المجمع الانتخابي الأمريكي.. قصة أكثر مؤسسة انتخابية مثيرة للجدل

تقسيمة الولايات من حيث عدد أعضاء المجمع الانتخابي
تقسيمة الولايات من حيث عدد أعضاء المجمع الانتخابي

مع كل انتخابات رئاسية تشهدها الولايات المتحدة، يتجدد الجدل الخاص بإشكالية احتساب الأصوات فى المجمع الانتخابي، وتتكرر الأسئلة حول أهمية وجوده، ولماذا حتى القرن الواحد والعشرين، لا يتم اختيار الرئيس الأمريكي عبر التصويت الشعبي المباشر، فرغم أن الولايات المتحدة من أكبر الديمقراطيات فى العالم، إلا أن فوز أحد المرشحين بأغلبية الأصوات على المستوى الشعبي لا يعنى فوزه بالمنصب.. وتبقى الكلمة الأخيرة فى يد أعضاء المجمع الانتخابي.. فما قصة هذا المجمع وكيف لايزال يتحكم حتى الان فى تحديد الفائز؟

 

النشأة والتكوين

ناقش المؤتمر الدستوري عام 1787 خطة ڤرجينيا اللتى دعت لأن يتم انتخاب الرئيس عبر الكونجرس، ورغم أن المندوبين من معظم الولايات اتفقوا على هذا النمط من الانتخابات، إلا أن بعضهم اعترض على ترشيح الكونجرس لأنه قد ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات.

ثم قدم جيمس ولسون اقتراحاً بغرض اختيار الرئيس عبر "ناخبين"، وهم مجموعة من الأشخاص مقسمين بين الولايات بنفس عدد ممثليهم في الكونجرس ويتم اختيارهم من قبل كل ولاية "بالطريقة التي قد توجهها الهيئة التشريعية". وبمجرد اتخاذ قرار بشأن المجمع الانتخابي، تأكدت قدرة المجمع على حماية العملية الانتخابية من العصابات والفساد والتآمر والفصائل فى وقت انتشرت فيه العبودية على نطاق واسع.  وكان هناك اعتبار آخر يتمثل في أن القرار سيُتخذ بدون "الاضطرابات والفوضى"، لأنه سيكون قرارًا واسع النطاق يتم إجراؤه في وقت واحد في أماكن مختلفة حيث يمكن لصانعي القرار التداول بشكل معقول، وليس في مكان واحد يمكن فيه تهديد صانعي القرار أو ترهيبهم.

وتصور الأباء المؤسسون بالإجماع تقريبًا المجمع الانتخابي كوكلاء أحرار، يختارهم الناخبون ليكونوا ما وصفهم ألكسندر هاملتون بـ “الرجال الأكثر قدرة على تحليل المرشحين الرئاسيين”.

وتأسس المجمع الانتخابى وحدد الدستور الأمريكي لكل ولاية من الولايات الخمسين -إضافة إلى واشنطن العاصمة- عدد من الناخبين مساوي لعدد أعضاء ممثليها في مجلس الشيوخ والنواب في الكونگرس في الولايات المتحدة. لكل ناخب من المجمع الانتخابي أحقية صوت واحد للرئيس وصوت واحد لنائب الرئيس. من أجل فوز مرشح لمنصب الرئيس ونائب الرئيس يجب أن يحصل على أغلبية (على الأقل 270) من الأصوات الانتخابية للمجمع الانتخابي لهذا المنصب.

والهدف من هذا النظام ،كما يقول الخبراء، أنها تفضل الولايات الأصغر بشكل متناسب على الولايات الأكبر. فكل ولاية مهما كان حجمها أو عدد سكانها تحصل على نفس العدد من الناخبين لعضويها فى مجلس الشيوخ. وهذا يعنى أن ولاية كاليفورنيا، الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان لا تحصل على أصوات انتخابية لكل سيناتور أكثر من ولاية ويممينج، أقل الولايات من حيث عدد السكان. وتوزيع أعضاء المجلس الانتخابي على ولايات البلاد هو ما يفسر حقيقة أنه في بعض الحالات يكون الفائز بالسباق الانتخابي هو من حصد عدد أقل من إجمالي أصوات الناخبين.

إقرأ أيضا: تقريرا اليوم.. المجمع الانتخابي يختار «بايدن» رئيسًا بصورة رسمية

في البداية، اختارت المجالس التشريعية الولائية الناخبين في العديد من الولايات، منذ أوائل القرن التاسع عشر، اتجه الولايات تدريجياً إلى الاختيار عن طريق الانتخابات الشعبية التى تُجرى في يوم الاقتراع الرئاسي. لا يحدد الدستور الأمريكي إجراءات تسمية المرشحين لعضوية المجمع الانتخابي، لكن الطريقتين الأكثر شيوعًا هما: الترشيح عبر المؤتمرات الحزبية في الولايات، أو ترشيح اللجان الحزبية في كل ولاية.

وبشكل عام، تختار الأحزاب الأعضاء المعروفين بولائهم وخدمتهم للحزب، مثل قادة الحزب، والمسؤولين المنتخبين على مستوى الولاية، أو المستوى المحلي، ونشطاء الحزب، والمانحين. لكن لا يمكنهم اختيار أعضاء المجمع الانتخابي من بين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، أو الموظفين الفيدراليين. فالرئيس الأسبق بيل كلينتون كان ناخباً ديمقراطياً عام 2016، وكذلك كان دونالد ترامب الإبن ناخباً جمهوريا.

ومنذ منتصف القرن 19، عندما يتم اختيار جميع الناخبين بشكل شعبي، يكون المجمع الانتخابي قد انتخب المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات شعبية على الصعيد الوطني، باستثناء أربع انتخابات: 1876، 1888، 2000، و2016. في 1824، عندما كانت هناك ست ولايات تم فيها تعيين الناخبين من قبل المجالس التشريعية، بدلاً من انتخابهم شعبياً، فإن التصويت الشعبي الوطني الحقيقي لم يكن مؤكداً. فشل الناخبون في اختيار مرشح فائز، فحسم الأمر من قبل مجلس النواب.

أما تغيير النظام الانتخابي الأمريكي المنصوص عليه في الدستور، يتطلب تغييره تعديلاً دستوريا. ويحتاج ذلك إلى موافقة أغلبية الثلثين داخل مجلسي الشيوخ والنواب، أو أغلبية الثلثين بين مشرعي الولايات. كما يقتضي ذلك فيما بعد تصديق ثلاثة أرباع الولايات الأمريكية.

وتبذل بعض الولايات جهوداً من أجل منح أصواتها الانتخابية إلى الفائز في التصويت الشعبي بصرف النظر عن الفائز داخل الولاية. ويعد هذا أمراً بعيد المنال، لكنه سيؤدي فعلياً إلى إبطال المجمع الانتخابي. فلا يوجد نص دستوري أو قانون فيدرالي يلزم أعضاء المجمع الانتخابي بالتصويت للحزب الذي رشحهم.

وفي 2000، كررت المحكمة العليا نفس المبدأ القائل بأنه “ليس للشعب حق دستوري فيدرالي في التصويت لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس أو لأعضاء ولاياتهم في الهيئة الانتخابية”.

لكن في يوليو الماضي، قضت المحكمة العليا بأن الدستور لا يشترط أن يتمتع أعضاء المجمع الانتخابي بحرية تامة للتصرف كما يختارون. وبالتالي، يجوز للأحزاب انتزاع تعهدات منهم للتصويت لمرشحيهم، كما يحق للولايات معاقبة أعضاء المجمع “المارقين” أو استبعادهم من التصويت. وتطلب 29 ولاية من الناخبين الرئاسيين التصويت وفق الأساس الذي اختيروا عليه (الولاء لمرشح الحزب الذي يمثلونه). بينما تملك 20 ولاية قوانين لتغيير أو معاقبة المخالفين.

قائمة العقوبات الحالية تصل إلى ألف دولار في أوكلاهوما – غرامة 500 دولار واعتبار الناخب الرئاسي مستقيلًا في نورث كارولينا – عقوبة جنائية في ساوث كارولينا – جناية من الدرجة الرابعة في نيو مكسيكو جناية من الدرحة الرابعة. وفي ميشيجان ويوتا، يعتبر عضو المجمع الانتخابي المخالف مستقيلًا ويستبدل بآخر متوافق مع التصويت الحزبي.

ويقدر إجمالي عدد أعضاء المجمع الانتخابي الذين خالفوا تعهداتهم تاريخيًا بـ 167 ناخبًا. لكنهم لم يغيروا أبدًا نتيجة الانتخابات. وفي عام 2016 خالف سبعة أعضاء في الهيئة الناخبة توجه غالبية المقترعين، إذ رفض خمسة منهم التصويت لهيلاري كلينتون الفائزة في الولايات التي يمثلونها، فيما رفض اثنان التصويت لترامب في ولايتهم.

 سيناريوهات قادمة

 بحلول 8 ديسمبر، يتعين على المسؤولين التنفيذيين في كل ولاية إرسال “شهادة” بأعضاء المجمع الانتخابي في ولايتهم إلى أمين المحفوظات الأمريكية، لكن وفقًا لسيناريوهات مختلفة، قد تندلع نزاعات في الولايات التي تنقسم فيها السلطة بين الحزبين.

وفق الدستور الفيدرالي، تملك الهيئة التشريعية تعيين قوائم منفصلة من أعضاء المجمع الانتخابي، في حالة الادعاء مثلًا التصويت الشعبي لا يعكس رغبة الناخبين الحقيقية؛ إذ تعرض لعملية تزوير مثلًا، أو أن فرز الأصوات يسير ببطء شديد بما لا يسمح للولاية بالوفاء بالمواعيد النهائية لشهر ديسمبر.

وفي حال أن استمر التنازع بشأن نتائج الانتخابات، وظلت ولايات معينة غير قادرة على تحديد المرشح الذي ستمنحه أصواتها، يحق للكونجرس أن يتدخل. ويحدد الدستور الأمريكي موعداً نهائياً لولاية الرئيس ونائبه في ظهر يوم 20 يناير.

وإذا فشل مرشح رئاسي في ضمان أغلبية أصوات الولايات في مجلس النواب بحلول 20 يناير (اليوم الذي يؤدي فيه الرئيس ونائب الرئيس اليمين)، يعمل نائب الرئيس المنتخب رئيسًا بالإنابة حتى يحسم المجلس قراره. إذا فشل مجلس الشيوخ بدوره في انتخاب نائب الرئيس، فإن رئيس مجلس النواب الحالي يعمل كرئيس بالنيابة حتى يتمكن الكونجرس من اتخاذ قرار.

واختار مجلس النواب الرئيس مرتين، في انتخابات 1800 و1824، بينما اختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس مرة واحدة فقط، خلال انتخاب عام 1836.