هو الأب الروحي للمبادئ في قلعة الأهلي، زرع مبادئ صارت راسخة ومسجلة باسمه، حتى بعد رحيله، لا لشئ إلا ﻷنه نجح فى زراعتها، ورواها بصدق، فكانت النتيجة حصاد خالد ومبهر.

من أتحدث عنه هو الراحل العظيم، مايسترو الأهلي، صالح سليم، عاش صالح سليم حياة بسيطة لا علاقة لها بالتجميل، كان عندما يتحدث تشعر وأنه جزء لا يتجزآ من كيان الأهلي العملاق، كان كائن مجرد من الهوى، موضوعي ولديه مبادئ راسخة لا تتجزأ، جعلته يعيش وكأنه جبل من الكبرياء.

مواقفه كلها كانت تصب فى دعم الأهلي ووضعه فوق الجميع بالعمل والجد والاجتهاد، وليس بالكلام والحروب الوهمية، صالح كان سليم فى قراراته، لا ينافق ولا يجامل ولا يخشى فى الحق لومة لائم، كان كارزما بكل ما تحمله الكلمة من معانى سامية وجميلة ونبيلة، كان الانتماء عنده أخلاق عاش حياته طولا وعرضا خلف الأضواء التى كانت تخلفها مبادؤه.

لم يكن صالح سليم يسعى يوما لبريق أو شهرة، كانت لديه عزة نفس تجعلك تشعر وانت تتحدث اليه وكانك تحاور ملكا أو أميرا أو سلطانا، الأهلي كان حياته، فصار هو حياة الأهلاوية ونهرهم الخالد كلما احتاروا يلجؤون إليها، ويرجعون لها حتى لا يتوهوا في خضم المعارك دون جدوى.

صالح سليم هو جبل الكبرياء الذى زرع مبادئ الاهلى ورواها وحصدها وكان من حوله رجال يحبونه ويحبون الاهلى فخرجت المعادلة الاهلاوية الصعبة الى الوجود.

11 سبتمبر 1930.. هو تاريخ ميلاد المايسترو صالح سليم، الرئيس التاريخي للنادي الأهلي، والأب الروحي لجماهيره، والذي علم معظمهم كيفية الإنتماء لحب النادي.

ويحتفل اليوم الجمعة 11 سبتمبر، جمهور الأهلي بذكرى مولد المايسترو رقم 85 ، ويتذكره الجميع بالخير ويعد يوم 6 مايو 2002هو ذكرى رحيل المايسترو، ليترك مهمة ثقيلة لخليفته حسن حمدي، الذي قاد الكيان بكل قوة وحنكة واقتدار على طريقة صالح.

ونحن فى ذكرى ميلاده اليوم هناك مواقف بارزة فى حياة المايسترو أبرزها، في عام 1995 أثناء مباراة نهائي البطولة العربية للأندية بين الأهلي المصري والشباب السعودي، غضب صالح سليم رئيس النادي الأهلي قبل بداية المباراة، لاكتشافه أن رجال الرئيس السابق حسني مبارك اختاروا له مقعدًا في نهاية الصف الأمامي من المقصورة الرئيسية لملعب القاهرة خلف الوزراء والضيوف الأشقاء من إمراء السعودية، فغضب بشدة من هذا البروتوكول التنظيمي، وقرر المايسترو الإنسحاب ومغادرة الاستاد من أجل كرامة النادى الأهلي، صاحب الحفل ومستضيف الحدث".

وعلى الفور جرت اتصالات وضغوط على المايسترو الغاضب لكنه أصر على موقفه، وانتهى الأمر برضوخ رجال البروتوكول للأصول، وجلس المايسترو بجانب حسني مبارك الذي علم بكواليس ما حدث، وطلب مصالحة رئيس الأهلي والجلوس بجواره، في الوقت الذي جلس فيه رئيس الوزراء بعيداً عن الرئيس، لينتصر الأهلي وليُثبت فيه أنه الأقوى من رئيس الجمهورية نفسه.

ورغم محاولات عبد المنعم عمارة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة وقتها رد الصفعة لرئيس الأهلي الذي أحرجه بشدة، إلا أنه فشل في ذلك.


حكاية مع نعمان و " الكورة أجوان " وبيليه


بيليه يمينا، وكابتن محمد لطيف " الكورة أجوان" في المنتصف، وعلى اليسار، المايسترو صالح سليم، أعظم رجل في تاريخ الرياضة المصرية، ويظهر فى الصورة بين المايسترو و لطيف، الراحل الكابتن عبد المجيد نعمان، الذي كان متربعا في قلب المايسترو من وجهة نظري ونظر تلاميذه ممن يعرفون.

دائما نسمع عن سانتياجو برنابيو في ريال مدريد، عن يوهان كرويف ودوره المحوري في تحويل برشلونة من مجرد نادي إلى شيء عظيم على مر التاريخ، ايضا صالح سليم في الأهلي هو الفارق، هو نقطة الاختلاف بين كبير القارة، وبين الآخرين على حد سواء.

يتحدث الجميع عن المقارنة المستمرة، من الافضل، بيبو ام تريكة؟ حقا هذا الثنائي هو الأفضل تاريخيا بالقلعة الحمراء، لكن المايسترو أشمل من الجميع، لاعبا، مدربا، ادرايا، مديرا، رئيسا، زعيما، وبكل تأكيد ابا روحيا لملايين المشجعين والمجاذيب، داخل نادي يعتبره عشاقه، "دولة داخل الدولة"، ويؤكد أنصاره أن قيمته وإسمه سيظل فوق الجميع، مهما كانت الاحداث وامواجها.

ورثت حب هذا الراجل، واشياء اخرى، من الراحل الكابتن عبد المجيد نعمان شيخ شيوخ النقاد الرياضيين و أحد أبرز أعمدة الاهلى على مر العصور .

نعمان الرجل الذي ظل عمره كله وأفناه يعمل ويحكي ويدافع عن عشق هذا الكيان، عن مغامراته من بلد إلى بلد خلف الاهلي، عن وقوفه فوق اعلى نقطة في ستاد القاهرة، لمشاهدة الاهلي وهو يتلاعب باباطرة المانيا، وقت ان كان المونشنجلادباخ هو سيد تلك الملاعب في بلاد الصناعة الاوروبية..وبكل تاكيد، كان "المايسترو" هو بطل رئيسي في مختلف القصص والحواديت.

الراحل نعمان الذى كان مع المايسترو وجهان لعملة واحدة، عاشا سويا وماتا سويا حبا فى الاهلى ،كان يفتخر دائما بانه "صالحاوي" قبل ان يكون "اهلاوي"، كانت هذه الكلمة تستفزنى وهو يتحدث عن صالح وكأنه الحبيب الاوحد ، الكيان قبل كل شيء، صالح ونعمان كان يؤمنان بهذه الحقيقة ومع ذلك قصة حبهما ووفائهما لبعض لا يختلف عليها اثنان .

الراحل نعمان كانت الدموع تكاد تغلبه عندما يتحدث عن المايسترو ، ونفس المشاعر كان يبادله بها المايسترو وأنا شخصيا شاهدت ذلك فى أكثر من موقف، كل واحد منهما كان على يقين دائم بأن نصفه اﻵخر لن يتكرر، وبرحيلهما عن الحياة ومن ثم المشهد الرياضي ككل، اختفى أكبر قالب رومانسي بين اثنين اجتمعا على التعصب للأهلي والدفاع عنه وعن مبادئه، وهل هناك حب أعظم من أن يكتشف الجميع أن نعمان كان يتبرع للأهلي بنصف راتبه الشهرى .

في الإسكندرية أمام الاتحاد، جمهور سيد البلد يهاجم الاهلي، والحجارة في كل جانب على الدكة، صالح مدير الكرة لم يقف مكتوف الايدي، بل قام من مكانه وذهب كالأسد الذي يزأر لحماية عرينه دون خوف،

في البطولة العربية بمنتصف التسعينات، تحدى صالح زبانية الرجل الكبير، وأصر على الجلوس في مقدمة الصفوف، لأنه رئيس أكبر واعرق نادي في الشرق الاوسط، والكل ضيوفه، بما فيهم الرجل الكبير!

كرة القدم بالنسبة للجمهور أسلوب حياه، يعتقد البعض انهم يبالغون حينما يعلنون ذلك ، لكن صالح سليم سبق الجميع إلى الى هذه الحقيقة، لذلك كان يقول لى الكابتن نعمان الذى شرفت بأن تعلمت منه الكثير فى عالم الصحافة : لا أنسى مقولة صالح سليم الشهيرة إلى لاعبيه :"الفانلة الحمرا دي لون دمك، لازم تموت عليها"!.

رحل صالح سليم عن عالمنا، لكنه بقى بالنسبة للاهلاوية ، الجانب المشرق الذي ربط غالبيتهم المطلقة ابديا بالانتماء الى قلعة الجزيرة، دائما وابدا، وحتى اخر العمر..ورحل ايضا نعمان الذى علمنا مبادئ لا يمكن ان ننساها لأنها صارت جزء لا يتجزأ من حياتنا المهنية والعملية، رحل نعمان كمدا وحزنا على المايسترو، بعد أن سمع أنه مات اكلينيكيا فى لندن والحقيقة انه كان على قيد الحياة .رحل نعمان ألما وحزنا على صالح سليم، وكانت المفارقة أن استعدادات الأهلي لتابين المايسترو، وأقيمت لنعمان قبل أن يلحق به صالح بعد أيام من وفاته، مات نعمان ولم يكن يعلم ان صالح سليم مازال على قيد الحياة ..رحل المايسترو ونعمان دون ان يودع كلاهما الآخر بعد حياة كان شعارها الوفاء لفارسين من ابرز فرسان الأهلي على مر العصور.
صالح سليم، القائد ، خيرة الرجال ،الاب الروحي، ياما ضحى للكيان، وفي حب النادي الأهلي، كان بيعلم أجيال..في الجنة يا مايسترو ويا نعمان.