مصرية أنا

أهلا بالشتاء!

إيمان أنور
إيمان أنور

أحب الشتاء.. أنتظر هذا الفصل بفارغ الصبر.. أعشق برودته وخصوصيته التى تولد دهشة.. تولد شعرا.. تولد ابداعا ودفئا ورومانسية.. تأخذك إلى روحك.. وتلهمك الكتابة والدخول إلى أعماقك والتوحد مع ذاتك.. وتنزع عنك غطاءك.. فهى البرودة الخاصة جدا!..
تكتمل سعادتى بالمطر.. عكس الكثيرين.. الذين يرون فيه شعورا بالنقص والغضب والإزعاج.. بينما آخرون يرونه الإلهام والنجوى والتسبيح والدعاء والسكينة.. أحب المطر.. أتمنى أن يدوم أياما طويلة.. أنظر إلى حباته وهى تتساقط كشلال هادر خلف النافذة.. ولا أصبر فأتدثر فى معطفى وأنزل إلى الشارع ألهث خلفه وأسعد برذاذه وهو يلامس يدي ويبللها.. فأشعر أننى أغتسل من همومى حينما ينهمر فوق رأسى.. فيدغدغ مشاعرى.. ويوقظ فى داخلى التأمل والتفكير والحنين إلى أيام ولت.. أيام زمان.. عندما كنت أستيقظ فى الصباح الباكر مع بصيص أول ضوء وأغتسل سريعا وأرتدى مريلة المدرسة الكحلى فاقع اللون صوف إنجليزى.. والجورب الأبيض ناصع البياض.. والحذاء الأسود الذى أمضيت الليل فى تلميعه.. وألملم شعرى فى ضفيرة طويلة تتدلى خلف ظهرى.. وأحمل حقيبتى الثقيلة الممتلئة بالكتب والكراريس والواجبات.. وأطبع على خد أمى -  أطال الله عمرها وأمده- قبلة وهى تعطينى المصروف اليومى - بضعة قروش- وكيسا مليئا بالسندويتشات.. وأهرول على السلم وهى لا تزال تردد على مسامعى نصيحتها الحنون بضرورة تناولها جميعا «علشان أكبر وأبقى حلوه».. وأخيرا أدلف من باب بيتنا لأقف على ناصية الشارع أنتظر باص المدرسة تحت المطر والبرد.. بينما أنفخ فى الهواء فيخرج بخار متصاعد إلى أعلى أظل أتابع نفحاته حتى يختفى بلا رجعة..!
كانت أياما جميلة.. فلا أحد يسرق منى مطرى.. إلا الذكريات الراسخة لأنها -  حتما - ستحجز لى مكانا تحته..!