د. فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية:

١٠٠ كتاب لمبادرة «تراثنا».. وخطة لتدريب الشباب على الفهرسة والترميم

 د. فيصل الحفيان خلال حواره مع «الأخبار»
د. فيصل الحفيان خلال حواره مع «الأخبار»

 

«الألكسو» سد منيع أمام محاولات نهب الذاكرة العربية

الصهاينة سرقوا مخطوطات القدس و«الوثائق المتروكة» لا يطلع عليها أحد

رقمنة ٢٠٠ ألف مخطوط حتى الآن و«الكتاب المسموع» أحد منح «كورونا»!

جاء فى التقرير الذى قدَّمه عبد الرزاق السنهورى باشا إلى مجلس جامعة الدول العربية: «تعتمد الثقافة العربية على عنصرين أساسيين، هما: التراث والثقافة العربية الحديثة، ومن المزج بين العنصرين ستخرجُ ثقافة عربية متينة، غير أنه من دواعى الأسف أن يكون الوصول إلى الثقافة العربية القديمة أمرًا شاقًّا، وما طُبع من الإنتاج الفكرى العربى هو أقله، وذلك القليل لم يُطبع طبعًا صحيحًا»؛ ومن ثم استجابت جامعة الدول العربية، وسارعت، فى العام التالى لنشأتها، إلى إصدار قرارٍ بإنشاء معهد إحياء المخطوطات، الذى تغيَّر اسمه لاحقًا إلى معهد المخطوطات العربية، وكان ذلك فى 4 أبريل عام 1946م؛ حيث توالى على إدارته كبارُ علماء المخطوطات العرب، وعمل فيه خبراء من عدد كبير من البلدان العربية؛ وتزدحم ذاكرة المعهد بأسماء شامخة لهؤلاء، مثل: الباحث محمد رشاد عبد المطلب، وفؤاد سيد، وحسين نصار، ومحمد بن طاويطه الطنجى المغربي، وخالد عبد الكريم جمعة، وعبد الله يوسف الغنيم من الكويت، وعصام محمد الشنطى من فلسطين.. وفى هذا الحوار مع د. فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية، نكشف النقاب عن الكثير من الأخطار التى تواجه الذاكرة التراثية العربية الممثلة فى مخطوطاتها النادرة:

رغم الأسبقية التاريخية لمعهد المخطوطات على الألكسو حيث أُلحق بها فى السبعينيات.. ألا ترى أن استخدام كلمة ذات حروف لاتينية للتعبير عن الثقافة العربية أمر غريب؟
- هذا ما نسميه بالنحت فى اللغة العربية، مثل الحوقلة، وقد أُخذت الكلمة نحتا من اللاتينى اختصارا، ومبدأ النحت معمول به ومعروف فى كتب فقه اللغة العربية عند ابن جنى وغيره، ونحن لا ننسى سطوة الغالب، وهى ليست سطوة عسكرية فقط، وإنما هى سطوة ثقافية، فنحن الآن فى دائرة السطوة، والمغلوب مولع بتقليد الغالب، كما يقول ابن خلدون، وقد جاءت الكلمة على غرار اليونسكو والإيسسيسكو، وكلها أعراض لا خير فيها، لأنها رموز وعلامات لمنظمة الألكسو، التى تُعد سدا منيعا أمام محاولات نهب الذاكرة العربية.
واجهة إعلانية!
 كيف أفادت الألكسو من برنامج النوايا الحسنة الذى تم إنشاؤه فى 2016م فى دعم الشراكة الثقافية بين الدول العربية؟

- النوايا الحسنة فى منظماتنا تأخذ طابعا قشريا، إذ ليست لها فعاليات على الأرض، وهى فكرة غربية بالأساس تُمثل تظاهرة للفت الانتباه، ولكنها لا تفعل شيئا على الأرض ينفع الناس، لأنه يكون واجهة إعلانية فقط دونما عمق كبير.
 هل أثر انتشار فيروس كورونا على المؤتمرات التى كان ينظمها المعهد بالشراكة مع البلدان الأوربية؟
- فى كل محنة منحة، ونحن فى المعهد استغللنا هذه الجائحة فى تحويل العمل فى أنشطتنا إلى الأونلاين، توفيرا للنفقات وتكثيفا للنشاط العلمي، من ندوات ودورات ومؤتمرات، تم تحويلها إلى البرامج التقنية (الزووم وغيرها)، لأن هذه «الكورونا» ألغت المكان وألغت الزمان، وهذا شجعنا لترتيب محاضرة خميسية، وحتى الآن قمنا بتنظيم 26 محاضرة على التوالي، باستثناء خميس واحد، وهو ما أتاح لنا استضافة عدد كبير من العلماء العرب الكبار فى معظم التخصصات، وهى محاضرات منوعة تخدم القضايا الكبرى للتراث، وليس القضايا الجزئية؛ ورغم الضعف العام فى الإقبال على الدراسة فإنه تم تسجيل 98 طالبا للدراسة هذا العام، وهذا لم يحدث من قبل، فقط لأننا تواءمنا مع الظرف الجديد.
محاضرات أونلاين
 وما أهم القضايا التى تهدفون إلى تحقيقهامن تلك المحاضرات الأونلاين؟

- نحن هادفون من خلالها إلى إثارة القضايا ذات الأبعاد فيما يتصل بالتراث، وأحيانا تكون ملائمة ومناسبة للحدث، مثلا هناك مسألة الرسوم المسيئة التى تجددت، نظمنا محاضرة بعنوان: (تراث رسوم الحب ومدونة الدفاع)، وهذا موافق للحدث، ونحرص أن تكون شديدة الارتباط بالتراث، لأننا لا نريد الخروج عن الثغر الذى نقوم عليه، ثغر التراث والمخطوطات، مع عرض عدد من الكتب ذات الصلة، وستكون المحاضرة المقبلة عن تجديد التراث النحوي: رؤية وآفاق، وقد قالوا قديما: إن التراث النحوى نضج حتى احترق، ونحن نتساءل: هل احترق أم لم يحترق، هل ما زال هناك شيء يُمكن أن نُفيد منه فيما يتصل بتجديد الفكر النحوي؟ وأنا دائما ضد فكرة الدوران فى فلك النص، على الرغم من أننى أعمل فى النصوص، لأن الدوران فى فلكها لا بد أن يصل إلى مرحلة ما، أو مستوى ما، لاستثمار النص وتوظيفه فى بناء رؤى جديدة وفكر جديد ونظريات جديدة؛ والغربيون فى عصر النهضة رجعوا إلى التراث اللاتينى والإغريقى للاستفادة منه، والذين اشتغلوا فى الفلولوجيا، أى التاريخ اللغوى عندهم، هم الذين أسسوا النظريات الحديثة التى نقتات نحن عليها، فنحن محتاجون إلى بناء نظريات جديدة يكون فيها طابعنا الخاص،وفكرنا، وخصوصيتنا، ووجهنا الحضاري، ورؤيتنا، ولهذا نحن محتاجون إلى الرجوع إلى هذا التراث، وسنكون مستنسخين وتابعين للنظريات الغربية ولا نضيف إليها.
الكتاب المسموع
 إذن، هل أوحت إليكم «كورونا» بمشروعات جديدة فى إطار هذا التوجه الرقمي؟

- «كورونا» ليست سيئة كما يظن الكثيرون، أو على الأقل عندنا، لأنها جعلتنا نعمل اكثر؛ ولدينا الآن مشروع (الكتاب المسموع)، وسيكون شعاره الجديد تحت كلمة (مُسمِع)، لأن هذا مصطلح قديم؛ والميزة الحقيقية أن هذه التجربة تتم بعد تحقيق الكتاب ومراجعته وتصويبه؛ وقد بدأنا بالكتب الصغيرة لنُحدث نوعا من التراكم والحضور، بالإضافة إلى قلة الإمكانيات المادية والاستعانة بقارئ متخصص؛ بالإضافة إلى مشروعنا الكبير لتحويل الميكروفيلم إلى الرقمنة، ولدينا رصيد حديث مرقمن بالفعل يصل إلى مئتى ألف مخطوط، أما القديم فإنه بالغ الأهمية ويصل إلى أربعين ألف مخطوط تم تصويره القرن الماضي؛ وهذا الرصيد بعضه أوشك على التلف نتيجة الهزات العنيفة التى تعرض لها المعهد بانتقاله من القاهرة إلى تونس، ثم إلى الكويت، ثم إلى القاهرة مرة أخرى، وكل هذا أدى إلى ارتباك العمل وفساد الكثير من المخطوطات.
معادلة صعبة
ألا ترى أن هذا الاهتمام الزائد بالتراث يعمى أبصارنا ويصم آذاننا عن الحاضر الذى يحتاج إلى كثير من الجهد والحركة؟

- دائما ما أردد مقولة يعرفها طلابي: أننا نريد التراث، لا لنسكن فيه، وإنما ليسكن هو فينا؛وسُكناه فينا شيء مطلوب، لأن هذا معناه أن ما نفرزه سيكون مصبوغا بهذا التراث فى داخلنا؛ أما إذا سكنا نحن فيه فهذا معناه انقطاعنا عن الحاضر؛ وهى معادلة صعبة لا بد من حلها، وهذا ما فعله الغربيون، حيث إذا أردت أن تفعل شيئا جديدا لا بد أن ترتكز على الذاكرة وإلا أنك ستبدأ من الصفر، وهذا شأن الحضارات ذات الرصيد الكبير، وهذا ما يُفرق بين الحضارة القديمة ذات المستند والحضارة الحديثة التى لا مستند لها، والحضارة التى تنضج عبر التاريخ يكون لديها رصيد من القيم، بخلاف الحضارات المُولدة التى يغلب عليها انعدام القيم؛ وحضارتنا العربية حضارة علم ذو قيم.
 ولكن المثقف العادى قد يصف معهد المخطوطات بأنه مثل باقى المعاهد البحثية المتخصصة يعيش بمعزل عن آمال الجمهور العربي.. ما ردك؟
- هذا لا يُرد عليه بالكلام، وإنما عمليا بما قمنا به طوال الفترات السابقة، إذ الحقيقة أننا نتعامل مع التراث بمجهر الحاضر، بمعنى أننا نذهب إلى القضايا التى يفرضها العصر، مثلا: قضية التلوث والبيئة، ستجد أن المعهد مهتم بكتب العلم العربية فى هذا الأمر، وصحيح أن العلم الحالى قد يكون قد تجاوز تلك الكتب التى صدرت فى القرن الرابع أو الخامس الهجري، ولكن ذلك لا ينفى أن هناك ذاكرة علمية للعلم الحديث حيث يظل هناك شيء نستطيع الإفادة منه، فنشرنا كتابا لم يكن معروفًا وقتها: (مادة البقاء فى إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء)؛ ولدينا مشكلة استخراج المياه، نشرنا كتاب: (إنباط المياه الخفية)، تحدثنا فيه عن العقل الهندسى العربى وكيف كان يستخرج المياه، وهذا منذ التسعينيات؛ واهتممنا بكتب النبات والأعشاب.
ذاكرة تراثية
 إذن، ما الحاجة المُلحة التى تدعونا لبذل جهد كبير لاجترار تراث تجاوزه الواقع بقرون؟

- بالطبع ليس لمجرد اجتراره، وإنما نحن نتفاعل مع العصر الحاضر ونأتى بما يخدمه من قضايا التراث، لأنه ليس مجرد شيء نستدعيه وإنما ليُفعل ويُصبح حركة وذاكرة للعصر الحديث، وهذا هو المنهج التجريبي، كما أن العين العربية التى تقرأ الكتاب العربى ليست نفسها العين الغربية؛ونحن فى أشد الحاجة إلى هذا التراث لتحقيق أمرين: لقراءته من جديد للاستفادة منه، ولتدعيم أواصر الهوية العربية، وهى مسألة سيكولوجية ونفسية، وهذه مسألة جوهرية لعلاج إحساسنا بالنقص الحضاري، الذى لا خلاص منه إلا بإذكاء فكرة أنك كنتَ موجودًا وتستطيع أن تكون موجودًا مرة أخرى.
إنقاذ المخطوطات
فى ظل السيطرة الصهيونية الغاشمة على الأرض العربية بالقدس.. ما مدى إسهام المعهد فى إنقاذ المخطوطات التراثية هناك؟

- لنكن صادقين مع أنفسنا ولنقل بوضوح وصراحة إن المعهد ومن ورائه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هو بيت خبرة، بمعنى أنه لا يملك سلطة تنفيذية، لأن عمله علمى خالص، على أن هذا العمل العلمى يصب فى مصلحة الموضوع، ومن ذلك فيما يتصل بمخطوطات القدس أنقذ المعهد مبكرًا مجموعة كبيرة من المخطوطات من خلال بعثات التصوير التى أوفدها فى مطالع النصف الثانى من القرن الماضي، وبعض أصول تلك التصاوير لم تعد موجودة هناك، وبعضها انتقل إلى مكتبة الجامعة العبرية؛ وعقدنا ندوة حول مخطوطات فلسطين ومؤتمرا حول «تراث القدس: ذاكرة المكان والإنسان»، وهى الآن كتابات بين أيدى الناس، إضافة إلى التركيز التثقيفى والتوجيهي، فقد كان عنوان «يوم المخطوط العربي» فى عام 2018 هو: القدس عندما يكون التراث أسيرًا، وقد احتشدنا للموضوع احتشادًا، واستنفرنا الجهود فى مختلف البلاد العربية والإسلامية والأجنبية.
هل هناك أعداد تقريبية للمخطوطات الفلسطينية الأسيرة فى مخازن الاحتلال؟
- فى القدس أنت تتعامل مع احتلال من الناحية القانونية لأنه يحتل الأرض ولن يسمح لك بإخراج المخطوطات، وكان المعروف منذ النكبة أن فلسطين تضم ما يقرب من أربعين إلى خمسين ألف مخطوط، قام المعهد بتصوير أجزاء كبيرة منها، ولكن هناك أجزاء أخرى اندثرت فى الحروب أو آلت إلى المكتبات الإسرائيلية التى سطت عليها مع الوثائق العربية الأخرى المتصلة بالملكية المباشرة للأراضى والمساكن؛ حتى إن هناك فى الأرشيف العبرى ما يُسمى بـ (الوثائق المتروكة) التى لا يطلع عليها أحد؛ كما أقام المعهد مؤتمرين لفلسطين، الأول تحت عنوان (التراث العربى المخطوط فى فلسطين) ومؤتمرا آخر خاصا بتراث القدس، ونحن نركز عموما على المناطق الحرجة وعلى رأسها فلسطين.
وما الدافع الكبيرعند الاحتلال الصهيونى لنهب المخطوطات التراثية العربية بكل هذا الاهتمام؟
- التراث سلاح ذو حدين، والاحتلال الصهيونى يهتم كثيرًا بفضائل البلدان، خاصة مدينة القدس وبعض هذه الكتب تم حشو الكثير من الإسرائيليات بها؛ كما يحاولون جاهدين البحث عن إثبات لحقوقهم المسلوبة كما يدَّعون؛ ولذلك هم ينتظرون إشارة واحدة فى هذه المخطوطات ليستخدموها سياسيا، وعلماؤنا من المفسرين يستطيعون التفريق بين مجرد الحكاية وما هو خبر مُسند؛ ونحن الآن فى طور الرد على سؤال طرحناه فى «الألكسو» عن: ماذا سنفعل للقدس خلال الأعوام المقبلة؛ كل هذا إضافة إلى ما تم فى القرن الماضى من تهجير للمخطوطات على أيدى بعض الدبلوماسيين العرب، والتجار.
ما الخطوات الجديدة التي أقدم عليها المعهد لاستنفاذ المخطوطات العربية من «أتون» الحروب الدائرة هناك؟
- العمل الميدانى متعثر تمامًا، كما أن هناك فارقا بين المخطوط والأثر، فالمخطوط أكثر هشاشة من الأثر الذى قد يُرمم أو يتم تدمير جزء ويبقى جزء، بخلاف المخطوط الذى إذا غرق أو أُحرق انتهى الأمر، لأنه ورق فى النهاية.. وهناك بعض المناطق تعرضت فيها المخطوطات لأخطار كبيرة وبالتحديد فى مدينة حلب، حيث توجد المكتبة الوقفية التى تم تدميرها وكانت تحوى مجموعة كبيرة من المخطوطات والمطبوعات القديمة من مكتبات كبار العلماء، وأعتقد أنه تم نقل معظم أصولها إلى دمشق قبل الهجمات، ولكن الأخطر ضياع وتلف مكتبات الكنائس لأن الدولة لم تضع لها إحصاء بعكس المكتبات الوقفية بالمساجد والمدارس.
 وماذا عن حال المخطوطات العراقية الآن؟
- حالها الآن أفضل من ذى قبل، وإن كانت المكتبة الوقفية بالموصل قد تعرضت للضرر، فالمخطوط الذى لم يتلف بالحرب تضرر كثيرًا من طريقة الحفظ، صحيح أن العراقيين نقلوا بعضها إلى سراديب، سواء مكتبة المتحف العراقى فى بغداد أو مكتبة الأوقاف المركزية فى الموصل أو غيرهما، ولكن هذا لا يعنى أنها سلمت نهائيا من التلف أو التهجير،وليس من حقنا المطالبة بها، لأنها تعد ملكيات وطنية وإنما نقوم بتصويرها من البلاد المهددة فقط.
قانون منفرد
يكاد يُجمع العاملون بالمعهد على حاجته إلى تعديلات فى قانون المخطوطات العربية ليكون أكثر اتساقا مع الواقع.. ما رأيك؟

- فى أواخر الثمانينيات صنعنا قانونًا سميناه: (القانون النموذجى لحماية المخطوطات)، وقد حصل على موافقة وزراء الثقافة العرب لضبط حركة المخطوطات، ونحن نؤكد دومًا أن المخطوط العربى يحتاج إلى قانون منفرد وليس فى داخل قانون الآثار لأن حركة الآثار مختلفة عن حركة المخطوط الأكثر تفلتًا، فالقدرة على تسريب المخطوط أسهل من الأثر، ولكننا لا نستطيع إلزام الدول، لأن كل نشاطات الألكسو إرشادية.
هل هناك تعاون أم منافسة مع الهيئات العلمية الأخرى المهتمة بالمخطوطات، مثل المكتبات الوطنية بالدول العربية؟
- بالطبع هناك الآن منافسون كثيرون، بل إن المعهد لم يعد يجارى المعاهد الوطنية بإمكانياتها المادية، حتى إن بعض المراكز لديها صور للمخطوطات أكثر حتى من معهد المخطوطات، لذلك شعرنا بضرورة التحول فى مهمة المعهد، ليكون ضابط إيقاع العمل التراثى العربى على مستويات متعددة، أولًا: التنسيق بين المراكز الكثيرة، وضبط حركة النشر من خلال الدورية المهمة التى يصدرها المعهد باسم: المخطوطات الإخبارية، من خلال تشكيل هيئة كان اسمها: (الهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي) ولم تعد تجتمع لنقص الأموال، وكانت تجمع أهم المكتبات ومراكز المخطوطات الموجودة فى البلاد العربية وأثارت الكثير من القضايا مبكرًا: الفهرسة، وشبكة عربية لموضوعات التراث؛ إضافة إلى أن التراث كان يحوز اهتمام النخبة المثقفة فى الحجرات المغلقة فقط فأصبح قضية هوية، فى مقابل العولمة التى توظف الصورة لخدمتها.
كانت دبلومة المخطوطات أقصى ما يحصل عليه الدارس فى المعهد.. ألم يأن الأوان بعد للارتقاء الأكاديمي؟
- مؤخرا انتزعت الاعتراف بدرجة الماجستير انتزاعا، وقد كانت بداية المعهد مجرد مكان لجمع المخطوطات، وهذه الرؤية تغيرت تماما، لأننا نرى الآن أن جزءا منه للعمل بحثى وجزءا منه لتدريب الأجيال الجديدة للتعامل مع النصوص التراثية، ولهذا كنتُ وراء إنشاء قسم البحوث والدراسات فى معهد البحوث والدراسات العربية الذى هو توءم معهد المخطوطات، وكلا المعهدين يتبع الألكسو، وهذا المعهد أصبح يمنح الماجستير والدكتوراه، والمظلة التى تحميه هى مظلة معهد البحوث، وطلاب كثيرون عادلوا رسائلهم الآن، لكن ظلت هناك ثغرة فى الدرس التراثي، حيث إن التراكم الزمنى الذى مر على المعهد جعل من المخطوط العربى حقلا معرفيا، بمعنى أن هناك أنهارا من علوم أخرى كلها تصب فى هذا الحقل، لذلك أردنا تأسيس فرع علمى مستقل اسمه: المخطوط العربي، يضم: فنون المخطوط، والرقمنة، والتشريعات، بالإضافة إلى الأبواب التقليدية، مثل الفهرسة والتحقيق؛ وقد تجمعت لدينا ثمانية حقول ومعارف وهى التى بنينا عليها دبلومة علوم المخطوط، ذات الطابع التطبيقى الأكثر حضورا.
خطة للتدريب
هل يملك المعهد خطة للارتقاء بمجال تدريب الشباب العربى لتكوين صفوف ثانية قادرة على حفظ التراث العربى المخطوط؟

- يمتلك المعهد خطة واضحة لتدريب الأجيال الجديد وإعدادها للتعامل مع التراث عمومًا، والتراث المخطوط خصوصًا، وهى خطة بدأت منذ عدة سنوات، وهى تؤتى ثمارها، ويشعر الجميع بها، ليس فى مصر وحدها، بل فى الوطن العربي، وتتمثل تطبيقات هذه الخطة فى الدورات التدريبية المنتظمة والمنوَّعة التى تشمل الفهرسة والترميم والتحقيق وغير ذلك، وهى دورات تستقطب متدربين من مختلف أنحاء العالم، وتصل إلى من يريد من خلال البث المباشر، وقد بلغ عدد الذين أفادوا منها الآلاف.. وهنا الحديث المهم- أيضًا- هو استحداث دبلوم علوم المخطوط الذى يعد أول دبلوم عال متخصص يجعل من المخطوط حقلًا معرفيًا مستقلًا، ويدرس فيه الطالب سنتين (أربعة فصول دراسية) التحقيق والفهرسة والترميم والفنون والتشريعات الخاصة بالمخطوط.
مبادرة «تراثنا» كانت ذات فعالية كبيرة بين الشباب.. ما الجديد الذى تقدمه الآن؟
- مبادرة «تراثنا» بعض جذورها اقتصادية وبعضها خدمية للشباب ومستقبلية، لأن الطباعة أصبحت مكلفة جدا، ولهذا رأينا أن نقوم بدور الشراكة بين المعهد والباحثين بحيث ننشر الأبحاث بعد تحكيمها وإعدادها للطباعة بصورة أنيقة، على أن تكون حقوق النشر الإلكترونى للمعهد، وفى إطارها أوشكنا على الوصول إلى مئة كتاب فى العاميين الماضيين فقط، وهذا كم كبير جدا يحتاج إلى سنوات؛ كما أن من ميزات المبادرة أنها كشفت عن مجموعة كبيرة من شباب الباحثين الجيدين ما كانوا معروفين من قبل؛ مع تنويع سلاسل النشر، بين الثقافية والرسائل الجامعية، وغيرها، وقد لاقت رواجا عربيا كبيرا.