أفكار متقاطعة

الإهمال أخطر

سليمان قناوى
سليمان قناوى

كثيرا ما تحفظت على تعبير «الفساد والإهمال أخطر من الإرهاب» حتى رأيت أهوال بروفة يوم القيامة فى تفجير مرفأ بيروت، الذى نتج عن أهمال أو نسيان أو تناسى 2750 طنا من نترات الأمونيوم صنع قنبلة نووية صغيرة قتلت 177 شخصا وجرحت حوالى 6000 فضلا عن انهيار وتهدم وخلخلة أساسات نصف مبانى بيروت. ولو اجتمعت قوى الإرهاب فى المنطقة كلها، ما استطاعت أن تفعل هذه الجريمة النكراء. أخطر ما أدى إليه الانفجار هو الانهيار التام فى ثقة غالبية اللبنانيين فى قياداتهم وأحزابهم من أكبر مسئول حتى خفير المرفأ. «بالمفتشر كده» طالب كثير من اللبنانيين الذين رافقوا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خلال زيارته للبنان بأن يأتى بجنوده ليحتلوا لبنان لأن ما فعله الفاسد المحلى من انهيار اقتصادى ( الدولار بـ 8500 ليرة) ومجاعة ضربت الكل فقراء وطبقة وسطى وخواء سياسى تمثل فى وقوع قرارات الدولة فى يد الميليشيات المسلحة وتحكمها فى كل شيء سواء ميليشيات حزب الله أو حزب الكتائب، ما فعله الفاسد المحلى كان أسوأ فى ظن الكثير من اللبنانيين من المستعمر الفرنسى (مش هيخربوا بيتنا أكتر مما خربه مسئولونا). اليأس والإحباط الذى ضرب معظم اللبنانيين من استحالة الإصلاح فى بلد لم يهتم فيه بعض قيادات لبنان إلا بسرقة المال العام وتهريبه للخارج أوصلهم إلى التفكير بجلب المحتل الفرنسى مرة أخرى بعد 77 عاما من الاستقلال (استقل لبنان عام 1943) يريدون إعادة اتفاقية سايكس بيكو للحياة. فهل كانت السنوات الثلاث والعشرون للاحتلال الفرنسى للبنان (من 1920 إلى 1943) كلها هناء والسنوات الـ77 للاىستقلال كلها تعاسة. جيل الستينات من اللبنانيين يقولون إنهم لم يعيشوا سوى الحرب الأهلية عام 1975 ثم الاحتلال الإسرائيلى لبيروت عام 1982 فالاحتلال السورى للبنان منذ 1985 حتى 2005، فالعدوان الإسرائيلى 2006، كل ذلك وسط الغارات والمذابح الإسرائيلية مثل قانا وغيرها. وهكذا كان لبنان يخرج من حرب أهلية ليدخل فى حرب مع إسرائيل، أما النخبة الحاكمة فكانت لاهية عن الاهتمام بالشعب اللبنانى وإعمار البلد باستثناء رفيق الحريرى الذى استكثروا عليه هذا الدور فاغتالوه. يحتاج لبنان اليوم إلى وقفة من حكماء يخلعون رداء الطائفية عند النظر لمصلحة البلد حتى يتحقق الحكم الرشيد بعيدا عن المحاصصة الطائفية التى لم تورث لبنان إلا نكدا.