عهد

الرسول إلى المسيحيين

الوثيقة النبوية بدير سانت كاترين
الوثيقة النبوية بدير سانت كاترين

ليس من المستبعد أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم قد أعطى رهبان سيناء عهدًا بقى معهم إلى أن أخذه منهم أحد السلاطين السالفين، وعوضهم عنه عهدًا بروح العهد النبوى ولغة ذلك العصرمع تفصيل اقتضاه الزمان، 

طبقًا‭ ‬لتعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمحة‭ ‬أعطى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلّى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عهد‭ ‬أمان‭ ‬للمسيحيين‭ ‬يؤمنهم‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أرواحهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬وبيعهم‭ ‬يعرف‭ ‬بالعهدة‭ ‬النبوية‭ ‬محفوظ‭ ‬بمكتبة‭ ‬دير‭ ‬سانت‭ ‬كاترين‭ ‬صور‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬السلطان‭ ‬سليم‭ ‬الأول‭ ‬النسخة‭ ‬الأصلية‭ ‬عام‭ ‬1517م‭ ‬وحملها‭ ‬إلى‭ ‬الأستانة‭ ‬وترك‭ ‬لرهبان‭ ‬الدير‭ ‬صورا‭ ‬معتمدة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬مع‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬التركية،‭ ‬وقد‭ ‬تقدمت‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة‭ ‬والآثار‭ ‬بمذكرة‭ ‬علمية‭ ‬لعودة‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬المهم‭ ‬من‭ ‬تركيا‭. ‬

وقد‭ ‬رأى‭ ‬نعوم‭ ‬بك‭ ‬شقير‭ ‬مدير‭ ‬قلم‭ ‬التاريخ‭ ‬بوزارة‭ ‬الحربية‭ ‬بمصر‭ ‬عام‭ ‬1906م‭ ‬صورا‭ ‬لهذه‭ ‬العهدة‭ ‬بالعربية‭ ‬والتركية‭ ‬بعضها‭ ‬منسوخ‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬صغير‭ ‬وبعضها‭ ‬على‭ ‬رق‭ ‬غزال‭ ‬فى‭ ‬وكالة‭ ‬دير‭ ‬سانت‭ ‬كاترين‭ ‬بالقاهرة‭ (‬محفوظة‭ ‬حاليا‭ ‬بدير‭ ‬سانت‭ ‬كاترين‭ ‬بسيناء‭) ‬وكل‭ ‬صورة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭ ‬قليلًا‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬أخطاء‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النساخ‭ ‬الذين‭ ‬نسخوها‭ ‬كانوا‭ ‬أعاجم‭ ‬أو‭ ‬عربا‭ ‬يجهلون‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأصح‭ ‬هذه‭ ‬النسخ‭ ‬وأقدمها‭ ‬ثلاث‭ ‬نسخ‭ ‬مكتوبة‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬صغيرة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬والتركية‭ ‬وقد‭ ‬وسمت‭ ‬بالأحرف‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ABC‭ ‬حسب‭ ‬أقدميتها،‭ ‬وأقدمها‭ ‬الموسومة‭ ‬بحرف‭ ‬A‭.‬

وشهد‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬العهدة‭ ‬صحابة‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومنهم‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب،‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬قحافة،عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان،‭ ‬أبو‭ ‬الدرداء،‭ ‬أبو‭ ‬هريرة،عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬مسعود‭.‬

وقد‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬بخطه‭ ‬فى‭ ‬مسجد‭ ‬النبى‭ ‬بتاريخ‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬المحرم‭ ‬ثانى‭ ‬سنى‭ ‬الهجرة‭ ‬وأودعت‭ ‬نسخته‭ ‬فى‭ ‬خزانة‭ ‬السلطان‭ ‬وختم‭ ‬بخاتم‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭. ‬

وقد‭ ‬تلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬الاختلاف‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الصور‭ ‬المنقولة‭ ‬للعهدة‭ ‬التى‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬وكذلك‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الصورة‭ ‬الأصلية‭ ‬التى‭ ‬قيل‭ ‬إنها‭ ‬أعطيت‭ ‬للرهبان‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ ‬بواسطة‭ ‬سليم‭ ‬الأول‭ ‬عام‭ ‬1517م،‭ ‬وبالتالى‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إنكار‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬للعهد‭ ‬ذاكرًا‭ ‬أن‭ ‬رهبان‭ ‬سيناء‭ ‬اختلقوها‭ ‬للاستعانة‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬ظلم‭ ‬الحكام‭ ‬وأدلتهم‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬العهدة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬عصر‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ففيها‭ ‬من‭ ‬التراكيب‭ ‬والألفاظ‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مألوفًا‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬وأن‭ ‬بعض‭ ‬الشهود‭ ‬المذكورين‭ ‬فى‭ ‬ذيل‭ ‬هذه‭ ‬العهدة‭ ‬كأبى‭ ‬هريرة‭ ‬وأبى‭ ‬الدرداء‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬أسلموا‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬للهجرة‭. ‬

كما‭ ‬اعتمدوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مؤرخى‭ ‬الإسلام‭ ‬الذين‭ ‬أحصوا‭ ‬كل‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬أثر‭ ‬للنبى‭ ‬لم‭ ‬يذكروا‭ ‬هذه‭ ‬العهدة‭ ‬ولا‭ ‬أتوا‭ ‬بأقل‭ ‬إشارة‭ ‬تدل‭ ‬عليها‭.‬

ونرد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬لا‭ ‬تنفى‭ ‬أصل‭ ‬العهدة‭ ‬وصدورها‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة‭ ‬وهى‭ ‬أن‭ ‬الرهبان‭ ‬لا‭ ‬يدّعون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العهدة‭ ‬هى‭ ‬الأصل‭ ‬الذى‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬ولا‭ ‬صورة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬الصورة‭ ‬التى‭ ‬أعطيت‭ ‬لهم‭ ‬بعد‭ ‬أخذ‭ ‬العهد‭ ‬منهم‭ ‬وأن‭ ‬ثانى‭ ‬سنة‭ ‬للهجرة‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬الأصل‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬العهدة‭ ‬التى‭ ‬بأيدينا‭ ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬أعطى‭ ‬فى‭ ‬ثانى‭ ‬سنة‭ ‬للهجرة،‭ ‬والظاهر‭ ‬أنه‭ ‬ثامن‭ ‬لا‭ ‬ثانى‭ ‬سنة‭ ‬للهجرة‭ ‬وحرّفه‭ ‬النسّاخ‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬التحريف‭ ‬كثير‭ ‬الاحتمال‭ ‬جدًا‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬النسّاخ‭ ‬الأعاجم‭ ‬وأن‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬أحد‭ ‬المؤرخين‭ ‬للأصل‭ ‬لا‭ ‬يطعن‭ ‬بصحته‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المؤرخون‭ ‬قد‭ ‬أحصوا‭ ‬كل‭ ‬أثر‭ ‬للنبى،‭ ‬وقد‭ ‬حفظ‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬فى‭ ‬الدير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬منهم‭ ‬فكان‭ ‬يشار‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬فرمان‭ ‬أو‭ ‬منشور‭ ‬أعطى‭ ‬للرهبان‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬

وبالتالى‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قد‭ ‬أعطى‭ ‬رهبان‭ ‬سيناء‭ ‬عهدًا‭ ‬بقى‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أخذه‭ ‬منهم‭ ‬أحد‭ ‬السلاطين‭ ‬السالفين،‭ ‬وعوضهم‭ ‬عنه‭ ‬عهدًا‭ ‬بروح‭ ‬العهد‭ ‬النبوى‭ ‬ولغة‭ ‬ذلك‭ ‬العصرمع‭ ‬تفصيل‭ ‬اقتضاه‭ ‬الزمان‭ ‬والحال‭ ‬وهو‭ ‬العهد‭ ‬الذى‭ ‬بيد‭ ‬الرهبان‭ ‬ويدل‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬السابعة‭ ‬للهجرة‭ ‬628‭ ‬ذ‭ ‬629م‭ ‬أرسل‭ ‬النبى‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬كتبه‭ ‬إلى‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‭ ‬مثل‭ ‬كسرى‭ ‬وقيصر‭ ‬والمقوقس‭ ‬نائب‭ ‬الرومان‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬يدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأن‭ ‬المقوقس‭ ‬أكرم‭ ‬مندوب‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وزوده‭ ‬بالهدايا‭ ‬إلى‭ ‬النبى‭ ‬وليس‭ ‬لمندوب‭ ‬النبى‭ ‬طريق‭ ‬مختصر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬سوى‭ ‬طريق‭ ‬سيناء‭ ‬المار‭ ‬بالدير‭ ‬فمن‭ ‬المعقول‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المندوب‭ ‬قد‭ ‬مرّ‭ ‬بدير‭ ‬سيناء‭ ‬ذهابًا‭ ‬وإيابًا‭ ‬وأن‭ ‬رهبان‭ ‬سيناء‭ ‬قد‭ ‬احتاطوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬وأرسلوا‭ ‬معه‭ ‬وفدًا‭ ‬يطلع‭ ‬النبى‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬ديرهم‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬العهد‭ ‬تأمينًا‭ ‬للطريق‭ ‬وصيانة‭ ‬لديرهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الرهبان‭. ‬

وأمّا‭ ‬النبى‭ ‬محمد‭ ‬فمن‭ ‬المحتمل‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أعطاهم‭ ‬العهد‭ ‬وأمّنهم‭ ‬وأوصى‭ ‬بهم‭ ‬خيرًا‭ ‬لأن‭ ‬دير‭ ‬طور‭ ‬سيناء‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬ومن‭ ‬مصلحة‭ ‬العرب‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬الرهبان‭ ‬تأمين‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وأن‭ ‬التاريخ‭ ‬يدلّنا‭ ‬أن‭ ‬النبى‭ ‬قد‭ ‬حبب‭ ‬إليه‭ ‬النسك‭ ‬والزهد‭ ‬وكان‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬غار‭ ‬حراء‭ ‬قرب‭ ‬مكة‭ ‬ليتعبد‭ ‬ويذكر‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬حتى‭ ‬بعث‭ ‬للناس‭ ‬بشيرًا‭ ‬ونذيرًا،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الرهبان‭ ‬والنسّاك‭ ‬ويوصى‭ ‬بهم‭ ‬خيرًا‭ ‬لتجدنّ‭ ‬أشدّ‭ ‬الناس‭ ‬عداوة‭ ‬للذين‭ ‬آمنوا‭ ‬اليهود‭ ‬والذين‭ ‬أشركوا‭ ‬ولتجدّن‭ ‬أقربهم‭ ‬مودّة‭ ‬للذين‭ ‬آمنوا‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬إنّا‭ ‬نصارى‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬منهم‭ ‬قسيسين‭ ‬ورهبانًا‭ ‬وأنهم‭ ‬لا‭ ‬يستكبرون‭ ‬سورة‭ ‬المائدة‭ ‬آية‭ ‬82‭.‬

ولقد‭ ‬جرت‭ ‬عادة‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وخلفائه‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬إعطاء‭ ‬العهود‭ ‬للمسيحيين‭ ‬ومعاملتهم‭ ‬بروح‭ ‬التسامح‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عهد‭ ‬النبى‭ ‬لأهل‭ ‬أيلة،‭ ‬عهد‭ ‬النبى‭ ‬لأهل‭ ‬أذرح‭ ‬ومقنا،‭ ‬عهد‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬الوليد‭ ‬لأهل‭ ‬القدس،‭ ‬عهد‭ ‬أبى‭ ‬عبيدة‭ ‬لأهل‭ ‬بعلبك،‭ ‬عهد‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬سعد‭ ‬لعظيم‭ ‬النوبة،‭ ‬وأن‭ ‬رهبان‭ ‬طور‭ ‬سيناء‭ ‬قد‭ ‬سكنوا‭ ‬أرضًا‭ ‬يقدّسها‭ ‬اليهود‭ ‬والمسيحيون‭ ‬والمسلمون‭ ‬والوثنيون‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬وفى‭ ‬تقاليد‭ ‬بدو‭ ‬سيناء‭ ‬والرهبان‭ ‬أن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬زار‭ ‬طور‭ ‬سيناء‭ ‬بنفسه‭ ‬وترك‭ ‬فيه‭ ‬أثرًا‭ ‬لقدمه،‭ ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬طور‭ ‬سيناء‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يخيّب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬طلب‭ ‬سكانه‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الرهبان‭ ‬والنسّاك‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬طبعه‭ ‬الميل‭ ‬إليهم‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬أعطى‭ ‬العهد‭ ‬لجيرانهم‭ ‬أهل‭ ‬أيلة‭.‬

وقد‭ ‬أكد‭ ‬سلاطين‭ ‬المسلمين‭ ‬وأقرّوا‭ ‬صحة‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬وذكروا‭ ‬فى‭ ‬منشوراتهم‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭ ‬بأنهم‭ ‬أعطوا‭ ‬هذه‭ ‬الامتيازات‭ ‬للدير‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المبينة‭ ‬فى‭ ‬العهدة‭ ‬النبوية‭ ‬وذكروها‭ ‬فى‭ ‬فرماناتهم‭ ‬ومنشوراتهم‭ ‬إلى‭ ‬مطارنة‭ ‬الدير،‭ ‬بل‭ ‬ذكروا‭ ‬إنما‭ ‬أعطوهم‭ ‬هذه‭ ‬الامتيازات‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬الذى‭ ‬أخذوه‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وأيده‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدون‭. ‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬قومًا‭ ‬مستضعفين‭ ‬كرهبان‭ ‬سيناء‭ ‬يقدمون‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬بلاد‭ ‬إسلامية‭ ‬على‭ ‬اختلاق‭ ‬عهد‭ ‬عن‭ ‬لسان‭ ‬نبى‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬أصل‭ ‬له،‭ ‬ويطلبون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬السلاطين‭ ‬المسلمين‭ ‬الامتيازات‭ ‬الجمة،‭ ‬بل‭ ‬لو‭ ‬أقدم‭ ‬رهبان‭ ‬سيناء‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬فلا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬سلاطين‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬يقرّون‭ ‬رهبان‭ ‬سيناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اختلقوه‭ ‬ويمنحوهم‭ ‬من‭ ‬الامتيازات‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬خسارة‭ ‬لبيت‭ ‬المال‭ ‬بدون‭ ‬تثبّت‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬عن‭ ‬الأصل‭ .‬

وأرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العهدة‭ ‬صحيحة‭ ‬لأنها‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمحة‭ ‬والتى‭ ‬شهد‭ ‬بها‭ ‬أيضًا‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مؤرخى‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭.‬

مدير‭ ‬عام‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الأثرية‭ ‬والنشر‭ ‬العلمى

بجنوب‭ ‬سيناء‭ ‬بوزارة‭ ‬السياحة‭ ‬والآثار‭ ‬