حوار| أحمد أبو الغيط: المشهد العربي معقد ويعاني ارتباكاً غير مسبوق

أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية - تصوير خالد الباجوري
أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية - تصوير خالد الباجوري

- الرئيس السيسي أنقذ مصر من مصير مخيف واختار طريق الإصلاح ونهج التغيير

-  نهر النيل من صميم الأمن القومي العربي.. وندعم موقف مصر والسودان في أزمة سد النهضة

- هجوم صائب عريقات على شخصي أمر مستغرب.. وأبو مازن صوت العقل في زمن المنفلتين

- جاهزون للمشاركة في مراقبة وقف إطلاق النار والانتخابات القادمة في ليبيا

- القضية الفلسطينية محل إجماع الدول العربية.. والتخلي عنها سيناريو خيالي

- «تنمر» دول الجوار الإقليمية يستهدف الهيمنة والسيطرة على مقدرات العرب

- تركيا تنتهك سيادة العراق وتحتل جزءا من سوريا ومتورطة في الأزمة الليبية

 

لن نبالغ أن نقول إن حديث السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية مع «الأخبار» هو استثنائى بكل المقاييس ويعود ذلك لثلاثة أسباب «الشخص» و«توقيت الحوار» و«مضمونه».

فالرجل صاحب خبرة دبلوماسية وسياسية طويلة عبر عشرات السنين منذ التحاقه بوزارة الخارجية فى منتصف ستينيات القرن الماضى «أمد الله فى عمره» أهلته ليكون من صفوة من عملوا فى الخارجية وسط تنبؤات مبكرة بأنه يوما ما سيكون وزيرًا للخارجية، خبراته متنوعة، يكفى أنه عمل فى مقتبل حياته فى بداية السبعينيات فى مكتب حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى ليعيش عن قرب فترة محورية وفاصلة فى تاريخ مصر وهى سنوات الإعداد لحرب أكتوبر والإدارة السياسية للانتصار فيها.. ولعل كتابيه «شهادتى» و«شاهد على الحرب والسلام» خير دليل على ما نقول، حيث تضمنا معلومات ثرية من شاهد فى قلب الحدث فى أهم دوائر صناعة القرار على مجريات السياسة الخارجية، حيث استقر به المقام على قمة الدبلوماسية وزيرًا للخارجية طوال سبع سنوات بدأت من ٢٠٠٤ حتى عام ٢٠١١ .. وبعدها لم ينفصل أحمد أبو الغيط عن عالم السياسة بل ظل مساهما بالرأى والوجود عبر المنتديات ليعود من جديد ليكون على قمة العمل العربى بعد اختياره أمينًا عامًا للجامعة العربية فى مارس ٢٠١٦.

وجاء توقيت الحوار ليزيد من قيمته وأهميته،حيث تعيش المنطقة العربية ظروفا صعبة وسط تنمر دول الجوار خاصة إيران وتركيا وتداخلاتهما المرفوضة فى الشأن الخاص للعديد من الدول العربية بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار التى وصلت إلى حروب أهلية فى العديد من الدول العربية فى ليبيا واليمن وسوريا مما سمح بتعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين فى تلك الساحات ناهيك عن الأوضاع فى لبنان وتداعيات اتفاقيات السلام بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل وسعى واشنطن لدفع دول عربية أخرى إلى الانضمام إلى مثل هذه الاتفاقيات وتوابع ذلك على السلطة الفلسطينية ويضاف إلى ذلك حالة الهجوم التى تتعرض لها الجامعة العربية من أطراف مختلفة بعضها نابع عن عدم وعى ومعرفة بطبيعة مؤسسة الجامعة وآليات اتخاذ القرار فيها وبعضها استهداف للهدف الخطأ وترصد من جهات عديدة وآخرها من قيادات فى السلطة الفلسطينية.

ونتوقف عند العامل الثالث مضمون الحوار وإجابات الأمين العام التى تضمنت رصدا واضحا ومحددا للعديد من القضايا المثارة ..حيث اكد حقيقة أساسية وهى استمرار الدعم العربى للقضية الفلسطينية التى تمثل احد اهم القضايا التى تمثل اجماعا عربيا وأشار إلى ان كورونا هى التى منعته من زيارة رام الله وابوظبى للتواصل مع كبار المسئولين فى البلدين.. حول التطورات الأخيرة كشف الأمين العام عن جهد مبذول منه باتجاه حل الأزمة السورية بعد انتخابه أمينًا عامًا للجامعة فى مارس ٢٠١٦ ومقترحات طرحها للتعاطى مع المشكلة اليمنية وتحدث كمصرى متابع للشأن الداخلى بعيدا عن مهمته كأمين عام للجامعة عن سنواتها الأخيرة وقال انها عبرت بالفعل إعصارا اجتاح دولًا آخرى مشيدا بما قام به الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قال انه أنقذ مصر من مصير بائس وبدأ خطة طموحة للإصلاح.


> لعل البداية الطبيعية للحوار أن نسمع منك توصيفًا للمشهد العربى الحالى؟

 

المشهد العربى معقد وأرصد فيه ارتباكا غير مسبوق، المنطقة تمر بمرحلة ليس لها مثيل من حيث حجم التهديدات والتحديات خاصة التدخلات الإقليمية بالذات من جانب إيران وتركيا ،أصبحت تهدد الأمن القومى القومى لدول عربية عديدة بل أمن العرب ككل وهى تتسبب فى حالة عدم الاستقرار فى الإقليم العربى على اتساعه ولا شك ان مصالح دول كبرى فى الأقلية أيضا تحاول أيضا أن تؤثر فى الإقليم فهى تحاول تحقيق مصالحها وتعزيز نفوذها وتتدخل احيانا بشكل مضر فى العديد من الأزمات مما ساهم فى تعقيدها وليس حلها ومع ذلك يظل الأمل قائما فى الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربى وتنظيم القضايا التوافقية والتمسك بالمظلة العربية والتى كانت وستظل البوتقة الوحيدة للعمل العربى المشترك.

 

> هناك روايات مختلفة حول ما جرى فى الاجتماع الأخير فى الدورة 154 لوزراء الخارجية العرب فى بداية هذا الشهر.. نود أن نسمع من معاليكم القول الفصل، وهل صحيح ما يتردد عن تخلى الدول العربية عن القضية الفلسطينية؟

 

فى تقديرى أن سيناريو تخلى العرب عن فلسطين لا وجود له سوى فى خيال البعض.. القضية الفلسطينية قضية عربية منذ بدايتها، وشخصياً لا أتصور وضعاً تتخلى فيه الدول العربية عن فلسطين.. والحقيقة أن التخلى عن قضية فلسطين معناه -من وجهة نظري- التفريط فى واحدة من نقاط الإجماع الرئيسية، والقليلة للأسف فى الوقت الحاضر، بين الدول العربية. القضية الفلسطينية كانت وستظل محل إجماع من العرب من دون استثناء. أكرر: من دون استثناء. ثوابت وعناصر القضية، التى تتضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، هى ثوابت عربية راسخة. هذا لن يتغير وليس موضع جدل.

 

قلق فلسطينى

> تداعيات ما حدث على الصعيد الفلسطينى أفرزت مواقف فلسطينية متشنجة وصلت إلى حد الدعوة إلى الانسحاب من الجامعة أو الحديث عن تصويب علاقات السلطة الفلسطينية بالجامعة كما صرح رئيس الوزراء محمد أشتية وانتهت إلى تخلى السلطة عن رئاسة الدورة الحالية لمجلس الجامعة.. وسؤالي: بماذا تنصح السلطة الفلسطينية بكل خبراتك الدبلوماسية؟

 

شوف.. أنا قلت من قبل ومازلت أقول إنى متفهم الموقف الفلسطينى..وأتفهم بواعث القلق وحتى ما تسميه فى سؤالك «التشنج».. هناك تغير حدث، وهم يحاولون استيعابه.. وربما يشعر البعض منهم أن هناك تخليا عنهم وأنهم أصبحوا وحدهم.. هذا غير صحيح فى تقديرى.. وكنت أتمنى لو لم تكن هناك أزمة الكورونا واغلاق المطارات لأنى كنت سأتوجه فورا إلى رام الله لمناقشة الأمر مع الرئيس عباس والقيادة وربما أيضا كنت سأتوجه إلى أبوظبى لأستمع من المسئولين هناك عن رؤيتهم... لا يوجد أفضل من التواصل المباشر للحوار وتحقيق الفهم.. لكن للأسف هذا لم يكن متاحاً ومررنا بكل هذه الأحداث ونحن نتواصل عبر التليفون والزووم وما إلى ذلك.. وهذا تواصل له محدودية ولا يلبى المطلوب اطلاقاً.. والنتيجة أننا فى ظل تلك التطورات لم نتمكن حتى الآن من الحوار كما يجب.. والوصول إلى الخلاصات التى يجب أن نصل إليها.. هناك حاجة لتطمين الفلسطينيين أن ثوابت قضيتهم ستظل محل إجماع.. وهذا عنصر مهم جداً. وبصراحة فإن أكثر ما يزعجنى أن تتحول القضية الفلسطينية إلى نقطة خلاف أو تصبح موضوعاً للجدل والاستقطاب. هذا سيناريو مرفوض وينبغى أن نتجنب التورط فيه. لماذا؟ لأن السند الأساسى للقضية الفلسطينية هو هذا العمق العربى المُساند والداعم بمختلف الوسائل.. القضية الفلسطينية لن تُحل غداً. وإذا كنا اخترنا استراتيجية النفس الطويل، فمن المهم أن نُعزز من عناصر القوة فى موقفنا الإجمالي. الإجماع العربي، الرسمى والشعبي، على قضية فلسطين والحقوق الفلسطينية يُمثل نقطة قوة مهمة لا ينبغى خسارتها تحت أى ظرف.

 

الحوار بدلًا من الهجوم

> لكن مؤخراً كانت هناك انتقادات علنية نادرة وجهت لكم شخصيًا من جانب مسئولين فلسطينيين أبرزهم د.صائب عريقات الذى وصل إلى حد مطالبته لك بالاستقالة.. ما تعليقكم على هذه الحملة ضدكم؟

 

طبعاً هو كان بالنسبة لى أمرا غريبا.. صائب أعرفه منذ سنوات وربطتنى به علاقة عمل جيدة مبنية على الاحترام المتبادل كلٌ من موقعه.. وكنت أظنه سيترك العمل العام بعد أن أفشل نتانياهو المفاوضات بالكامل لأنه بالتأكيد تعب فى حياته جدا وخدم القضية كثيراً.. ووجدت مؤخراً أنه يهاجمنى على وسائل التواصل الاجتماعى بدلاً من أن يتحاور معى وهو أمر غريب كما قلت لأن معناه أنه لا يهدف إلى الفهم أو الاقناع ولكن يسعى إلى أمور أخرى.. دفاعى عن القضية الفلسطينية شغل الحيز الأكبر من مسيرتى المهنية ومع هذا سبق أن أوضحت أن الحفاظ على النظام العربى الرسمى من التحديات الداخلية والخارجية يشكل أولوية أولى وأساسية لى فى هذا الزمن الصعب المليء بالتحديات.. عموماً، أنا لا أحب أن تصرفنى مثل هذه الأمور عن تركيزى فى عملي.. ولدى منطلقاتى التى أثق أن عقلاء الفلسطينيين يعرفونها جيداً.. وفى مقدمتهم الرئيس محمود عباس الذى أعتبره عن حق صوت العقل والحكمة فى زمن صعب وساحة تموج بالكثير من الغاضبين والمنفلتين.

 

> هل تعتقد أن المبادرة العربية للسلام التى تم إقرارها فى قمة بيروت عام 2002 ما زالت مطروحة على الطاولة بعد كل ذلك الذى جرى وسيجرى فى مسار علاقات الدول العربية مع إسرائيل؟

 

أعتقد أن الأمر يحتاج إلى حوار صادق ومعمق بين الدول العربية.. وهذا سينتظر انتهاء أزمة الكورونا لكى يحصُل.. لكن أنت تسألنى عن رأيى وسأقول لك إن المبادرة يجب أن تظل قائمة.. لأنها تجسيد للمبدأ الذى تبناه العرب وهو الأرض مقابل السلام.. السلام الذى تقبل به الشعوب العربية لن يحدث ولن يتحقق طالما ظلت الحقوق الفلسطينية مغتصبة، وطالما لم يُطبق حل الدولتين على الأرض.. ربما يؤدى تطبيع العلاقات بين دولة أو دولتين عربيتين وإسرائيل إلى ديناميات جديدة فى الموقف. ولكنى على يقين أن هذه الديناميات سوف يتم توظيفها لخدمة نفس الهدف: الضغط على إسرائيل للقبول بمفاوضات جادة تُفضى إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67.

 

سيناريوهات المستقبل

> هناك من يعتقد فى وجاهة الرأى الذى يتحدث عن ضرورة قبول الفلسطينيين باستئناف المفاوضات مع إسرائيل على خطة ترامب لتفادى الاصطدام مع الإدارة الأمريكية من جهة، وحتى لا يتحملوا مسئولية الجمود الحالى فى مسار السلام خاصة فى ظل ما يردده نتانياهو بأنهم سيعودون إلى طاولة المفاوضات بعد نجاح ترامب فى الانتخابات.. فما رأى معاليكم؟

 

شخصيًا لا أرى أن خطة ترامب تصلح كأساس مقبول للتفاوض الجاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين. على العكس.. أرى أن إدارة ترامب -سواء من خلال الخطة أو عبر عدد من الإجراءات الأخرى التى اتخذتها خلال السنوات الماضية- قد ظلمت الفلسطينيين ظلماً كبيراً، ومالت جهة الطرف الإسرائيلى بشكلٍ غير مسبوق وغير مقبول بالنسبة للعرب.. هل الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل يُساعد فى حل النزاع؟ هل إغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن ووقف تمويل الأونروا يُساعد فى كسب ثقة الطرف الفلسطيني؟ المؤكد أن هذه التصرفات والإجراءات أسهمت فى تعميق الفجوة بين الطرف الفلسطينى والولايات المتحدة، ومن ثمّ وضعت علامة استفهام كبيرة على دور الأخيرة التاريخى كوسيط بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلي. نحن نُدرك حقيقة الانحياز الأمريكى للمواقف الإسرائيلية من بداية عملية المفاوضات، ولكن ما أقدمت عليه إدارة ترامب فاق الانحياز إلى حد استبعاد مطالب الطرف الآخر الذى يتعرض للاحتلال، والعمل على الضغط عليه بصورة غير مسبوقة بهدف حمله على الإذعان. وهذا لن يحدث. لو كان الفلسطينيون يقبلون بما هو دون الدولة المستقلة المتواصلة الأطراف، وعاصمتها القدس الشرقية، لكانوا فعلوا ذلك منذ زمن. ما رفضوه فى الماضى سيستمرون فى رفضه مهما كانت الضغوط طالما شعروا أن ما يُعرض عليهم مجحف بحقوقهم.. وفى النهاية، هناك نحو 5 ملايين فلسطينى فى الضفة الغربية وغزة.. هؤلاء باقون على أرضهم.. لن يذهبوا إلى أى مكان. بقاء هذه القضية من دون حل، قد يدفع هذه الملايين للمطالبة بحقوق متساوية فى دولة ثنائية القومية مع إسرائيل.. قد يتحول النزاع إلى نسخة أخرى من حركة تحرير السود فى جنوب افريقيا فى مواجهة نظام الفصل العنصرى.. المستقبل مفتوح على احتمالات شتى، ولكن فى خاتمة المطاف لن يستسلم الشعب الفلسطينى لمنطق القوة، ولن يقبل ما يُفرض عليه كنصف حل أو نصف حق.

 

موقف عربى أمين

> سمعت من أكثر من مسئول عربى شارك فى المشاورات التى جرت قبل الاجتماع الوزارى فى بداية هذا العام حول تحديد الموقف العربى من خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنك قلت: «لا أقبل أن أكون أمينا عاماً للجامعة العربية ويقول التاريخ إنه تم تمرير موقف عربى داعم للخطة فى ظل وجودى».. على أى أساس بينت هذا الموقف، الذى نعتز به جميعاً، إلا أن البعض قد يعتبره متشدداً إلى حد كبير كونه ضد توجهات ورغبات الإدارة الأمريكية؟

 

ليس موقفاً متشدداً بأى حال. هذا هو الموقف العربى وليس موقف أمين عام الجامعة فحسب. ولغرابة الأمر قرأت أن صائب عريقات يقول إنى أقبل بخطة ترامب! هل هذا معقول؟! المجلس الوزارى العربى عُقد فى أعقاب الإعلان عن خطة ترامب فى يناير الماضي، وأعلن رفضه للخطة وما تضمنته بصورة واضحة لا يقبل اللبس أو التأويل. ورفض الخطة الأمريكية، وكذا القرارات الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.. كلها مواقف عليها إجماع عربى كامل. وكما قلتُ لك.. رأيى الشخصى أن هذه الخطة التى طرحتها الإدارة الأمريكية لا تصلح كأساس لمفاوضات سلمية جادة للتوصل إلى حل نهائى للنزاع. الخطة بها إجحاف واضح بالطرف الفلسطينى ومحاباة فاضحة للطرف الإسرائيلي.. وربما يعود ذلك لطبيعة انتماءات وتوجهات الأشخاص الذين صاغوا الخطة وروجوا لها، وأقنعوا الرئيس الأمريكى بها.

 

لا أرفض النقد

 

> ذكرت فى مستهل خطابك فى افتتاح أعمال الدورة قبل الماضية الـ 153 أن ما حققته الجامعة العربية على مدى تاريخها ليس بالقليل، وهناك من يختلف مع تلك الرؤية التى تبدو تقييماً إيجابياً بأكثر من اللازم، خاصة أن الواقع يتنافى معها.. فبماذا ترد على من يرون أن الجامعة لم تعد لها أهمية أو دور؟

 

لن أعدد ما قامت به الجامعة عبر تاريخها. ولكن أى منصف يرى أن هذه المنظمة الإقليمية، التى أراد لها الآباء المؤسسون أن تكون هيئة تنسيقية لتسهيل التعاون والتشاور بين الدول العربية، وليس كياناً فوقياً أعلى من الحكومات والدول.. أقول إن هذه المنظمة الإقليمية-وعلى قدر ما لديها من صلاحيات تنسيقية وليست فوقية- ما زالت تُعبر عن «صوت عربي» موحد حيال القضايا المختلفة. هذا مهم للغاية، ولا يمكن أن تشعر بأهميته إلا إذا تصورت غيابه. هناك مواقف كويتية ومواقف سعودية ومصرية وتونسية.. إلخ.. من كافة القضايا.. ولكن عندما تبحث عن الموقف العربى الموحد من قضايا رئيسية تهم العرب جميعاً (مثل الموقف من خطة ترامب التى تحدثنا عنها سلفاً) فلن تجد سوى الجامعة معبراً عنه. هذا يضيف إلى قوة الدول العربية، ويمنحها وزناً فى مواجهة القوى الخارجية. العديد من دول العالم يسعى للانضواء تحت مظلة إقليمية، وأجد من العجيب حقاً أن تظهر أصواتٌ عندنا تُنادى بالعكس، أى بتفكيك المظلة الإقليمية الوحيدة الجامعة للعرب. أتفهم أن يكون لدى البعض ملاحظاتٌ وانتقادات لأداء الجامعة أو حتى مواقفها، لكن ما لا أتفهمه ولا أقبله هو أن يتحول النقد إلى تجريح بهدف الهدم وكأن هناك هدفاً بالتخلص من هذه المنظمة أو تفكيكها، وكأن هذا سيسهم فى تحسين أوضاعنا. التخلص من الجامعة العربية لن يحل مشكلة عربية واحدة، بل سيفتح الباب على مصراعيه أمام مشروعات أخرى غير عربية لتطرح نفسها بوصفها كياناتٍ جامعة وقائدة فى المنطقة الممتدة من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى. تحطيم الجامعة العربية هو أمرٌ يتمناه ويتطلع له أصحاب هذه المشاريع البديلة.

 

> دعوت فى نفس الخطاب/ الوثيقة، كما أرى، إلى حلول عربية للأزمات العربية فما الذى يعوق القيام بمثل هذا الدور؟ ولماذا تراجع الدور العربى لحساب الأمم المتحدة وجهات أخرى صارت تتحكم فى مسار هذه الأزمات.. بدليل تعاظم دور المبعوثين الأمميين فى أزمات مثل سوريا وليبيا واليمن؟

 

للأسف هذا من التبعات الخطيرة لما جرى من تحولات سلبية خطيرة فى المنطقة منذ 2011. لقد تم تسليم زمام القيادة فى مُشكلات داخلية إلى الأمم المتحدة. والأمم المتحدة خاضعة لنفوذ القوى الكبرى، وهذه القوى ليست على وفاق دائماً. هناك مصالح متضاربة، وهذا ينعكس على مواقف هذه القوى من الملفات المفتوحة فى المنطقة. وبالتالي فقد وجدنا أن نزاعات خطيرة كتلك المشتعلة فى سوريا وليبيا واليمن يتم تسليم ملفاتها إلى مبعوثين أمميين للتعامل معها. ومهما توافر لهؤلاء المبعوثين من مهارة دبلوماسية أو إخلاص وحياد، وكثير منهم يتمتعون بذلك بكل تأكيد.. فإنهم يظلون خاضعين لإرادة أكبر منهم هى إرادة القوى الكبرى المهيمنة على مجلس الأمن، بمصالحها المتضاربة والمتناقضة. وهذا ما يفسر جمود الأوضاع فيما يتعلق بتسوية هذه النزاعات المشتعلة منذ سنوات.

 

مقعد سوريا

> أزمة سوريا والجامعة العربية مطروحة فى الذهن العربى بقوة.. إلى أين وصلت الأمور من منظوركم؟

 

قضية سوريا معقدة للغاية. وقد ارتكبت فيها أخطاء من جميع الأطراف، والمحصلة هى موقف غير مُرضٍ.. لا للجامعة العربية ولا للسوريين. هناك أطراف عربية حاولت فى مراحل سابقة -وبشكل هادئ- طرح أفكار مختلفة للتعامل مع المشكلة السورية، خاصة فى ظل جمود الوضع، والنزيف الهائل لاستمرار الحرب الأهلية من دون نهاية، فضلاً عن الآثار الخطيرة المترتبة على التدخلات الإقليمية فى الأراضى السورية، وهى آثار تتعلق بالأمن القومى العربى وليس بسوريا وحدها. وعلى الرغم من الأفكار والرؤى التى طرحت فلم تتحرك الأمور.. وأيضاً مسألة عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر فى الجامعة ليست مسألة تحظى بالتوافق المطلوب حتى الآن.

 

> تصريح مهم منكم لم يحظَ بالاهتمام الواجب وهو ضرورة أن تقوم الحكومة السورية بما يلزم لتسهيل عودتها للجامعة.. فما المطلوب منها على وجه التحديد؟

 

الحكومة السورية تحتاج أساساً لمعالجة العلاقة مع الشعب السوري. هذه مسألة داخلية بالطبع، ولكن أنظر إلى الآثار الإقليمية الخطيرة التى ترتبت على الخلل فى هذه العلاقة بين الحكم والشعب فى سوريا. هناك مسار طرحته الأمم المتحدة، ويحظى بتوافق دولى، بما فى ذلك من جانب روسيا المساندة للحكم السورى. ويهدف هذا المسار إلى صياغة دستور جديد لسوريا من خلال لجنة دستورية تضم عناصر من الحكم والمعارضة والمجتمع المدني، ثم تُعقد انتخابات على أساس الدستور الجديد. للأسف ما زالت اجتماعات هذه اللجنة الدستورية تتعثر من دون نتيجة ملموسة. وآخر اجتماعاتها تعطل بسبب ظهور حالات كورونا فى الوفود المشاركة. لكن من المؤكد أن المسار الدستورى يُمثل حلاً مناسباً لترميم العلاقة بين الحكم والمعارضة، وأيضاً بين سوريا والمجتمع الدولي. ومن ناحية أخرى، سوريا تحتاج إلى تطمين أطراف عربية كثيرة لديها تخوف وتحسب وقلق من النفوذ الإيرانى فى سوريا. هذه نقطة حساسة ومهمة. الدول العربية لديها واجبات حيال الأمن القومى العربي، ولا ينبغى أن تتحول دولة عربية -بتحالفاتها أو علاقاتها الإقليمية- إلى مصدر قلق للدول الأخرى.

 

إسهام فى الأزمة اليمنية

 

> فى اليمن هناك غياب تام للجامعة، ومنذ البداية، عن أزمتها المستمرة منذ فبراير 2011، وحتى الآن.. وقد تصدر مجلس التعاون الخليجى المشهد فى البداية، ثم استقر الدور السياسى عند الأممم المتحدة.. مع دور مهم للتحالف الذى تقوده السعودية.. فهل لديكم تفسير لهذا الغياب من جانب الجامعة؟

 

منذ الأيام الأولى لتولى منصبى عرضتُ على الأطراف قيام الجامعة بدورٍ فى الأزمة اليمنية. وكانت هناك أفكارٌ متبادلة فى هذا الخصوص بيننا وبين المبعوث الأممى فى وقتها «إسماعيل ولد الشيخ» (وهو وزير الخارجية الحالى لدولة موريتانيا). وطُرحت تصوراتٌ عن كيفية إسهام الجامعة -مثلاً- فى أمور عملية مثل توفير مراقبين لعملية جمع سلاح الميلشيات فى حال ما احتاجت هذه الميلشيات إلى طرف ثالث موضع ثقة يتم تسليم السلاح له، فى ظل فجوة الثقة القائمة مع الحكومة المركزية. ومن الواضح أن النزاع اليمني، وبسبب تدخل الأطراف الإقليمية والدولية، يُعانى من نفس حالة الانسداد التى حدثتُك عنها.. ما أراه هو أن إرادة أحد طرفى النزاع، وهو الطرف الحوثي، مرتهنة بالكامل للطرف الإيراني. وكلما ظهرت نافذة فرصة للتوافق على حلول معينة، تتدخل طهران لتحول دون تحقيق التسوية. الجامعة تتابع الوضع اليمني، وعلى تواصل مع المبعوث الأممى الذى يبذل جهوداً معقولة لتوليد نوعٍ من الثقة بين الأطراف. ونرجو أن تكون الخطوة التى تمت مؤخراً بالتوافق على تبادل أكثر من ألف أسير بين الحكومة والحوثيين.. تمهيداً للاتفاق السياسى الشامل الذى يُعالج جذور الأزمة اليمنية.

 

دورنا فى ليبيا


> نفس الوضع ينطبق على ليبيا.. فالدور الأكبر فى التسوية يقوم به المبعوث الأممي.. وحتى الآن لم يتم تعيين مبعوث جديد إلى ليبيا.. وتشارك الجامعة فى المؤتمرات الخاصة بالبحث فى القضية.. كضيف وليس كطرف فاعل فى الأزمة.. فما تعليق معاليكم؟


الجامعة العربية تظل على التزامها بمساندة ليبيا ومرافقة كافة الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية متكاملة للأزمة فى البلاد بجوانبها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية.. ودور الجامعة هذا لا يختلف كثيراً عما تقوم به الدول والمنظمات الإقليمية الأخرى المعنية بالشأن الليبي.. فنحن كلنا نشارك فى عملية برلين كأطراف متساوية ونتفق على أن أى جهد نقوم به يجب أن يدعم ويصب فى الجهد الأشمل والأصيل الذى تقوده وترعاه الأمم المتحدة - عبر بعثتها للدعم فى ليبيا - ويساهم فى إنفاذ المخرجات التى توافقنا عليها واعتمدناها فى مؤتمر برلين فى يناير الماضي.. أضيف لك أن الجامعة تضطلع بدورها هذا وفق محددات ومبادئ ثابتة، وعلى رأسها الالتزام بالحفاظ على سيادة واستقلال ليبيا وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية على طول الخط، ورفض كافة أشكال التدخلات العسكرية الأجنبية فى الشأن الليبي، والمطالبة بالتوصل إلى وقف دائم وشامل لوقف إطلاق النار بين حكومة الوفاق والجيش الوطنى الليبي، ومعالجة التهديد الذى تمثله الجماعات والميليشيات المسلحة، والوصول إلى توافقات ليبية جامعة ووطنية خالصة لاستكمال المرحلة الانتقالية وتتويجها بعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وتبقى الجامعة حريصة بالطبع على تنسيق كافة جهودها مع بعثة الدعم الأممية فى ليبيا وبقية شركائها فى عملية برلين، وتحديداً من أجل إنجاح منتدى الحوار السياسى الذى يجرى التحضير لعقده تحت الرعاية الأممية.. كما ستكون الجامعة مستعدة للنظر فى سبل مساهمتها فى أية ترتيبات لمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار عندما يتم الاستقرار عليها، وستكون الجامعة بالتأكيد جاهزة أيضاً للمشاركة فى مراقبة الانتخابات التى ستجرى فى ليبيا عندما يتفق الليبيون على ترتيباتها وقاعدتها الدستورية والقانونية.

 

وضع غير مسبوق

> يعانى العالم العربى من أزمات مع دول الجوار المهمة.. أتحدث عن إيران وتركيا وإثيوبيا..وقد وصفتم هذا الوضع فى مقال أخير لكم. بأنه تنمر إقليمى بالعالم العربي.. لماذا تختفى الرؤية العربية الموحدة المتكاملة لصياغة موقف تجاه مخاطر دول الجوار؟

 

عموما نحن نشهد أوضاعاً لم يكن بالإمكان تصورها قبل سنوات قليلة. لدينا أراضٍ عربية محتلة بقوات عسكرية وميليشيات تابعة لتركيا وإيران. فى بعض مناطق شمال سوريا يجرى التعامل بالليرة التركية، وتُفرض فى بعض المناطق ومعسكرات النازحين مناهج التعليم التركية. الميليشيات الإيرانية لها وجود عسكرى على الأرض السورية. وهناك ميليشيات تابعة لإيران تؤثر بشدة على استقرار عدد من الدول العربية الأخرى. هذا وضع غير مسبوق، وينبغى أن يدفعنا جميعا فى العالم العربى للتنبه لما يحدث. نحن نتكلم عن احتلال لمناطق عربية بواسطة قوات أجنبية.. نتحدث عن مخططات -لا يجتهد أصحابها حتى لإخفائها- لفرض الهيمنة والسيطرة على الإقليم.. نتحدث عن مقدرات عربية تسعى هذه القوى الإقليمية لوضع اليد عليها. هذا وضع لا يمكن أن يكون مقبولًا ليس فقط من قِبل الدول التى تُعانى هذه التدخلات، ولكن من الدول العربية جميعا.. ومن الجامعة العربية التى تُعبر عنها. لا ينبغى أن نقبل بمشاريع غير عربية لإقليم يسكنه 350 مليون عربي.

 

مخاطر تركية

> بالنسبة لتركيا.. هناك تدخلات فى العديد من الساحات العربية.. فى سوريا والعراق وليبيا والصومال. ألا يستحق الأمر خارطة طريق لمعالجة الآثار السلبية لتلك التدخلات؟

 

التدخلات التركية أصبحت أكثر اجتراءً كما نشهد جميعاً. هناك انتهاكات للسيادة العراقية من خلال اعتداءات عسكرية متكررة. وهناك احتلالٌ لجزء من الإقليم السورى كما تحدثت، وهناك تورط عسكرى فى الأزمة الليبية.. وفى مارس الماضى أصدر المجلس الوزارى العربى قراراً يُدين كافة هذه التدخلات ويرفضها. وتم الاتفاق على إنشاء لجنة وزارية معنية بمتابعة التدخلات التركية فى الشئون الداخلية للدول العربية.. وعلى هامش انعقاد مجلس الجامعة على المستوى الوزارى فى 9 سبتمبر 2020، عقدت هذه اللجنة أولى اجتماعاتها.. وتم إدراج بند التدخلات التركية كبند دائم على جدول أعمال المجلس الوزارى.. وما يُشير إليه ذلك كله هو أن ثمة تنبها ويقظةً من الجانب العربى للمخططات التركية، وهناك تحرك نحو التعامل مع ما تنطوى هذه المخططات من تهديدات للأمن القومى العربى.. التعامل بنظرة شمولية وليس تجزيئية. وعلى سبيل المثال، فقد طرح العراق خلال الاجتماع الوزارى للجنة التدخلات قضية مهمة تتعلق بالافتئات على المُقدرات المائية العراقية من خلال تحكم تركيا فى سد «أليسو» على نهر دجلة، بما أدى إلى تراجع منسوب النهر هذا العام بدرجة مقلقة. وبالمناسبة فإن تركيا تستخدم سياسة الابتزاز المائى أيضاً فى مواجهة أكراد سوريا والسوريين عموماً، وقد تراجعت حصة سوريا المنصوص عليها دولياً فى نهر الفرات إلى ما يقرب من الربع هذا العام.

المقصود هنا أنه لا ينبغى أن نُفكر بمنطق أن هذه التدخلات تحدث فى هذه الدولة العربية أو تلك، بل يتعين علينا رؤيتها كتهديد للأمن القومى فى مجمله. وهذا ينطبق أيضاً على التدخلات الإيرانية التى تتخذ اكثر من صورة فى أكثر من دولة عربية. ولكن فى النهاية هدف هذه التدخلات واحد وهو زعزعة الاستقرار الداخلى فى الدول العربية، وتكوين ولاءات طائفية تتجاوز الدولة الوطنية، وتعمل -فى أحيان كثيرة- على تقويضها وتخريبها.

 

النيل أمن قومى عربى

> وبالنسبة للموقف من السياسات الإثيوبية.. هل أنتم راضون عن الموقف العربى من دعم مصر والسودان فى ملف سد النهضة؟

 

الموقف العربى داعم بالكامل لدولتى مصر والسودان فى المفاوضات الثلاثية مع الجانب الإثيوبي. وهناك قرارٌ صدر عن المجلس الوزارى فى مارس الماضى يدعم حق مصر فى مياه النيل.. والدول العربية لا تتأخر عن دعم مصر والسودان باعتبار أن الموارد المائية لنهر النيل هى من صميم الأمن القومى العربى وليس فقط الأمن القومى للبلدين.. تماماً كما ننظر إلى الافتئات على الحقوق المائية للعراق وسوريا فى نهرى دجلة والفرات.. الأمن المائى العربى أصبح مكوناً مهماً فى الأمن القومى للعرب إجمالًا.

 

أخيراً..

مصر والعبور من الإعصار

> معالى الأمين العام، معروف عنكم متابعة الشأن المصرى بشكل دقيق... كيف تقيمون أوضاع مصر بشكل إجمالي؟

 

أتحدث هنا لا كأمين عام للجامعة العربية، ولكن كمواطن مصرى له رأى فى أحوال بلده، خاصة أنه عاش حياته كلها منخرطاً فى العمل الوطني، فى شقه الدبلوماسي.. وأنا أقيم الأمور فى مصر من منظورٍ من عايش عصوراً مختلفة، لكلٍ منها منجزات وإخفاقات أيضاً.. وما أراه بمنتهى الصراحة هو أننا نجحنا فى العبور ببلدنا من «إعصار» كاد يعصف بها عصفاً.. والذكرى ليست ببعيدة، والدلائل حولنا شاهدة على ما كان يُمكن أن يحدث لنا، فلا أريد أن أفصل ما هو واضحٌ لكل إنسان ينظر للأمور بموضوعية.. النجاة من هذا الإعصار كانت شيئاً أشبه بالمعجزة.. وقد تحققت هذه المعجزة بفضل وعى الشعب المصرى وحسه الوطنى.. وبفضل القيادة الشجاعة الواعية، المدركة لقيمة مصر.. والحقيقة أن الرئيس السيسى لم يكتفِ بمجرد إنقاذ مصر من مصير بائس ومخيف.. بل هو اختار -كما قال فى آخر لقاء له فى افتتاح احد المصانع بمسطرد- طريق الإصلاح ونهج التغيير.. وهذا شيء أراه استثنائياً.. لأن الإصلاح -دائماً- مكلفٌ، وله أثمان.. مكلف للقيادة السياسية.. وأيضاً للشعب.. الدول لا تُغير أوضاعها من دون ضريبة ومن دون تكلفة.. الأسهل دائماً هو القبول بإدارة الأوضاع.. برغم أنها أوضاع فيها عوار وفيها مشكلات نعلمها جميعاً.. أما الأصعب فهو المواجهة واقتحام المشكلات.. لذلك فأنا أقول دائماً إن الرئيس السيسى اتخذ القرار الشجاع مرتين: مرة بإنقاذ مصر من مصير مظلم.. ومرة ثانية بالإصرار على نهج الإصلاح.. مهما كانت التكلفة.. بما فى ذلك تكلفة يتحملها هو شخصياً من شعبيته.. وبتعريض نفسه لحملاتٍ مسمومة تتربص به وبمصر.. لهذه الأسباب فأنا أساند هذا الرجل وأعتبر ما يفعله مشروعاً جاداً وطموحاً لتحصين مصر ووضعها على الطريق الصحيح.