«الأزمة الليبية» على مفترق الطرق والخلاف «سيد الموقف»

■جانب من اجتماع الفرقاء الليبيين فى «غدامس»
■جانب من اجتماع الفرقاء الليبيين فى «غدامس»

 مروى حسن حسين

فى الوقت الذى ينتظر فيه الليبيون تقدما حاسماً فى ملفات تفاوضية عدة تشهد الأزمة الليبية توتراً ملحوظاً سياسياً وعسكرياً.

 

شهد المسار السياسى الليبى تعثراً جديداً إثر إخفاق أعضاء مجلس النواب المجتمعون بـ«غدامس» فى توحيد البرلمان وإنهاء الانقسام التشريعى فى البلاد، بهدف انتخاب رئاسة جديدة، تطبيقا لما جاء فى محادثات طنجة المغربية، التى سعت إلى توحيد المجلس بعد سنوات من الانقسام، ليكون الاتفاق خلال الاجتماع الأول من نوعه بين 127 نائبا على تأجيل الجلسة إلى 21 و22 ديسمبر الجاري، حتى يتسنى لعدد أكبر من النواب الحضور.


كما صاحب الجلسة التشاورية، إشكالية قانونية طرحها عدد من أعضاء مجلس النواب، بدعوى أنها «غير شرعية» خارج بنغازى أو طبرق، المقر المؤقت للبرلمان، وتمت دون دعوة رسمية من قبل رئيس المجلس. ونتيجة لذلك أطلقت أطراف مجهولة العنان لتهديداتها لما وصل الأمر لطرح أسماء معينة لرئاسة الجسم التشريعي.وقد يلجأ المجتمعون لاحقا إلى هامش المناورة لحل تلك الإشكالية، بأن تكون الجلسة الأولى مخصصة لتغيير اللائحة الداخلية، ما يتيح صلاحيات لنائب الرئيس عقد جلسة رسمية يترأسها، وبعدها تنطلق الجلسات الأخرى.


وما لم تتوافر الأرضية الخصبة لتجاوز معضلة توحيد البرلمان سيكون مصير تشكيلة السلطة التنفيذية الجديدة فى حال إعلانها معلقا إلى أجل غير مسمى، لأنها ستحتاج إلى مصادقة مجلس النواب، لذلك اتفق أعضاء ملتقى الحوار السياسى على عقد الجلسة المباشرة لاختيار شاغلى المجلس الرئاسى ورئاسة الوزراء، على تأجيلها إلى حين تمكن النواب من عقد جلسة غدامس.

 

من جانب آخر، واصلت الأطراف العسكرية المحلية تحركاتها وخطابها التصعيدى وشكّلت قضية السفينة التركية المحتجزة لدى الجيش أزمة جديدة بين الطرفين زادت العلاقة المتوترة بينهما تعقيداً. فعلى الرغم من إفراج الجيش الوطنى الليبى عن السفينة التركية، إلا أن قيادة الجيش تعهدت مجددًا عدم التراجع عن حماية السيادة الليبية ومياهها الإقليمية، ودحر الوجود التركى وإجلائه عن التراب الليبى.

 

ويتوقع المحللون أن الصدام العسكرى سيدخل مرحلة جديدة حيث لن تتنازل تركيا عن مشروعها الهادف إلى السيطرة على منابع النفط الليبية وهو أمر لا يتحقق لها إلا بعمل عسكرى ضد الجيش الذى يسيطر على أهم موانئ النفط شرق سرت ولذلك هى تعمل على استفزاز الجيش للدخول فى معركة معه وعرقلة مشروع الوفاق الليبى عبر المفاوضات الجارية منذ مدة لتعارضها مع مصالح تركيا وأهدافها
كما ان تصاعد حدة الخلافات بين مسؤولى حكومة الوفاق بعدما أمر وزير داخليتها فتحى باشاغا بإدراج محافظ البنك المركزى الليبى، على قائمة الممنوعين من السفر، ردًا على رفض الأخير تمرير ميزانية وزارة الداخلية فى طرابلس، هى احتدام للصراع بين تيارى تركيا، الموالى لأنقرة التى تسعى لإعادة إنتاج الاحتلال التركى فى ليبيا، وتيار ستيفانى وليامز، المبعوثة الأممية فى ليبيا التى تسعى للدفع بالفرقاء الليبيين نحو حل سياسى وتفاهمات سياسية حول إدارة البلاد. انهيار التحالف بين الرجلين ـ الكبير وباشاغا ـ فى العاصمة الليبية طرابلس، بعد تحالفهما لشهور ضد رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وتياره لأشهر طويلة، بدأت عندما رفض رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، تحويل عوائد النفط إلى المصرف المركزى الليبى، والتزم بتجميدها فى حساب بالمصرف الليبى الخارجى، وفقًا للاتفاق بين الشرق والغرب الليبى لإعادة ضخ النفط فى سبتمبر الماضى.

 


ويشير الوضع فى طرابلس إلى أن قادة الوفاق منقسمين إلى تيار مؤيد لتحركات البعثة الأممية بقيادة ستيفانى وليامز، سعيًا لإنهاء الأزمة الليبية وإنهاء الوجود الأجنبى والميليشيات الإرهابية، وتيار آخر يمثل تركيا الرافضة للتحركات الأممية التى تهدد الوجود التركى فى ليبيا.

 


وفى الأثناء سجل الوضع على الأرض اتهامات متبادلة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار من جانبى قوات القيادة العامة، وقوات حكومة الوفاق الوطني، حذر على أثرها وزير دفاع «الوفاق»، صلاح الدين النمروش، الأمم المتحدة والدول الداعمة للسلام والحوار فى ليبيا بالانسحاب من اتفاق «5+5»، متهما خصومه باقتحام مدينة أوباري، وهى الحادثة التى أعلن خلالها الجيش الوطنى سيطرته على «معسكر المغاوير»، فى أوبارى جنوبى البلاد، بعد أن رصد وجود عناصر إرهابية داخله، لتعرب من جهتها القيادة العامة فى بيان عن قلقها إزاء الحشود المتزايدة لقوات الوفاق فى طرابلس ومصراتة، وكذلك «عمليات نقل ميليشيات وأسلحة ومعدات عسكرية باتجاه خطوط التماس غرب سرت والجفرة».

 

وتشير عودة التوتر إلى خطوط التماس إلى أن اتفاق الهدنة لا يزال هشا وبحاجة إلى تحصين بقرار من مجلس الأمن الدولي، الذى لم يقدم على الخطوة بعد، رغم مناشدات لجنة العسرة العسكرية، إذ اللجان الفرعية أخفقت لحد الآن فى تنفيذ البنود المتعلقة بإخلاء مناطق التماس من السلاح وإبعاد الطرفين إلى أطراف آمنة.. وسط هذا التداخل بين تطورات الوضع فى الداخل الليبي، والحراك السياسى ذى العلاقة فى الخارج، يبقى المشهد فى ليبيا ضبابيا، أمام عدم تحقيق اختراق نوعى فى مسارات حل الأزمة، وغياب مواقف جدية واضحة من قبل الأطراف الخارجية المؤثرة فى دعم مسارات الحل.