مأساة مدرس «لغة عربية»

نادر حلاوة
نادر حلاوة

بعد محاولتين فاشلتين لقطع شرايينه تم نقله إلى أحد المصحات النفسية وهو يردد في ذهول عبارة واحدة فقط لا غير (المضاف والمضاف إليه ..كلمتين مش كلمة واحدة يا خلق يا هووه).

بدأت فصول المأساة حين وقف المدرس الشاب أمام طلابه منتشيا ومعتزا بقدرته على توصيل المعلومة بأسهل طريقة ، في البداية شعر أن مهمته يسيرة فالطلاب يتفاعلون مع كل مثال يذكره عن إعراب "المضاف و المضاف إليه" ، ذكر لهم مثالا هو "قمر الليل" وقال بلغة عربية سليمة (لاحظوا هنا أن "قمر" كلمة مختلفة عن كلمة "الليل" في المعنى  ، لكن بإضافة الكلمة الأولى إلى الثانية يظهر معنى جديد تماما ، مثلا "باب السيارة" الباب شيء والسيارة شيء آخر ، وخذ هذا المثال أيضا "ذبابة الفاكهة" الذبابة حشرة والفاكهة نبات لكن الكلمتين معا لهما معنى مختلف وهذا هو المضاف والمضاف إليه).

وبدأ المدرس يضرب المزيد من الأمثلة والطلاب يسارعون في شرح كل نموذج وفق قواعد النحو والصرف.

قبل نهاية الحصة ابتسم المدرس سعيدا باستيعاب طلابه لدرس "المضاف والمضاف إليه" ثم قرر استغلال الدقائق القليلة المتبقية في طرح سؤال أخير فسأل طلابه ( استخرج المضاف و المضاف إليه من الجملة التالية "وقف رجل الدين يعظ الناس")، ولدهشة المدرس ساد الصمت بين طلابه وبدت الحيرة على وجوههم ، أعاد المدرس قراءة سؤاله عدة مرات ثم صاح فيهم أخيرا (المضاف والمضاف إليه واضح هنا  وهو "رجل الدين" وكما قلنا من قبل "رجل" كلمة و"الدين" كلمة مختلفة تماما إذن ..) 

وقبل أن يكمل المدرس كلامه قاطعه أحد الطلاب ( لكن يا أستاذ "رجل الدين" كلمة واحدة بمعنى "الدين") 

ابتسم المدرس الشابمذهولا عاجزا عن النطق بينما ارتفعت أصوات الطلاب ( أيوة يا أستاذ رجل الدين هو الدين ) 

دق جرس نهاية الحصة واختلطت الأصوات لتطغى على صوت المدرس الذي حاول دون جدوىالاستفهام من طلابه عن سر هذا الاستنتاج العجيب الذي يهدم قواعد المضاف إليه .

دخل المدرس إلى غرفة المدرسين وعلى وجهه آثار الصدمة، ثم بدأ يشرح لزملائه المشكلة التي واجهته حتى ذكر مثال "رجل الدين" فاجمع زملاؤه على أن لافرق بين الكلمتين وهنا فقد المدرس أعصابه وصاح فيهم ( كيف ؟! هما كلمتان مختلفتان  تمام الإختلاف "رجل" و"الدين" قد يكون الرجل طيبا أو شريرا أو عالما أو جاهلا لأنه رجل في النهاية أما الدين فشيء آخر) 

وهنا قام أحد مدرسي اللغة العربية المخضرمين وربت على كتفه بابتسامة بشوشة قائلا ( إذا كانت عبارة "رجل الدين" تختلف عن "الدين" فلماذا لا يجرؤ أحدنا على انتقاد رجل الدين هذا أو ذاك ، الدين مقدس ورجل الدين يكتسب القداسة من الدين فهما كيان واحد تقريبا ) 

رد المدرس بحدة ( رجل الدين في النهاية رجل أي أنه بشر يخطيء ويصيب لذلك يمكن انتقاده بل الواجب إنتقاده حتى يصوب أخطاءه ) 

وهنا سحب المدرس المخضرم يده من فوق كتف المدرس الشاب ونظر إليه بهلع بينما ارتفع صوت مدرس التربية الرياضية غاضبا ( من أنت لتنتقد أي رجل دين ؟ والله لارفع عليك قضية إزدراء أديان) 

وهنا قال المدرس الشاب بهدوء ( أديك قولتها "إزدراء أديان" مش إزدراء "رجال أديان" )

فقال المدرس المخضرم بصوت يكسوه الأسى ( يابني الاتنين واحد .. بس انت راجع نفسك متوديش نفسك في داهية )

وهنا صاح المدرس الشاب (المضاف والمضاف إليه ..كلمتين مش كلمة واحدة يا خلق يا هووه .. يبقى الراجل راجل والدين دين ..هو انتو عمركم ماقريتوا في أي كتاب تاريخ عن رجال الدين اللي ارتكبوا جرايم في حق الناس ودمروا بلاد وحضارات بتسلطهم على البشر وتدخلهم في السياسة؟! يبقى ازاي رجل الدين هو نفسه الدين ؟؟ ) .

عاد مدرسالتربية الرياضية ليصيح ( يانهار اسود ..إنت عارف إنت عملت إيه دلوقتي ؟) 

رد المدرس الشاب بلا مبالاه ( إيه يعني ؟) 

هز مدرس التربية الرياضية رأسه آسفا واختنق صوته بالدموع قائلا ( يا أستاذ إنت كده خدشت "الرونق" )

وتدخل المدرس المخضرم معقباً بيأس ( أيوة صح ..إنت كدة خدشت الرونق.. خلاص يابني ربنا معاك بقى ..قطع الرقاب ولا خدش الروانق يابني ياحبيبي )
في اليوم التالي وجد المدرس الشاب مقطعا مصورا على "الفيسبوك" لجزء من حواره في غرفة المدرسين وكان واضحا أن الذي صور الحوار هو مدرس التربية الرياضية، وبعد ساعات قليلة انتشر خبر على المواقع الالكترونية عن قيام الأستاذ "سمير الوحش" المحامي برفع قضية "خدش رونق" على المدرس الشاب الذي تجاهل نصيحة أصدقائه ورفض إصلاح الخدش في الوكالة أو حتى في مدينة الحرفيين ، وبدأ في هذه اللحظة يردد في ذهول ( المضاف والمضاف إليه ..كلمتين مش كلمة واحدة يا خلق يا هووه) .