جمال الشناوي يكتب: ضُمّوا الصِفوف 

جمال الشناوي
جمال الشناوي

عبر الأطلنطي ظل العالم طوال الأسابيع الماضية يتابع عملية انتخابات ساكن جديد للبيت الأبيض أو سيد العالم كما يسميه أصدقاء أمريكا في أديباتهم ومقالاتهم.

تلك الانتخابات التي هيمنت على وسائل الإعلام في شرق الأرض ومغاربها، ولكن هذه المرة كانت أصداء الصراعات الداخلية في الولايات تغطي على العرس الديمقراطي الذي رقصنا جميعا في حفلاته اليومية التي تقام فرحا بالنموذج الديمقراطي الأعظم في العام.

لكن هذه الانتخابات وما صاحبها من ضجيج، كشف لنا كثير من "ملاعيب هيلاري" وإخوتها.

في يناير ٢٠١١ سمعنا صراخ صم الآذان ومنح عقولنا إجازة، واندفعنا نردده كما الببغاء في قفصه في مدخل بيوت هواة تربية الطيور.

الشباب وتهميشهم، وهذا حق كان يراد به باطل.. نعم الشباب هم المستقبل كله وأغلب الحاضر، لكن ما ترسخ في أذهاننا أن الرئيس الذي علينا اختياره لابد أن يكون صغير السن كشرط لرضا ماما أمريكا عن طريق الثورة المصنوعة من خامات قدمها نظام وقتها بات أقرب إلى رجال الجليد.

نعم تم دراسة المجتمع المصري بكل دقة، وتم اللعب بأوراق سذاجة وجهل وثقه ليست في مكانها لنظام حكم كان يفضل الكون عن القفز، السكوت قبل الكلام، رد الفعل على هجمات منظمة ودقيقة التجهيز.

والمتابع للانتخابات الأمريكية لن يبذل مجهودا في اكتشاف أن المتنافسين على السكن في البيت الأبيض كلاهما يتراوح عمره حول الثمانين عاما.. إذا أين الشباب الأمريكي ؟.. ليست التجربة الأولى لعجائز البيت الأبيض، ربما حالة أو اثنتين إذا لم تخونني الذاكرة، كان رئيس الولايات المتحدة تحت الخمسين عاما، أظنهما كيندي وكلينتون.

الملاحظة الثانية السريعة أن آلة الدعاية الأمريكية والإخوانية في عام ٢٠١١ كانت ترفع شعار رئيس مدني، وتفننت في ابتكار وسائل الإقناع الجماهير بذلك.. ولم تتحدث أبدا عن الكفاءة ولا شروط النزاهة والشفافية، وعشنا نردد الكثير من العبارات البراقة سابقة التجهيز في معامل أبحاث الحروب الجديدة، تلك المعامل التي ظلت لعقود طويلة تدرس المجتمعات في المنطقة، "السلوك  والمتناقضات".. فهل تعلم أن الولايات المتحدة التي يقترب رئيسها الـ٤٧ من البيت الأبيض بخطى متثاقلة، كان بينهم ٣٣ عسكريا أي قرابة ٧٠٪ من رؤساء أمريكا كانوا عسكريين ولعل أبرزهم وقائدهم المنتصر في الحرب العالمية الثانية أيزنهاور.

أعرف عدوك.. كان عنوانا لبرنامج إذاعي طوال الصراع مع إسرائيل.. ولا يمكنني وصف أمريكا بالعدو في المطلق، لكنها المصالح.

ولكن هل نحن الآن نعرف عدونا الذي قضى عقودا يتابع أدق تفاصيل حياتنا، وسجلت دواليب أسرار دول في المنطقة في السابق دراسات حتى على الجينات لشعوب المنطقة، عبر مستشفيات أو مساعدات طبية تبدو خيرا وباطنها كل الشر الذي عشناه في العقد الماضي.

سالت دماء مئات الآلاف من العرب، هدمت بيوت ومدن وكنائس ومساجد.. بفعل فتنة اعتمدت عبقرية التفكير وسيلتها.

أيا كانت ملاحظاتنا على الانتخابات الأمريكية، وخاصة ما يصر عليه الرئيس ترامب بأن عمليات تزوير ممنهجة استهدفته لإسقاطه، والحقيقة أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس أكبر دولة في العالم عن عمليات تزوير واسعة النطاق تمت عبر عمليات تصوير مؤمنة، وتضاربت التصريحات، حتى خرج علينا رئيس هيئة الأمن السيبراني الأمريكي ينفي ويكذب الرئيس، وسريعا تمت إقالته.

وبعيدا عن أحاديث التزوير سواء كانت صحيحة أم كاذبة، ودون النظر إلى أعمار الرئيسين المنتخب والمنصرف، لفت انتباهي وجود هيئة لتأمين الفضاء الإلكتروني لحماية المواطن الأمريكي من هجمات أخطر من النووي في العصر الحالي، ويكفي ترويج شائعة لتضع بذرة حروب أهلية وقتال لا يتوقف بين أبناء الشعب الواحد، ويبدو أن تلك الهيئة مهمتها صد الهجمات المرتدة من روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق كما يردد الأمريكان، انتقاما لتفكيك القوة العظمى الثانية أو ربما كما يردد حكام البيت الأبيض.

وأيا كانت الحسابات إذا صدقت روايات التزوير، فسبق في الانتخابات الأمريكية الماضية من تحدث عن تزوير لحساب ترامب عبر الدولة العميقة التي تحكم  واشنطن كما يصفها بعض الباحثين، فعليا التعلم من الولايات المتحدة أساليب حماية جبهتها الداخلية من غزوات اقتصادية تستهدف صناعتها، وأخرى اجتماعية تنخر في التركيبة الاجتماعية للمجتمع المتناقض أصلا.

لا أعرف إذا كانت لدينا قدرات تأسيس هيئة مشابه تتولى رصد الهجمات المحتملة في المستقبل القريب وإن كانت قد بدأت مقدماتها تلوح في الأفق.

هل الجهاز القومي للاتصالات قادر على تأسيس تلك الهيئة التي تضم خبراء في السياسة والاقتصاد والأمن وغيرهم.

بالتأكيد لدينا بعض الإدارات في كثير من الوزارات والهيئات تقوم بأدوار قريبة، ولكن علينا الآن أن نعيد النظر في قدرات تلك الإدارات المتناثرة لجمع الصفوف وحشد قوة هامه جدا للدفاع عن بلادنا.

بناء حائط صد قوي لحروب المستقبل والأجيال المتتابعة يستوجب علينا أن نعيد النظر في بعض وسائل دفاعنا الإليكتروني وفضاءاته التي باتت من ضروريات الحياة الآمنة لصد هجمات قاتلة، عادت بوادرها تلوح في الأفق.