«الحضارة التراثية».. من أخلاق المصريين القدماء «حفظ اللسان»

من أخلاق المصريين القدماء «حفظ اللسان»
من أخلاق المصريين القدماء «حفظ اللسان»

لم يكن المصريون القدماء أصحاب حضارة مادية أبهرت العالم؛ وفقط، بل كانوا مع ذلك؛ أصحاب نبوغ أدبي، ورقي معنوي؛ تمثّل في تلك القيم والأخلاق التي ظلت حضارتهم المادية شاهدة عليها، كما أكده الباحث الآثري الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية.

وأضاف «دقيل »، أن نبدأ مع خُلق عظيم من أخلاق المصريين القدماء؛ خلق التزموا به وحثوا غيرهم على التحلي به؛ ألا وهو "حفظ اللسان"، فهو خلق؛ حثّ عليه ديننا الحنيف، كما حثت عليه الشرائع السماوية السمحة، فاستقامة اللسان وحفظه؛ من خصال الإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه". (مسند الإمام أحمد) وها هو الحكيم "آنى" يحذر من انفلات اللسان ويدعو إلى مراقبته؛ فيقول: لا تُكثر الكلام وكن حذرا حين تتكلم؛ لأن اللسان يسبب للناس النكبات، لا تكن ممن يحبون الخوض في الحديث عن الناس، ولا تتكلمن كثيرا ولا تكن ثرثارا، كن صامتا لتكن سعيدا، لا تدخلن بيت غيرك، ولا تُمعنن في النظر إلى الشيء المُنتقد في بيته إذ أمكن لعينيك أن تراه، والزم الصمت ولا تتحدثن عنه لآخر في الخارج. 

أما الحكيم "بتاح حتب" فيدعو ابنه إلى الاستماع ويحثه عليه فيقول: إن الاستماع مفيد للابن الذي يُصغى، وأجمل بالابن أن يصغى عندما يتحدث إليه والده، والرجل العاقل يُعرف بعلمه وعقله ولسانه، فشفتاه تصيبان القول عندما يتكلم، وعيناه تبصران عندما ينظر. 

أما الفلاح الفصيح فيقول في شكواه التي قدمها للملك: اجعل لسانك يتجه إلى الحق، ولا تضل، إن لسان الرجل قد يكون سبب تلفه.

ومن أقوالهم في ذلك أيضا؛ قول أحدهم: لقد حافظتُ على نظافة فمي بعد إيذاء من آذاني، وأن انتباهي ويقظتي تُحول أعدائي إلى أصدقائي، إني أحكم فمي. 

وقول آخر: لا تقترب الذم واحذر الزلل حين الحديث، واحرص أن تظل كالحارث.

في حين يدعو ثالث إلى التحلي بالصمت في "المعابد" لأن علو الصوت يُغضب الرب؛ فيقول: لا يُحب الرب أن يتقدم المرء نحوه بعنف، تجنب أن يعلو صوتك في بيته، لأن الرب يحب الصمت.

أما أجمل ما قيل في الحث على حفظ اللسان؛ فهو ما أجمله لنا الحكيم "آمون أم أوبى" حين قال لابنه: اغرس طيبتك في جوف الناس حتى يحبك كل الناس، احفظ لسانك سليما من الألفاظ الشائنة؛ حتى تكون مفضلا عند الآخرين، ومحترما في شيخوختك وتوارى في كفنك، ولا تفضح إنسانا ائتمنك سره، واجعل الحسن منه على لسانك، أما القبح فاخفه في بطنك، ولا تخالطن الرجل الأحمق، ولا تقترب منه تحادثه، واحفظ لسانك سليما عندما تجيب على رئيسك، ولا تذمه واحذر الاندفاع في الإجابة، فالإنسان يبنى ويهدم بلسانه.

كما ينصحه بكلمات ما أحوجنا إليها اليوم، فهي كلمات تُوزن بماء الذهب، حين يقول: لا تفض بسرك لإنسان، ولا تذع أقوالك لآخرين، ولا تصاحبن إنسانا يكشف عما في قلبه، فالرجل الذي يحتفظ بأخباره في قرارة نفسه خير من الذي يفشيها فيصيبه الضرر، ولا تجعل كلامك يُذاع في الخارج حتى لا يتألم قلبك، فالإنسان يبنى ويهدم بلسانه.