روايات «الرعب» تخويف للقارئ بـ«الأدب»

أحمد خالد توفيق
أحمد خالد توفيق

حسن حافظ

حقق الموسم الأول من مسلسل ∀ما وراء الطبيعة∀ نجاحاً مدوياً، وهو المبنى على سلسلة روايات تحمل نفس العنوان للعراب أحمد خالد توفيق، وهو ما أعطى دفعة هائلة لأدب الرعب الذى شهد ازدهاراً كبيراً فى السنوات العشر الأخيرة، وبات الآن يطالب بشرعية وجوده كأحد أركان المشهد الروائى المصرى الحالي، بعدما حقق طفرة فى سوق النشر وبات له آلاف المتابعين الذين يقبلون على قراءة هذا النوع من الأدب الذى حقق نجاحاً أجبر حركة النقد التى تجاهلته فى البداية على الالتفات إليه. ∩آخرساعة∪، استطلعت آراء عدد من كتّاب أدب الرعب الشباب، لمعرفة حجم المنجز والتحديات التى تواجه هذا النوع الأدبى.

بدأ أدب الرعب فى مصر بداية خجولة ولم يتخصص أى من كتاب الرواية الكبار فى هذا النوع الذى تم اتهامه بداية بأنه ∀أدب تسالي∀ أو ∀أدب أطفال∀ غرضه إثارة رعب القارئ بحيل ساذجة، لكن فى السبعينيات بدأت تظهر بعد كتابات الرعب على استحياء لكن لم يكتب لها الاستمرار، حتى جاء العراب أحمد خالد توفيق وبدأ فى شق طريق صعبة عبر سلسلة روايات ∀ما وراء الطبيعة∀، والتى صدرت بداية من عام 1993 حتى 2014، والتى قدم فيها شخصية رفعت إسماعيل وهو رجل فى نهاية حياته والذى يعيش فى عوالم غامضة، ثم ترجمت دار ∀نهضة مصر∀ سلسلة ∀صرخة الرعب∀ الأمريكية إلى العربية فى التسعينيات، فكون هذا النوع من الأدب قاعدة قراء بدأت فى الاتساع تدريجيا، حتى حدث الانفجار الكبير بعد عام 2011، فانطلق العديد من الروائيين الشباب الذين خرجوا من عباءة أحمد خالد توفيق فى كتابة روايات رعب، فظهرت عشرات الروايات التى تنوعت مستوياتها، لكنها فى النهاية رسخت مدرسة مصرية فى كتابة الرعب الذى يسعى لحفر تيمات خاصة بالبيئة المصرية بعيداً عن استيراد وتمصير التيمات الغربية.

من أشهر روايات الرعب التى حققت مبيعات واسعة، رواية ∀شمس المعارف∀ لعمرو المنوفى، ∀مخطوطة ابن إسحاق: مدينة الموتى∀، و∀المرتد∀، و∀الرصد∀، لحسن الجندي، و∀الممسوس∀ و∀التعويذة الخاطئة∀ و∀باب اللعنات∀، لمحمد عصمت، و∀حكايات شتوية∀ لحسين السيد، و∀خادم الطلسم∀ علاء محمود، و∀صندوق الموتى∀ لكيرلس عاطف، و∀خطوات ليلية∀، و∀صانع الظلام∀ لتامر إبراهيم، و∀لقاء إبليس∀ لبسمة الخولي، و∀ممر آمن للشيطان∀ لوسام سعيد، و∀القاتل الأخير∀ لمحمد إبراهيم محروس.

ولا يخفى كتّاب الرعب اعترافهم بأستاذية أحمد خالد توفيق، وهو ما أكده حسن الجندي، أحد أشهر كتاب الرعب حاليا، قائلا لـ∀آخرساعة∀: ∀هو عراب الجيل بلا جدال، وهو الذى خاض مهمة تأسيس عالم كتابة الرعب بنا على تيمات مصرية مثل أسطورة النداهة التى استوحاها من التراث الشعبي، وذلك رغم تجاهل النقاد له بل ومهاجمة البعض منهم له باعتباره يكتب أدب تسالي، لكن فى الحقيقة هو آمن حتى النهاية بما يفعل وحظى لذلك بحب جماهيرى واسع، واعتراف من كتاب الرعب جميعا بأستاذيته وريادته∀.

وتابع الجندي: ∀أدب الرعب استمد شرعية وجوده من جماهير القراء مباشرة، فهم من أقبلوا على هذا النوع الأدبي، واشتروا رواياته المختلفة، وهو نجاح دفع بالعديد من الكتاب الشباب إلى تطوير أدواتهم لأن القارئ الآن على درجة من الوعى والمعرفة تجعله على قدرة كافية لتقييم كل عمل جديد، وهذا لا ينفى وجود بعض الأعمال غير الناضجة فى روايات الرعب، لكن ذلك مثل أى مجال أدبى آخر يوجد فيه الأعمال الممتازة والجيدة والضعيفة∀.

وأضاف حسن الجندي: ∀الملاحظ أن مجال كتابة الرعب تطور بشدة فى السنوات الأخيرة بسبب حدة المنافسة التى أراها إيجابية، فدفعتنا جميعا لحفر معالم شخصيات العمل الروائي، والتعمق فى دوافعها النفسية، وتقديم حبكات وتيمات مصرية الهوى، والخروج من عباءة تقليد الرعب الأمريكى بتيماته المعروفة، ونحن الآن نستطيع الحديث عن عالم مصرى فى أدب الرعب قائم بذاته، لذا أظن أن السنوات المقبلة ستشهد المزيد من النجاح لكتابات الرعب∀.

ويحرص كتاب الرعب على البعد عن التيمات الغربية والحفر فى الفولكلور المصرى للبحث عن شخصية مصرية فى أدب الرعب، بحسب الكاتب كيرلس عاطف، الذى أضاف لـ∀آخر ساعة∀: ∀يتحدث ستيفن كينج، كاتب روايات الرعب الأكثر مبيعا فى العالم، عن وجود 18 تيمة فى أدب الرعب، لكن البعض يتحدث عن وجود تيمات أكثر، على كل حال يسعى كتاب أدب الرعب المصرى إلى البعد عن أجواء الرعب الأمريكي، والتركيز على الاستفادة من الفولكلور المعبر عن هوية مصرية∀.

وتابع عاطف: ∀كل ثقافة لها فولكلورها الخاص، فمثلا فى الولايات المتحدة نجد الحديث أكثر عن الشياطين والأرواح، وفى مصر نجد أغلب تراث الرعب مبنى على العفاريت والشياطين، بينما فى اليابان نجد اليوريه، وهو مفهوم عن الروح الطيبة والشريرة لها خصوصية عند اليابانيين، كما نجد فى المكسيك الاهتمام بالهياكل العظمية، لذا تقوم مهمة كاتب الرعب على البحث المعمق فى التراث الوطنى للبحث عن قصص تنبع من البيئة، وهذا متواجد بوفرة فى مصر التى تمتد تاريخيا على فترات طويلة تتميز بالتنوع، وحتى الآن لم نكتشف بعض الفترات التى لا تزال بكرًا وتبشر بالمزيد من الأفكار المبتكرة، خصوصا أن التنافس الإيجابى بين كتاب الرعب يؤدى إلى مزيد من التجويد، فضلا عن أن قاعدة قراء أدب الرعب فى توسع وهو ما يوضحه تبنى العديد من دور النشر لأدب الرعب، ووجود روايات الرعب فى قوائم الأكثر مبيعا فى معرض القاهرة الدولى للكتاب سنويا∀.

وتتبنى العديد من دور النشر كتاب الرعب، كدليل على النجاح الذى يحققه هذا النوع الأدبى جماهيريا، فتتسابق دور ∀دون∀ و∀نون∀ و∀تويا∀ و∀دارك∀ وغيرها على نشر روايات الرعب سنويا، وهو ما أكده هيثم حسن، مدير دار ∀دارك∀، الذى قال لـ ∀آخر ساعة∀: ∀خلال العشر سنوات الأخيرة ازدهر أدب الرعب فى مصر بصورة غير مسبوقة، لدرجة أن بعض الروايات تبيع عدة آلاف من النسخ، وطبعت البعض منها عدة طبعات وصلت للطبعة السابعة، وهو دليل إقبال القارئ على هذه الروايات∀.

وأشار هيثم حسن، إلى أن دار ∀دارك∀ تعمل على اختيار أعمال الرعب التى تتميز بأصالة الفكرة وتماسك البناء الدرامى للرواية، وتفرد أسلوب الكاتب، والبعد بطبيعة الحال عن التيمات الغربية مثل قصص مصاصى الدماء والزمبى (الموتى الأحياء) والمستذئب، لافتا إلى أنه من خلال متابعته لأدب الرعب كناشر لاحظ عملية التطور السريع الذى شهدته الكتابة فى هذا المجال وصولا إلى مرحلة إبداعية مصرية خالصة∀.

وحول التعاطى النقدى مع ظاهرة أدب الرعب، يقول الدكتور سامى سليمان، أستاذ النقد العربى الحديث بجامعة القاهرة، إن إحدى مهام المؤسسة النقدية هى تحديد الأنواع الأدبية، عبر تحديد منظومة للأدب السائد واستبعاد أشكال أخرى من الأدب، فمثلا فى المشهد الأدبى المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، نجد أن المنظومة الأساسية تقتصر على الرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرحية، مع استبعاد أشكال ثانوية وهامشية من هذه المنظومة، مثل الشعر العامى والرواية البوليسية وأدب الرعب، لكن الطريف فى الأمر أن الأدب الهامشى هو الأكثر ارتباطا بحياة الناس ويعبر عن مشكلات وتحولات على الأرض لا نهاية لها، ويحقق وظائف أساسية فى التعبير عن الطارئ فى المشهد الروائي∀.

وتابع سليمان: ∀من وجهة النظر تلك يمكن التعاطى مع أدب الرعب، الذى يعد قديما لو نظرنا إليها من خلال تراث أوروبى طويل بداية من الأساطير اليونانية مرورًا بملاحم العصور الوسطى، وصولا إلى أسطورة فاوست؛ حيث يبيع الإنسان نفسه للشيطان، والتى تم معالجتها أكثر من مرة وتبقى أشهرها معالجة جوته لها، ثم ظهر أدب الرعب فى أوروبا فى القرن الثامن عشر، بهدف إثارة رعب المتلقى وهو أدب له جمهوره الواسع، وفى حالة الأدب العربي، ومع بداية الرواية العربية الحديثة فى منتصف القرن التاسع عشر، وجدنا روايات تحتوى على عناصر رعب وخوف ويتم توظيفها فى سياق الرواية البوليسية، وهى التى تصنفها المؤسسة النقدية فى خانة أدب التسلية والترفيه، أو يأتى توظيف الرعب فى سياق روايات رفيعة المستوى فيتم قبولها وتقبلها∀.

ولفهم ظاهرة روايات الرعب، يرى الدكتور سامى سليمان ضرورة توسيع مجال الرؤية لفهم ظاهرة بدأت قبل أكثر من ربع قرن وهى ظاهرة ∀الرواية الرائجة∀، باعتبارها الإطار الأشمل الذى يمكن إدراج روايات الرعب فيه، لافتا إلى أن أدب الرعب له جمهوره الكبير، وهو ما يمكن التأكد منه من طبع روايات هذا الفن عديد الطبعات، ووجود شريحة أساسية من القراء تنتظر هذه الروايات وتحرص على متابعة جديدها، مع تحول عدد من كتاب الرعب إلى نجوم لدى هؤلاء القراء، وكلها تؤكد على حقيقة الحيز الذى يشغله أدب الرعب فى المشهد الروائى المعاصر.

ويجيب أستاذ النقد الأدبى الحديث على سؤال ∀هل تعترف المؤسسة النقدية بهذا النوع من أنواع الكتابة الأدبية؟∀ بـ∀لا∀، ويفسر رأيه قائلا: ∀رفض المؤسسة النقدية لروايات الرعب ناتج أساسا من سيطرة النظرة التقليدية على هذه المؤسسة، فضلا عن أن الإطار والسياق الذى تعمل فيه المؤسسة هو الإطار الجامعى فى المعظم، وهنا تسيطر التقليدية والمحافظة على أقسام اللغة العربية، التى تركز فى 80% من دراساتها على الأدب القديم والوسيط، ولا تدرس من الأدب الحديث إلا ما يتم تصنيفه تحت خانة الكتابة التقليدية ذات الأساليب المألوفة، لذا تتجاهل كل أشكال الحديثة على الرغم من أنها مطالبة بالاحتكاك بكل الظواهر الأدبية ودراستها وفهمها∀، ضاربا المثل بتجاهل الحركة النقدية داخل الجامعة لروايات نجيب محفوظ لنحو العقدين ظل فيهما يكتب ولا يلتفت إليه إلا النقاد الذين يكتبون فى الصحف.