نقطة فى بحر

لأرواحهم.. سلام

محمد درويش
محمد درويش

محمد درويش

أحزن الكثير من المصريين نبأ استشهاد اللواء ياسر عصر وكيل ادارة شرطة النقل والمواصلات الذى ذهب منتصف ليلة أمس الثلاثاء ليؤدى واجبه فى متابعة رجال الحماية المدنية فى إخماد حريق شب فى هواية بنفق محطة مترو مسرة فى شبرا.
موقع الرجل الوظيفى ورتبته يسمحان له بالتواجد بعيدا عن رجال الحماية المدنية ومتابعة عمليات الإطفاء، ولكنه كما هو معروف عنه فى مثل هذه المواقف اصر على التواجد امام الهوّاية مباشرة، ومع الدخان الكثيف والضبابية سقط الرجل فى بئرها شهيداً إلى جنة الخلد.
أيا كان تعددت الاسباب فالموت واحد ولكن الموت هذه المرة بدرجة شهيد الواجب فى عمل أداه بكل إخلاص وتضحية وبشكل لم يكن مطلوبا منه، لكنه الإحساس بالمسئولية ودوام العطاء وهو الذى غامر بنفسه عام ٢٠١٦ باقتحامه عربة قطار سكة حديد ليساهم فى إطفاء النيران وإنقاذ مئات الأرواح.
استشهاد اللواء عصر جعلنى اتذكر مشاهد نشوب حريق فى أى مكان، يهرع الجميع إلى الهروب إلا عدداً قليلاً ربما يكونون من عابرى السبيل يسارعون الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وقد يدفع أحدهم حياته شهيدا أو مصابا مقابل نخوته وشهامته.
فى الوقت الذى يهرع فيه الجميع ناجيا بحياته تاركا كل ما يملك، يسابق الزمن رجال من ذهب هم رجال الحماية المدنية الذين نسمع عن تضحيات الكثيرين منهم بحياته أو مجروحاً فى سبيل أداء مهمته التى عاهد الله عليها، يسابقون الزمن فى إنقاذ الارواح فى نفس الوقت الذى يخمدون فيه الحرائق، رجال لو وثّقنا فى سجلات قصص عطائهم وتضحياتهم لن تكفينا موسوعة واحدة بل هى موسوعات ذهبية لرجال يسطرونها بمداد من العرق والجهد وكثيراً كان مدادها من دمائهم.
بعض من هؤلاء الرجال رأيتهم عن قرب منذ أسابيع فى حريق شب فى طابق اسفل الطابق الذى أقطنه وفى الوقت الذى كنا نهرع فيه وأسرتى وسط الدخان الاسود الكثيف هروبا على سلالم العقار، كانوا هم يسارعون بالقفز على هذه السلالم صعوداً إلى الشقة التى شهدت الحريق الذى أخمدوه فى دقائق معدودات باقتحام النيران غير عابئين بها ولا بدخان الحريق الذى كان كفيلا بمن يستنشقه أن ينقله الى عالم آخر سواء كان غيبوبة أو فقدان الحياة.
وعادت بى الذاكرة إلى الابطال الشهداء الذين لقوا حتفهم تحت أنقاض عمارة شارع عباس العقاد بمدينة نصر عام ٢٠٠٣ بعد أن اوشكوا على الانتهاء من إطفاء الحريق واشرف بعضهم قبل ذلك على اخلاء السكان الذين نجوا جميعا وأما الضحايا فهم ثلاثون من الضباط والمساعدين والافراد انهار عليهم العقار وكانوا داخل الجراج فى محاولات اخماد الحريق واذكر ان عدد الشهداء كان يقرب من ثلاثين من مختلف الرتب.
رحم الله شهداء الحماية المدنية واللواء عصر  ولأرواحهم سلام.