بشائيات

التنوير.. نبتدى منين؟

مدحت بشاى
مدحت بشاى

مدحت بشاى

لعله لم توجد ظروف وأحداث وتفاعلات تستدعى حضور أهل التنوير ودعاة الإصلاح فى أى زمان بقدر احتياجنا لوجودهم الآن لمقاومة ما نعيشه من تداعيات دعاوى أهل الشر من أصحاب بوتيكات الاتجار بالأديان وجراثيم أهل غواية هدم الأوطان التى يتلظَّى أهالينا فى الداخل والخارج (محليًا وإقليميًا وعربيًا) بحروبها الوحشية ونزاعاتها الحادة، فى أزمنة عدمية لا ينتج منها سوى ظلام عميم له رائحة الدم ولونه، ظلام لا تعود معه الرؤية متاحة ويستحيل معه أيضًا إحداث أى تنمية أو إحراز خطوات لتحقيق أى تقدم من أى نوع وفى أى مجال.
لقد سعى أهل الفكر وأصحاب رسائل التنوير إلى إيجاد معالجات نهضوية تتفاعل بوطنية وحب مع الراسخ الموروث المتكلس ولتتقدم بالثقافة الإنسانية لدينا إلى المستقبل، وفى كل جولة كانت العودة إلى التراث شرطًا جازمًا لديهم، وكانت تنتهى جولاتهم بإقرار أنه بدون قراءة جديدة للتاريخ العربى لن نستطيع معالجة أزمات العقل المعاصر المسجون فى حاضره وغير الجاهز للحاق بعجلات المستقبل ومدركاته، فيما انشغل البعض منهم بالإشارة إلى القيم الغربية المنطلقة من ثورات أوربا الثقافية والصناعية، ورأوا فيها الدواء الناجع والحل المجرب، وما بين المناهج والمدارس الأيديولوجية من كل اتجاه، تقلب الحال لدينا فى محاولات للفكاك من تبعات الثبات فى مناطق التقهقر والتبعية والثبات المميت !!
ومعلوم أن للفيلسوف الألمانى الأشهر «كانْت» فى معالجاته لقضايا التنوير فى القرن الثامن عشر مقالا شهيرا عنوانه «جواب عن سؤال: ما التنوير؟» (1784م)، ويمكن إيجازه فى شعاره القائل: « كن جريئًا فى إعمال عقلك». وقد كان يقصد به ألا سلطان على العقل إلا العقل نفسه. وترتب على ذلك القول بأن قياس مدى التنوير مردود إلى مدى سلطان العقل.
وفى مارس من عام 1980م اجتمع فى باريس أربعون عضوًا من مشاهير مفكرى العرب لتأسيس «حركة تنوير عربية». وكانت فكرة التأسيس هذه قد راودت أسرة تحرير مجلة «الطليعة» القاهرية فى عام 1979م. والمفارقة هنا أن ذلك الاجتماع التأسيسى كان هو الأول والأخير، أى أنه قد أصيب بالفشل.
ويظل السؤال: نبتدى منين رحلات إعمال عقل التنوير وفعل الإصلاح ؟.