عاجل

خالد محمود يكتب «غزة مون امور».. البحث عن الحب فى مدينة تتألم 

غزة مون امور
غزة مون امور


يحمل فيلم "غزة مون امور" للأخوين طرزان وعرب ناصر، رسالة كبرى وهى استمرارية الحياة وسط عبثية العيش، والرغبة فى الحب بغض النظر عن العمر فى مقابل دنيا حاصرها اليأس طويلا.

الفيلم الفلسطينى الفرنسي الألماني المشترك والذى ينافس في مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي يلتقط أحداثه بنعومة وواقعية سحرية فى الصورة والأداء ،وبنظرة مبهجة رغم أن الظلام يحيط بها، فنحن  في منطقة مزقتها النزاعات بمدينة غزة المعاصرة ، حيث تدور الأحداث حول عالم عيسي  " سليم ضو " ، صياد تجاوز من العمر ال 60 عامًا، يقع في حب سهام "هيام عباس" وهي ارملة وشخصية صارمة  تعمل خياطة في السوق وتعيش  مع ابنتها ليلى المطلقة حديثا  "ميساء عبدالهادى"،  ويخفى حبه عنها طويلا ،وفي إحدى رحلات الصيد يعلق في شبكته تمثالٌ برونزي أثري لأبولو، يعقد امالا كبيرة  ليغير مسار حياته، وحين يحاول اخفاء التمثال عن رجال حماس، يكتشف أمره واستجوابه وسجنه بزعم أن التمثال هو فى النهاية  ملك للسلطات الفلسطينية، ولا يأبه عيسى بأى شئ سوى التفكير فى إعلان حبه لسهام بينما هى تعمل طوال اليوم في السوق وتقضي لياليها بشكل متكرر في مشاهدة فيلم قديم يذكرها بزوجها المتوفى، وفى تلك اللحظة يقرر عيسي  الاقتراب من سهام ويفكر فى أن  يتقدم لها طالبا الزواج فى مشاهد لاهثة بروعتها، فيما يواجه ذلك بعدم ارتياح من شقيقته  منال التى تقوم بإحضار مجموعة من النساء فى منتصف العمر ليراهم عيسى فى مشهد عبثى، لكنه لا ينظر اليهن جميعا ويهرب .


يأتى ذلك على خلفية مشهد المناخ السياسي بغزة التى تعانى كثيرا وتعيش حالة من النضالات اليومية، وتحديات  تشكل أساس الحياة بها، وإن كان الفيلم يضفي الطابع الإنساني على تجارب مواطنيها، حيث يفتح مشاهده على أصوات إطلاق النار في التلفزيون، القصف المنتظم من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي يخيم على الأجواء، مع استمرار المجتمع في أنشطته المعتادة. في جميع أنحاء غزة، نشهد أيضًا انقطاعًا يوميًا في التيار الكهربائي، وتوقفًا متكررًا عند نقاط التفتيش التابعة للشرطة، ونشهد استمرار تشغيل نشرات الأخبار حول تحرير قطاع غزة.

يفضل الأخوين ناصر الغوص بقصصهما الإنسانية على خلفية القضايا المجتمعية شبه المعقدة، وعلى طريقة كوميديا العبث منذ فيلمهما الروائي الطويل الاول  عام 2015 Dégradé .

وهما هنا يواصلان الرحلة على أرض شبه مدمرة وكذلك بشرها الذين مازالوا يتمسكون بالحلم، الفيلم رحلة تأمل لبطلنا العجوز يكسر من خلالها حواجز كثيرة فى السينما بقلبه النابض وهو يسير نحو استكشاف الحب 

فعلى الرغم من هذه الخلفية المحبطة ، يستخدم الأخوين ناصر الكوميديا ​​العبثية لإضفاء نغمة مختلفة كى لا تصبح الصورة قاتمة للغاية. في خضم القصف والحرمان الاقتصادي ، فلا يزال عيسى يمارس مرارًا وتكرارًا سعيه بحب المرآة التى يريدها ويذكرنا أنه على الرغم من التحديات  ، فإن سكان غزة أناس مثل أي شخص آخر.


الجميل ايضا فى فيلم غزة مون امور ، أنه يركز على نموذج  بطل كبير السن فى جو رومانسي ايجابى  ، والذى غالبا ما تتجاهله السينما العالمية ، التى تركز اكثر على النساء،من النادر للأفلام التي تناقش الحب والجنس والرغبة أن تُروى من منظور ذكوري أكبر سنًا.
وهو ما ترك تأثيره على عدة مشاهد فى فيلما فمثلا يسخر رجال شرطة حماس من عيسى بشأن الكولونيا الخاصة به ، ويتفاجأ محقق الشرطة من أن عيسى لا يزال يعاني من تخيلات جنسية في سنه - ملمحًا إلى تجاهل السينما التام للرغبات الجنسية لكبار السن. لكن النتيجة الرومانسية المذهلة للتصوير  السينمائي لكريستوف جرايلو  يخلق أيضًا إحساسًا بالواقعية السحرية العاطفية ، حيث يغمر مشاهد أكثر حسية وخيالية في غزة بألوان وردية وحمراء جريئة
قدم سليم ضو اداء واقعيا ساحرا ، فيما جسدت هيام عباس دور الام بنعومة وسلاسة وهى مجهضة بأحلامها .
تكمن قيمة  للفيلم بالبحث عن الحب فى مكان مظلم ، يوضح بمهارة كيف يجب أن يستمر الضحك والرومانسية حتى عندما يستمر  عبث الحياة في إعاقة الطريق.قد تكون نغمة الفيلم مريرة في بعض الأحيان ، لكنها قبل كل شيء رقيقة وحزينة ، تمامًا مثل عيسى وسهام.

ينتمى الفيلم المجرى "الاستعدادات  لنكون معا لأجل غير مسمى "لسينما تلعب على أوتار الزمن ، وكيف نلحق بمن نحب ، بل ونطارده حتى يستكين القلب من الآلام والأيام التى تمر من عمرنا دون غمرة نشوة ترضينا وذلك فى إطار سيناريو ثرى وحوار  تبوح خلاله دقات القلب بأهات وأحلام ورغبة فى حب بات صعبا ، لكنه ليس مستحيلا .

 فى الفيلم الميلودرامى نرى " مارتا فيزى"  جراحة الأعصاب الماهرة ،48 عاما  تقرر ان تحدث متغيرا فى مسار أيامها  ، تترك عملها فجأة في أمريكا ، وحياتها الناجحة ،لمدة عشرين عاما ، وتعود  إلى موطنها بودابست بالمجر  لبدء حياة جديدة ، وسعيا وراء الرجل الذى تحلم به وتحبه وهو دكتور جانوس " فيكتور بودو "لكنها تفاجأ بأنه لا يذكرها على الإطلاق، فتبقى أمام خيارين، إما أن تواصل حبه في صمت أو تعود لاستكمال عملها وتنساه.

وهنا يقفز بين المشاهد التى برعت فيها بطلتنا التساؤل  : إلى أي مدى يمكن ان تذهب سعيا وراء الحب الحقيقي رغم بعده ؟

الاثنين مارتا (ناتاسا ستورك) ويانوس (فيكتور بودو)  ارتبطا بعلاقة عاطفية قصيرة في مؤتمر طبي بنيو جيرسي هكذا تنبئنا الأحداث ، لكن عندما وجدته وواجهته في بودابست ، ادعى الرجل الحائر أنهما لم يلتقيا أبدًا، وتتحلى مارتا بشجاعةفى التماسك  والعمل في المستشفى المحلي ، واستئجار شقة رثة  وتتبع تحركات حبيبها عبر الإنترنت وفي العالم الحقيقي. لكن بعد ذلك بدأت تشك في تصورها للواقع. هل يدور في خداع متقن أم أن هوسها أوقعها في عالم من الأوهام؟

الفيلم الذى عرض لاول مرة فى مهرجان فينيسا ، وينافس بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته ال42 يقدم نموزج حالم ورائع وشجاع فى الاداء لبطلته ناتاسا ستورك ، وهى تستكشف باسلوب بسيط ومباشر قصة حبها  غير العادية وسباقها وراء رجل  ودور الاسقاطات فى الحب  والخط الرفيع بين الرومانسية والجنون 

فى الفيلم تقدم المخرجة والكاتبة  ليلى هورفات مزيج القوة والهشاشة فى الحياة وعلى الشاشة وهو يوحى بسر يكتشفه المشاهد خلال المتابعة ، فمارتا بدت فى حالة تفاعلات عصبية عاقدة العزم على حل اللغز ، تتحمل الإهانات الحقيقية والمتصورة أثناء التنقل في المنطقة  التي تفصل الحب عن الجنون ، هي قوية لكنها ضعيفة وترسخ نفسها في مشاعرها عند مواجهتها مع عدم اليقين، حيث تدور فى شبكة دقيقة من التناقضات والانفجارات الصامتة التي تغير فهم المشاهد.

في لعبة القط والفأر المشحونة جنسيًا تبدو وكأنها طريقة أخرى من تأجيل الرومانسية وتركها على أساس الشوق الأفلاطوني، فالاثنان يلتقيا ويقيمان علاقة ثم يهرب الرجل ، وعندما يعود اليها بعد فترة لم يجدها ، وكأن الفرصة قد تاهت هى الاخرى 
لكنها تضيع كثيرًا عندما يتعين عليها معرفة أفكارها وأفعالها ومشاعرها ومحيطها. فيما كان جون حريصًا أن يكون صادقًا لدرجة أنه أقنع نفسه بذلك في النهاية، حيث  يستمر الفيلم في اللعب بهذه الاحتمالية: لا نعرف ما إذا كانت التفاعلات مع جون تحدث في الواقع أم في رأس مارثا .
الصورة تعكس أنه  لا توجد حدود بين الأحلام والواقع فهما متقلبان ومحبطان ومحبطون يبحثون  عن أحدهما في الآخر ، ونجد مارتا فى زروة الحب الذى لم يتحقق فإنها تفضل الاعتقاد بأنها مصابة بمرض دماغي بدلاً من مواجهة الرفض .فالمنطق يملي على مارثا أن تجمع قطع قلبها المكسور وتعود إلى حياتها القديمة 
يركز الفيلم الذى يعد قطعة مثيرة من السينما أيضًا على تصور المرأة للرومانسية ، ليس لديها أي تحفظ للتخلي عن كل شيء من أجل شخص غريب ساحر، وهو يعتمد على الصورة اكثر غالبًا ما يكون الحوار مقتضبًا ، ويتم توظيفه عندما تكون هناك حاجة لتحرير التوتر الذى يلقى بظلاله على المشاهدين في بعض الأحيان .،

 كان من الممكن بسهولة أن يفشل تعاطف الجمهور مع الممثلة التي لعبت دور مارثا ، لكن ستورك ناتاسا ، التي لعبت دور البطولة في فيلمها الأول ، كانت مثيرة للإعجاب كطبيبة جراحة أعصاب واثقة من الناحية المهنية وغير آمنة في حياتها الخاصة: فهي تستحق الانضمام إلى صفوف بطلات الأفلام الأكثر شهرة.