فى الصميم

حرب الكمامات!!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

فى سباق الأرباح، وفى ظل العولمة، رأت الدول المتقدمة أن تركز جهدها على الصناعات الدقيقة التى تعتمد على التكنولوجيا المتفوقة، وأن تترك الكثير من الصناعات التقليدية التى تحتاج للعمالة الكثيفة للدول النامية وخاصة فى آسيا. وهكذا انتقلت مصانع الملابس والأحذية والأجهزة المنزلية ثم السيارات وغيرها لتصنع نهضة اقتصادية هائلة فى هذه الدول النامية، بينما اكتفت شركات عالمية كبرى بوضع اسمها على ما ينتج فى هذه الدول وتحقيق أرباح طائلة، وتفرغت دول الغرب لسباق التكنولوجيا والصناعة المتقدمة.
مع أزمة «كورونا» كانت إحدى الصدمات التى واجهتها الدول المتقدمة أنها وجدت نفسها عاجزة عن توفير أبسط المستلزمات الطبية المطلوبة لمواجهة الفيروس الشرس. الدول التى تتنافس على زعامة العالم وقفت تبحث عن كمامة طبية أو جهاز للتنفس الصناعي. وصل الأمر إلى أن يهدد ترامب من يقف فى طريق حصوله على الكمامات والأجهزة بالعقاب القاسي!! وأن تقوم حرب عصابات  تستولى فيها دول مثل تركيا بطريق القرصنة على شحنات الأدوات الطبية المرسلة لدول أوربية، وأن تشكو ألمانيا رسمياً من وقوف الأمريكان بالشيكات الجاهزة فى مطارات الصين يعرضون ثلاثة وأربعة أمثال الثمن للاستيلاء على المعدات الطبية!!
فى أوروبا كان الدرس قاسياً. الآن يتحدثون عن ضرورة تغيير السياسات التى أدت بهم إلى هذا الانكشاف المريع فى أزمة كورونا. الرئيس  الفرنسى ماكرون تحدث عن أهمية استعادة استقلال فرنسا فى مجال انتاج الأجهزة الطبية لتصنع ما تحتاجه المواجهة. فى ألمانيا يصرخ نائب المستشارة ميركل بأنهم فى حاجة لمليارات الكمامات فى وقت يتسابق الجميع  على شراء ما تنتجه الصين والدول الآسيوية، طالباً بضرورة إعادة توطين إنتاج المعدات الطبية الضرورية لأوروبا حتى ولو كانت ستكلف أكثر، حتى لا يتكرر ما يحدث الآن.
العالم كله سيغير سياساته الصحية بعد كارثة «كورونا».»حرب الكمامات» تكشف أنه لا يمكن مطلقاً أن يستمر التعامل مع الدواء والأجهزة الطبية بمنطق الربح وحده. الدرس كان - ومازال - قاسيا، والنتائج ستغير الكثير فى عالم الغد القريب.