بينما كثر الحديث واللغط حول تجاوزات أمناء الشرطة وبينما تمر الدولة بحالة استثنائية من التوتر منذ ثورة الثلاثين من يونيو أتت مجددا بعض العناصر من الأمناء بحوادث تهتز لها الضمائر والقلوب وكان آخرها مقتل بائع الشاي الذي طلب أجره من أحدهم مقابل كوب من الشاي قدمه له فحدث ما حدث !
وأما اللافت في الأمر فهو تواتر مثل هذه الحوادث وتشابهها مما يعكس أمرين أولهما تنامي الفساد في دولة أمناء الشرطة يوما بعد يوم بسرعة لافتة للنظر وأما ثانيهما فهو التقاعس عن إيجاد حل حاسم لهذه الأزمة التي تهدد السلم والأمن المجتمعي وأرواح المواطنين العزل من جانب وعلاقة الجماهير بالجهاز الشرطي من جانب آخر، وذلك علي الرغم من توافر وضرورة إجراء بعض الخطوات مبدئيا كحلول عاجلة وخاصة بعدما أصبح أمناء الشرطة يمثلون عبئا ثقيلا علي كاهل وزارة الداخلية بل الدولة بشكل عام وربما يأتي في مقدمة هذا الإجراء إغلاق معهد أمناء الشرطة أو انتقاء من يصلح منهم للعمل مع إعداده مجددا لهذه المهمة وخاصة أن عقلية وثقافة بعض أفراد الشرطة - كما لا يخفي علي أحد - بحاجة إلي تغيير وتطوير جذري سواء من خلال تغيير المناهج التي يدرسونها قبل تخرجهم أو من حيث ضرورة تأهيلهم للتعامل مع الجماهير بالإضافة إلي ضرورة الإسراع أيضا في عملية إعادة هيكلة وزارة الداخلية وكذلك سد بعض الثغرات القانونية التي تفتح المجال أمام الفساد والمفسدين بإعادة ضبط التشريعات بما يتلاءم مع المرحلة والوضع الحاليين، وإلي أن يتسني تطبيق بعض هذه الخطوات أو غيرها باتجاه إنهاء هذه الحالة العبثية من تعامل بعض أمناء الشرطة مع الجماهير تطل علينا بعض التساؤلات برأسها وعلي هذا المشهد الفوضوي وتتعلق بضرورة حمل أمناء الشرطة للسلاح وضوابط استخدام هذه الأسلحة علي غرار ما يحدث في كل بلدان العالم بعيدا عن خلافاتهم الشخصية، بالإضافة أيضا إلي ضرورة وجود إرادة حقيقية لردع الفاسدين منهم وإنفاذ القانون دون تهاون أو تواطؤ، فلا يعقل بعد ثورتين كانت أولاهما بسبب ممارسات الشرطة آنذاك أن يصبح الوضع مثلما هو عليه الآن وخاصة بعدما أصبح واضحا للقاصي والداني أنها ليست بحالات فردية وإنما هي ظاهرة تستدعي الاعتراف بأننا نعاني من مشكلة حقيقية لنسرع بالقضاء عليها قبل أن تقضي هي علينا خاصة وأنها تعطي انعكاسات سلبية للوضع الأمني بمصر أمام العالم بينما نحن مازلنا نقاتل في ملف قضية جوليو ريجيني التي لم تغلق صفحاتها بعد والتي تتسبب في أزمة كبيرة هددت العلاقات المصرية الإيطالية رغم كونها علاقات استراتيجية قديمة ووثيقة غير أن الانطباع السيء عن بعض الممارسات الأمنية لدينا بمصر أمام العالم بالإضافة إلي عدم تقديم مصر لأدلة دامغة تبريء ساحتها في هذه القضية، قد طرح السيناريو المزعوم حول مقتل جوليو ريجيني علي يد قوات الأمن المصرية في محاولة لاستنطاقه في إحدي القضايا الاستخباراتية وهو ما تنفيه مصر بالطبع جملة وتفصيلا وإن كنت أري أنه إذا ما صح ذلك السيناريو فيجب معاقبة المتسبب فيه بعقوبة الإعدام لما ترتب عليه من أزمة كبيرة للبلاد في هذه المرحلة الحرجة التي لا تحتمل مثل هذه الممارسات غير المسئولة !!
ويبقي الآن التأكيد علي ضرورة ردع أي متجاوز ينتمي لجهاز الشرطة وخاصة لما يترتب علي هذا من إساءة بالغة لشهداء الشرطة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل هذا الوطن إلي جانب الإساءة أيضا للأجهزة الأمنية مما يضعها في مأزق كبير كثيرا ما يؤدي إلي إضعاف الروح المعنوية للعاملين بها مما يعوق أداءهم لدورهم الوطني في إرساء الأمن والأمان.