التسويق السياسى جسر عبور الإنجازات للداخل والخارج

 د. محمد عمارة
د. محمد عمارة

كثير منا يعرف معنى كلمة التسويق ولكن عندما يقترن التسويق بالسياسة نجد علم التسويق السياسى، ذلك العلم وببساطة هو للمحافظة على استدامة أى منتج سياسى سواء كان هذا المنتج منتجا سياسيا تاما مثل رئيس أو حكومة، عضو برلمانى، حزب سياسى، تشريع، برنامج حكومى والسياسات العامة للدولة وعلى الجانب الآخر منتج سياسى غير تام مثل مرشح رئاسى، مرشح برلمانى، مشروع قانون أو قرارات حكومية إستراتيجية وكلمة السر فيه هو تعظيم درجة الإشباع والرضا لدى المستهلك السياسى أو المتلقى بصفة عامة.
علم التسويق السياسى يرتكز على كيفية تأسيس وبناء العلامة السياسية للمنتج السياسى وصورته الذهنية للوصول للمستهدف فى السوق السياسى بعد التشريح سواء كان التشريح ديموجرافيا مثل السن ومستوى الدخل أو الجغرافى وسلوكيات الطبائع التى شكلتها الطبيعة الجغرافية تلك المستهدف الذى يتم إدراكه بهذا المنتج بعد دراسة ميدانية لرغباته واحتياجاته حتى يتثنى لهذا المنتج أن يقابل احتياجاته ويشبعها فتأتى مرحلة الولاء لتلك العلامة السياسية وكيفية الحفاظ عليها.
وعبر التاريخ ظهر التسويق السياسى كفن للإقناع مع ظهور فلاسفة اليونان خاصة الفيلسوف أرسطو، كما أنه تم تطويره فى عصر النهضة مع ظهور الأفكار الخاصة بالفلسفة السياسية لنيكولا ميكافيلى فى القرن السادس عشر. ويرجع التطور التاريخى لأدوات التسويق فى أوائل القرن العشرين فى بريطانيا. وبالرغم من ذلك إلا أن أول من استخدم وطور أدوات التسويق لاستخدامها فى التسويق السياسى كان فى الولايات المتحدة الأمريكية ثم لحقت بها بريطانيا سياسيا كوسيلة للإقناع. وفى أوائل عام 1960 كانت الحملات الانتخابية ما هى إلا مجرد ترويج للمرشحين، ولكن تطورت فى الولايات المتحدة مع حملات الرئيس ريجان فى عام 1980 والتى اعتمدت على التسويق بمعناه الشامل كما تتبعها الشركات التجارية.
ثم انتقل استخدام التسويق السياسى من الولايات المتحدة إلى بريطانيا بعد استخدام مارجريت تاتشر زعيمة حزب المحافظين للتسويق السياسى لحملتها الانتخابية لعام 1987 والذى ينظر إليه باعتباره تغييرا فى طريقة الانتخابات البريطانية. فى حين أن المحافظين كانوا يستخدمون سابقاً فى حملاتهم الانتخابية وكالات الأنباء ساتشى ساتشى وفى عام 1980 استخدمت استراتيجيات التسويق لتحديد السياسات غير قابلة للاستمرار. ويرى الباحثون أن عام 1987 كانت البيانات الرسمية والاستراتيجية للانتخابات هى صلب تحليل دراسات التسويق فى بريطانيا». ومن هنا قاد المحافظون استخدام التسويق لعرض أفكارهم عن طريق دراسة «وضع السوق الانتخابي»، وتابع حزب العمال أثناء قيادة نيل كينوك حيث أصبح التسويق السياسى كمصطلح جزءاً من التفكير التنظيمى لحزب العمال، ويتوازى هذا التوصيف للتسويق كمجموعة من الممارسات التى تستخدمها النخب السياسية بواسطة الدراسات الاكاديمية التى وضعت التأصيل النظرى للتسويق السياسى.
علميًا يجب أن تختلف منصات التسويق السياسى باختلاف الشرائح المستهدفة وهذا ما تعانى منه مصر فنجد أن هناك دائمًا توحيد الرسائل وعدم التشريح المجتمعى الأمثل للمستهلك السياسى المستهدف والأهم هو عدم الاستدامة فى قياس قوة رد الفعل وتحليل النتائج لذا فوجود كيان تسويقى كامل متكامل للأبحاث والتطوير والتدريب سيكون له الأثر الإيجابى الكبير على مصر خاصة والوطن العربى وأفريقيا عامة وهذا ما أطالب به مرارا وتكرارا وآن الأوان لتنفيذه وخصوصًا ان مصر أصبحت لاعبًا إقليميًا أساسيًا وعالميًا بقيادة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
أخيرًا وليس بآخر تبرز أهمية علم التسويق السياسى وخصوصًا أن هذا العلم فى الدول المتقدمة المحرك الأساسى للحياة السياسية وفى مصر كنا نواجه صعوبة فى تطبيقه نظرا لعدم دراية الكثيرين به والخلط بين العلاقات العامة والتسويق بل والخلط بين التسويق الانتخابى والتسويق السياسى وأصبح التسويق السياسى بدوره ليس برفاهية أو تجميل الصورة فقط بل أصبح وجوبيا وخلق أفكار جديدة كما يجب توسعة دوائره ونطاق تنفيذه لرفع كفاءة الأداء ومكافحة الأدوات التسويقية الاستدعائية الخارجية والمدمرة لعقول أبنائنا ولن نكل أو نَمِل فى بذل الجهد والوقت لإعلاء شأن هذا الوطن بأساليب هذا العلم الهام وسنتحدث لاحقا عن أبعاد التسويق السياسى وكيفية صناعة العلامة السياسية.