من يتابع سيناريو زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ورجاله لمصر ولقاءه مع رئيس مصر المشير عبد الفتاح السيسي والقيادات التنفيذية والتشريعية والجامعية سيجد نفسه أمام حدث نادر وغني في معانيه ومضمون برامجه.
المعني الأول واللافت للنظر المدة النادرة لزيارة علي هذا المستوي لمدة خمسة أيام كاملة.
والمعني الثاني تعدد جوانب الزيارة من لقاءات علي مستوي القيادات التنفيذية للصناعة والتجارة والمال والزراعة والتعاون الدولي والتنمية بصفة عامة ليصل عدد الاتفاقيات إلي 21 اتفاقية، وكان نصيب الوزيرة المتفردة والقادرة سحر نصر 10 اتفاقيات.
والمعني الثالث هو إرادة العطاء ودعم مؤسسات العلم من جانب خادم الحرمين وكان النموذج المتفرد هو ما تم تقديمه إلي مستشفي قصر العيني لتطويره وكان 120 مليون دولار أعادنا تاريخ موقف السعودية من دعمه في الأربعينات للقصر العيني وقت الراحل العظيم عبد العزيز آل سعود، ثم جاء دور جامعة القاهرة التي لها مكانة خاصة لدي النخبة السعودية التي تعلم جزء مهم منها بهذه الجامعة في عهدها الذهبي. وكان من حظ جنوب سيناء أن يختارها الملك سلمان لبناء جامعة تحمل اسمه بمدينة الطور بدعم 250 مليون دولار.
وكان من الطبيعي أيضا أن يهتم الملك سلمان بزيارة الأزهر وإمامه الأكبر وأن يضع حجر الأساس لمدينة البحوث الإسلامية الجديدة للطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر التي سيتم تمويلها من ملك المملكة العربية السعودية. أما المعني الرابع فكان قرار إنشاء جسر بري فوق البحر الأحمر لربط البلدين وترسيم الحدود البحرية بين البلدين وهو مشروع ذو بعد استراتيجي بالغ الأهمية لأمة يربط لأول مرة في التاريخ مصر والمملكة برباط بري.
وأود هنا أن التمس من الجهات الرسمية المعنية أن توضح بصورة كاملة أبعاد والخلفية التوثيقية للربط بين جزيرتي صنافير وتيران منعا لأي لغط في تفسير هذا القرار مما يؤثر في الصورة الناصعة للعلاقات المصرية السعودية التي نحن حريصون عليها جميعا. بقي أن نقول إن نجاح الزيارة بكل أبعادها الاستراتيجية والاقتصادية والإنسانية بين الشعبين والروحانية بين خادم الحرمين مكة والمدينة وبينه وبين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية المصرية، كل ذلك كان تحديا لكيد الحاقدين.
من ينظر إلي النجاح الذي سجله الرئيس السيسي في جولاته العالمية والمكانة التي احتلها خادم الحرمين الشريفين في العالم العربي والإسلامي وغيرها من الدول، سيعطي للسيسي وسلمان مكانة قيادية دولية تسمح لهما بدور متميز عالميا ليكون ذلك لمصلحة الدول العربية.
في المرحلة التي يجتازها الآن العالم العربي والمخاطر التي تحيطه من تهديدات من جانب إيران داعشي فلا شك أن المطلوب من مصر والسعودية هو أكثر من التعاون، المطلوب هو تعاون استراتيجي وبالذات العسكري لحماية الأمن العربي وحماية الدولتين.
ويوم أن يشعر العالم الخارجي كله بوزن وآثار التحالف ستضطر الدول الكبري أن تدخل ذلك في حساباتها فأمريكا وانجلترا مثلا تحاول ممارسة بعض الضغوط أحيانا بأنواع مختلفة علي مصر بل وعلي السعودية لمحاولة إجبارها ألا تذهب في التعاون مع مصر إلي درجة التحالف وبالذات حينما يقترب من التعاون العسكري.
والغريب أن الدول الكبري في موقفها المعلن تؤكد دائما رغبة التصدي للإرهاب والتطرف، ولكن أرض الواقع هناك تساؤلات عن مدي جدية موقف الدول الكبري فهي تضرب الإرهاب أحيانا ثم تهدأ أحيانا أخري ويحتمل أن موقف فرنسا تجاه مصر والسعودية مع الرئيس هولاند يكون مختلفا عن موقف الدول الكبري الأخري لاسيما منذ لقاء الرئيس الفرنسي مع القيادات السعودية حينما ذهب إلي المملكة معزيا في وفاة الملك عبد الله وكان أيضا نفس الصدفة التي التقي فيها مع الرئيس السيسي، وليس سرا أن طموح السياسة الفرنسية كبير في التعاون الاقتصادي وبيع الأسلحة إلي المملكة السعودية من ناحية أخري.
كانت قناعة هولاند واضحة عن أهمية دور مصر في التصدي للإرهاب وسنري نتيجة التعاون بين الرئيس المصري والفرنسي عند زيارته لمصر في 17 أبريل الجاري.
وخلاصة القول إن النظرة الفاحصة لمستقبل العلاقات المصرية السعودية هي نظرة تبث الأمل في إرادة التصدي وبناء أسس تعاون متينة.