أمنية

محمد سعد يكتب.. ترانيم الوداع

محمد سعد
محمد سعد

أكتب إليكم من إيطاليا، أعنى أننى أكتب إليكم من مستقبلكم، نحن الآن حيثما ستكونون فى غضون أيام قليلة، فمخططات الجائحة تبيِّن أننا جميعا متضافرون فى رقصة متوازية.


هكذا كانت افتتاحية الرسالة التى وجهتها الروائية الإيطالية الشهيرة فرانشيسكا ميلاندرى، لسكان العالم أجمع، والتى وصفت فيها المشاهد التى أصبحت معتادة الأن ربما فى شتى انحاء المعمور، واسترسلت فرنشيسكا فى وصفها لمجريات الأحداث وتدهورها فى محاولة ربما تكون بائسة لمواجهة خطر فيروس كورونا.


فتجدها تقول وكأنها تقرأ الطالع أو تفتح المندل كل ما فى الأمر أننا متقدمون عليكم بخطوات قلائل على طريق الزمن،، نشاهدكم إذ تتصرفون مثلما سبق أن تصرفنا تماما، تتمسكون بالحجج التى تمسكنا بمثلها حتى وقت قريب منقسمين بين من يقولون "ما هى إلا إنفلونزا عادية ومن فهموا بالفعل"، نشاهدكم من هنا من مستقبلكم، نعرف أن كثيرا منكم، استشهدوا، وقد قيل لكم الزموا بيوتكم.


وتتابع فى حسرة: ستشتاقون إلى أبنائكم كما لم تشتاقوا إليهم من قبل، وإدراككم أنكم قد لا ترونهم مرة أخرى سيكون أشد عليكم،ستبدو المشاحنات والعداوات القديمة تافهة، ستتصلون بمن سبق وأقسمتم ألا تتحدثوا إليهم ما حييتم لتسألوهم "ما الأخبار؟"، وستسألون أنفسكم أهكذا تنهار المجتمعات بهذه السرعة؟، ستضحكون وتضحكون كثيرا، ستستعرضون قدرات كوميدية سوداء لم تعرفوها فى أنفسكم من قبل، سوف تتأملون عبثية الحياة والكون، وكل شيء، وستحصون كل الأشياء التى لستم بحاجة إليها.


وتختتم فرانشيسكا رسالة نهاية العالم أو ترانيم الوداع الأخيرة بقولها: هذا ما نعرفه عن مستقبلكم وليس هذا إلا تنبؤا بسيطا، فما أضألنا من عرافين ولو مددنا أبصارنا إلى المستقبل الأبعد، إلى المستقبل المجهول لكم ولنا، فليس بوسعنا أن نقول إن العالم لم يعد مثلما عهدناه.


أعتقد أن الروائية الإيطالية لم تكتب بحبر القلم ولكنها كتبت بدم القلب أو بدمع العين فهى وصفت وبدقة متناهية المشاهد اليومية لأغلب سكان الأرض على اختلاف طبقاتهم وجنسهم ونفوذهم، وللحق لم تكن فرانشيسكا الوحيدة الصادقة فى وصف المشهد المؤلم ولكن كثيرا من المسئولين فى أوروبا تبعوها أوسبقوها بمثل هذه الكلمات، وقبل رسالتها المؤثرة بأيام أطل علينا رئيس وزراء ايطاليا ويبدو عليه التحطم وهو يقول انتهت حلول الأرض وننتظر معجزة السماء.


ولم يكن رئيس وزراء ايطاليا المسئول الوحيد الذى صدر عنه مثل هذه الحقائق الصادمة والصادقة فى أغلب الأحيان، ولكن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون كان أكثر جرأة وأشد وضوحا بتصريحات أثارت ذعر العالم أجمع، قائلا: على الجميع الاستعداد لفقدان أحبائهم قبل الأوان، كما وصف الوباء العالمى بأنه "أسوأ كارثة صحية للجيل".


مسك الختام


الحقيقة المؤكدة الآن ان الحياة أقصر مما نظن وأطول مما نحب، فلا يمكن لأحد أن يتصور حجم الكارثة إلا إذا كان طرفا فيها، كل ما عليك الآن وأنت تفكر بكل شيء فكر بالله، ستعرف أنك كنت تائها فى صحراء الوهم،فما نحياه وهم وعند الله اليقين، فان الله لطيف بعبادة، انها الترانيم الأخيرة وربما هى ترانيم الوداع.