حديث الأسبوع

كورونا .. هل يدفع الصغار الثمن ؟

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

ليس بمقدور أى جهة، و لا حتى مجموعة خبراء و متخصصين ، حصر لائحة مغلقة بأسماء القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية التى طالها الضرر الكبير جراء تداعيات انتشار فيروس كوفيد 19 المستجد فى العالم، لأن الأضرار هذه المرة كانت بليغة و عميقة ومكلفة، كما أن القطاعات الاقتصادية التى لم يطلها الضرر كانت جد محدودة يمكن عدها على رؤوس الأصابع ، بيد أن الغالبية الساحقة من باقى القطاعات الاقتصادية ، من انتاجية وصناعية و فلاحية وخدماتية، تكبدت خسائر فادحة تكاد تكون غير مسبوقة، بل إن كثيرا من وحدات الانتاج و الشركات الكبرى واجهت لحظات عصيبة جدا انتهت ببعض منها إلى السكتة القلبية. و يجمع المراقبون والمتخصصون و الخبراء على أن الصدمة التى تعرض لها الاقتصاد العالمى لم تكن مسبوقة بالمرة، حتى لو قارناها بما حصل سنة 1929 أثناء الأزمة المالية، أو فى سنة 1918 بسبب انتشار الوباء الفتاك فى إسبانيا، والذى أزهق أرواح الملايين من الأشخاص، و لا الأزمة المالية لسنة 2008، التى هزت عروش الأوساط المالية و المصرفية فى العالم، ببساطة كبيرة، لأن حجم الاقتصاد العالمى الحالى يتجاوز بكثير حجم الاقتصاديــات التى تعرضت للأزمات السابقة الذكــر، و لأن القيمة المالية للرواج الاقتصادى المعاصر لا يمكن مقارنته بنظيره خلال الأزمات السابقة .
ربما لم يسبق فى تاريخ البشرية أن اختبأ حوالى ربع سكان العالم فى جحورهم خوفا من العدوي، التى كانت تتجول بكل حرية و أريحية و ثقة فى الفضاءات العامة و الخاصة، المغلقة منها والمفتوحة ، و تتسلل إلى البشر بسرعة مذهلة، و فى ظروف غاية فى الغموض و الالتباس، امتثالا لقرارات اتخذت فى كثير من الأحيان صفة القانون الذى يترتب جزاء عن مخالفته، و بذلك خضع العالم بأسره لحالة عزل أو فرض قيود متشددة على حرية التجول و التنقل، وهذا كان كافيا لدخول العديد من القطاعات الاقتصادية غرف الإنعاش المركز،طالبة من الحكومات إسعافها بكميات الأوكسجين اللازمة للبقاء على قيد الحياة، و لم يكن هذا الأوكسجين غير ضخ المبالغ المالية، التى تساهم فى إعادة الدورة الدموية إلى طبيعتها فى جسد كل قطاع .
فى خضم كل هذه التداعيات الخطيرة، و التى لم تميز بين الصغير و الكبير، و بين القوى والضعيف ، تنامت و تزايدت مخاوف حقيقية متعلقة بمصير الأمن الغذائى فى العالم، لأنه من غير المنطقى ألا تكون لكل هذه التداعيات تأثيرات مباشرة على أوضاع الغذاء فى العالم، بل الأكيد،أن سلاسل إنتاج الغذاء العالمى وسبل توزيعه و تسويقه ستتعرض لإكراهات وصعوبات كبيرة و صعبة للغاية . وستطال هذه الإكراهات تخوف العديد من الدول المصدرة لمكونات هذا الغذاء من تزايد الإقبال، مما سيفرض عليها التخفيض من حجم الصادرات ، كما أن تكاليف النقل و التأمين و الرسوم الجبائية التى يرشحها معظم المختصين إلى الارتفاع، و توقف عمليات الانتاج لفترة تجاوزت أربعة أشهر فى بعض المناطق سيقلص من حجم المحاصيل و المنتوج . ولذلك كله و غيره كثير ، فإن التعبير عن الانشغال بمصير الوضع الغذائى العالمى خلال المدى المنظور والمتوسط له ما يبرره . و لذلك نتفهم دواعى خروج برنامج التغذية العالمى عن صمته فى هذا الصدد، حيث أكد فى تقرير أصدره قبل أيام قليلة من اليوم « أن 270 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائى قبل نهاية هذا العام»، موضحا فى هذا الصدد، أن هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 82 بالمائة عما كان عليه الوضع قبل تفشى جائحة كورونا . بمعنى أنه من التداعيات المباشرة لانتشار هذا الوباء، أن أعداد الذين يواجهون خصاصا فى أمنهم الغذائى تضاعفت بشكل مهول. والأدهى من ذلك، أن انتشار هذا الوباء كان سببا رئيسيا فى العبث بخريطة الأمن الغذائى العالمي، ولعل هذا ما يتجسد فى التصريح الذى أدلى به المدير التنفيذى لبرنامج الأغذية العالمى السيد ديفيد بيزيل فى بيان خاص، حينما أكد أن « فيروس كورونا يؤثر على مناطق فى العالم كانت قد نجت سابقا من انعدام الأمن الغذائى، وأن الخطوط الأمامية فى المعركة ضد فيروس كورونا بدأت تنتقل من العالم الغنى إلى العالم الفقير»، و فى هذا التصريح مؤشرات لاتخلو من خطورة بالغة، لأن انتقال المعركة من دول تتوفر على ما يكفى من الأسلحة لخوض هذه المعركة حسب رهانها، على دول لا تملك من السلاح غير الدعاء لتنجو من الوباء، يمثل عنوانا بارزا لمرحلة مقبلة قد تكون الأسوأ فى تاريخ البشرية . وفى التفاصيل يؤكد المسؤول الأول فى برنامج الأغذية العالمى «أن بلدان أمريكا اللاتينية تعانى من أسوأ آثار الأزمة الصحية الحالية ، مع ارتفاع بنسبة ثلاثة أضعاف تقريبا فى عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الغذائية، كما يشهد غرب و وسط إفريقيا تزايدا فى عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع، و كذلك الحال فى منطقة جنوب أفريقيا التى شهدت ارتفاعا بنسبة 90 بالمائة».
إننا نستنتج من كل ما سبق ، أن العالم سيكون أمام مرحلة جديدة يمكن أن نسميها مرحلة التوزيع العادل للنقص فى العرض الغذائى فى العالم، أو ما يمكن أن نصفه بإشكالية التدبير العادل لتراجع حجم المنتوج الغذائى فى العالم، الذى قد يصل إلى مستوى الجوع فى بعض المناطق، بينما لا يتجاوز نقصا طفيفا فى منتوجات قليلة و معدودة فى مناطق أخرى من العالم، و سنكون أمام وضع شاذ ترتب عن أزمة طارئة يجبر الصغار على دفع الفاتورة.