كانت لائحة تأسيس المجلس تنص علي أن لا ترفع علي أعضاء المجلس دعوى جنائية أثناء انعقاد المجلس إلا إذا ارتكب العضو جريمة القتل وضبط متلبساً بالجريمة .
حضور الأعضاء الى المجلس بملابس «الحشمة اللائقة »


تقليد آخر تمثل في عناية لائحة المجلس إلي حد تقرير نوع الملابس التى يرتديها العضو في المجلس بأن تكون بالحشمة اللائقة وطريقة الجلوس بأن تكون بهيئة الأدب . 


زد على ذلك انه لم يكن بإمكان أى عضو نشر مناقشات المجلس او طبعها إلا بإذن من الرئيس وإلا كان عرضه للجزاء الذى يوقعه به المجلس ( مادة 54) .


مبدأ المسئولية الوزارية 


من خصائص النظام البرلمانى ان الحكومة تكون مسئولة امام البرلمان ، وتقرر مبدأ المسئولية الوزارية فى مصر لأول مرة فى مصر سنة 1879 فى عصر اسماعيل . ومن ثم كانت وزارة شريف باشا التى شكلت فى 7 ابريل 1879 اول وزارة تساءل امام البرلمان .


إسماعيل راغب باشا
«إسماعيل بن أحمد بن الحسن بن ينى»، أو «إسماعيل راغب» باشا، ابن اليونان، أول رئيس للبرلمان المصرى، ولد فى شبه جزيرة المورة عام 1818، ووصل إلى مصر فى عام 1830 لينخرط فى سلك التعليم فتلقى العلم فى البداية بالمكتب الأميرى، ونال الشهادة العليا عام 1834، ثم عين مساعد ترجمة بمجلس الملكية، ورقاه محمد على باشا إلى رتبة الملازم أول، ثم تولى رئاسة قلمى المحاسبة والإيرادات عام 1836، ورقى إلى رتبة بكباشى (مقدم) عام 1840، ثم قائمقام (عقيد) عام 1844، ثم أميرالاى (عميد) عام 1846، ومنحه محمد على خمسمائة فدان لتكون النواة الأولى لثروته.


 بعد تولى عباس الأول حكم مصر، اعتزل راغب الخدمة، وفى أواخر عام 1854 عُين وكيلاً للمالية، ثم وكيلاً للخزانة، وأنعم عليه برتبة «ميرميران» مع لقب باشا، وفى عصر إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على أسندت رئاسة أول برلمان مصرى حقيقى إلى راغب فى 25 نوفمبر 19.


جلس «راغب» على رأس البرلمان الذى كان يضم وقتها 75 نائباً فقط انتخبهم الشعب من طبقة كبار ملاك الأراضى الزراعية، على أن تجرى انتخابات جديدة كل ثلاث سنوات، ولم يطل بـ«راغب» المقام فى المجلس، إذ سرعان ما تركه فى 24 يناير 1867، ليغيب عن المناصب المهمة حتى تسند إليه مهمة تشكيل وزارته الأولى فى 1 يونيو 1882 حتى 21 أغسطس 1882، قبل أن يرحل عن عالمنا فى عام 1884.

شاهد ايضا :- فريدة الشوباشي تؤدي اليمين الدستورية أمام النواب.. فيديو