نقطة نظام

هيهاااااااات يا دكتور خشت

مديحة عزب
مديحة عزب

من أجمل ما قرأت مؤخرا المقال المنشور للدكتور محمد الخُشت رئيس جامعة القاهرة وأستاذ فلسفة الدين عن التصور الأسطورى للشيطان.. ولو كان الأمر بيدى لسعيت إلى نشره فى كل وسائل الإعلام.. قال الدكتور الخشت إن المعتقدات المزيفة سوف تستمر مادام التمسك باتباع الفِرق وتقديس الرجال مستمرا، وسوف يستمر الإيمان بالأباطيل مادام بعض المحدثين باسم الدين يصرون على التمسك بأقوال قادة الفرق والجماعات الدينية، وماداموا يتمسكون برفض العودة المباشرة إلى المنابع الصافية للوحى «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا».. يقول الدكتور الخشت إنه قد ترتب على ذلك خراب العقول واضطراب التصورات وتخلف الأمة، خاصة أن انتشار الأساطير تحت قناع الدين أدّى إلى تكوين رؤية خرافية للكون والطبيعة والحياة.. وبينما اجتهدت أمم أخرى فى فهم الواقع إلا أن بعض القدامى قد صنعوا عالما أسطوريا موازيا ليعيشوا فيه ويجذبوا الناس إليه، وتركوا الواقع الحى لحساب عالم الأسطورة والخرافة، وبينما اجتهدت الأمم المتقدمة فى فهم قوانين الطبيعة إلا أن الأغلبية منّا قد سارت وراء من اتخذوا من الدين قناعا نحو عالم من صنع أوهامهم..ولكى لا يكون الكلام مرسلا ضرب الدكتور الخشت مثلا بالكتاب الشهير «إحياء علوم الدين» للشيخ الغزالى الأشعرى رحمه الله والذى هو فى النهاية بشر يخطئ ويصيب ويجب ألا يصير موضع تقديس أو أن يسير الناس وراءه عميانا منقادين.. فكما كان فى كتبه ما هو موضع تقدير كان فيها أيضا ما تسبب فى تغييب العقول حيث كان دأبه وبشكل عام عدم تحرى صحة الأحاديث النبوية المنسوبة ظلما إلى النبى صلى الله عليه وسلم.. وملأ كثيرا من كتبه بالأحاديث الضعيفة والمختلقة، وبالطبع بنى على ذلك أحكاما عديدة بعيدة عن المنهج العلمى الدقيق والنظرة العلمية للواقع.. وللأسف فإن هذه الأحكام والفتاوى والآراء المبنية على أحاديث ضعيفة ومختلقة قد غيبت كثيرا من العقول وسيطرت على قطاعات كبيرة وتسببت فى إضعاف النظرة العلمية للكون لصالح النظرة الأسطورية..
فى كتابه «إحياء علوم الدين» يتحدث الشيخ الغزالى عن ثلاث علل لتحديد أوقات كراهية الصلاة فيقول عن العلة الأولى إنها التوقى من مضاهاة عبدة الشمس والثانية الاحتراز من انتشار الشياطين والثالثة لتجنب الملل حيث إن المواظبة على الصلوات فى جميع الأوقات يورث الملل، ولو منع منها الإنسان زاد نشاطه وانبعثت دواعيه على انتظار انقضاء الوقت فيخصص هذه الأوقات للتسبيح والاستغفار.. وهنا ينبه الدكتور الخشت إلى اختلاط الحقائق بالأساطير حيث يمكن للعقل أن يقتنع بالعلتين الأولى والثالثة أما العلة الثانية والتى تستند إلى حديث ضعيف مرسل وهو أن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ارتفعت فارقها فإن استوت قارنها وإذا زالت فارقها وإذا تهيأت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها.. هذا الحديث من حيث السند أخرجه النسائى من حديث عبد الرحمن الصنابحى وهو حديث مرسل لأن الصنابحى لم ير النبى صلى الله عليه وسلم فكيف يروى عن الرسول وهو لم يره والسند مقطوع.. وهكذا بمنتهى البساطة خلطنا بين الأسطورة وبين حركة الشمس كظاهرة كونية لها قانونها الخاص.. ناهيك عما تشكله الأساطير الأخرى فى صميم عقيدة المسلم.. ويتساءل الدكتور الخشت هل يمكن أن نضع أيدينا على أحد أسباب تخلفنا العلمى أمام الأمم الأخرى.. وهل يمكن الآن أن يفيق من غيبوبتهم أولئك الذين تنفجر ذواتهم بالتضخم الكاذب.. هل لهم أن يتركوا الشجار والجدال والمعارك المزيفة وينخرطوا فى طريق العلم والعقل النقدى.. هل لهم أن يدركوا أن طريق التقدم هو العمل والمشقة وليس الصوت العالى والتعصب البغيض لقداسة مزيفة؟.. وبدورى أقول للدكتور الخشت هيهاااااااااااااات.
ما قل ودل:
فى هذه الحياة ستتعلم كل شيء وحدك، إلا القسوة سيقوم شخص آخر بتعليمها لك..