دلالات اعتذار «الحويني»| كيف أفسدت السياسة شيوخ الفتاوى؟

الشيخ أبو إسحاق الحويني
الشيخ أبو إسحاق الحويني

- «نعيم»: تراجع الحويني تغيير «جلد» ليتوافق مع التوجه الجديد للسعودية

- «أبو سكين»: التخصص العلمي أساس الفتوى والترخيص من المؤسسة الدينية

- خبير بالحركات الإسلامية: شيوخ الوهابية يكفرون الأشاعرة والصوفية ويتلقون تمويلًا

- أستاذة علوم سياسية تكشف دور عالم الدين في الدولة الحديثة.. وموقعه من السلطة

 

أثار مقطع فيديو للشيخ أبو إسحاق الحويني يعلن فيه تراجعه واعتذاره عن بعض الفتاوى التي أصدرها خلال مرحلة مبكرة من حياته؛ جدلا واسعا في المجتمع المصري وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتذر الحويني، عن فتاوى متشددة وأخطاء علمية وأحكام شرعية أفسدت حياة الكثيرين، متمنيا لو تأخر في إصدار بعض كتبه، مؤكدا أنه كان يضع بصمته عليها ليثبت أنه محقق وإمام كبير، معترفا بكونه يحب الشهرة وأفتى من أجلها.  

«بوابة أخبار اليوم» تطرح التساؤل كيف أفسدت السياسة شيوخ الفتاوى؟.. وتناقش مع الخبراء وظيفة عالم الدين في الدولة المدنية الحديثة، وعلاقته بأجهزة ومؤسسات الدولة، وأين موقع عالم الدين في حالة الصراعات والخلافات السياسية؟ وما المسافة الآمنة التي يجب أن يتخذها بين عموم الناس وبين أهل السلطة والنفوذ؟ وهل هناك علماء بنوا مضمون خطابهم ومواقفهم على ولاءات سياسية؟

تغيير «جلد» ليتوافق مع السعودية

في البداية يقول الشيخ نبيل نعيم، الخبير فى حركات الإسلام السياسي والقيادي السابق بتنظيم الجهاد، إن  الشيخ أبو إسحاق الحويني ليس عالما، ولم يعترف به أحد من العلماء، وليس دارسا للعلوم الشرعية أو تخرج من إحدى كلياتها، وهو يعتبر من الهواة ومن هم على شاكلته، وهو يتبع المدرسة الوهابية التي نشأت في السعودية والتي بدأت المملكة تواجهها.

وتابع «نعيم»، تصريحاته لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن المدرسة الوهابية أنفقت على شيوخ السفية أموال ضخمة لنشر الفكر الإرهابي المتطرف التكفيري، موضحا أنه سَمع فيديو الشيخ الحويني الذي أثار الجدل الكبير، حيث تراجع فيه بطريقة خبيثة ولم يعتذر عن الشباب الذين أضلهم وأقنعهم بالذهاب إلى سوريا، ولم يعتذر عن دعم جماعة الإخوان أو تنظيم «داعش».

وكشف أن تراجع شيوخ الدعوة الوهابية بسبب رغبتهم في تغيير «جلدهم» بعد مجيء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي بدأ يحارب الدعوة الوهابية، وهذا تغيير للتوجه و«الجلد» لكي يتناسب مع التوجه الجديد للإدارة السعودية الجديدة.

تكفير للجميع

وأكد أن شيوخ الوهابية ليسوا علماء دين وإنما أفتوا وأضلوا شباب كثيرين وهم يكفروا الحكام ويكفروا أهل السنة والجماعة من الأشاعرة ويكفروا أيضا الصوفية، موضحا أن هؤلاء أداة من أدوات الدعوة الوهابية التي انتشرت في معظم بلدان العالم فيما يُسمى بالمراكز الإسلامية وحاليا بدأت أوروبا تتفهمهم وتحارب وجودهم.

عالم الدين والدولة الحديثة

وقالت الدكتورة حنان أبو سكين، أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الدولة الحديثة لها مؤشرات هي؛ الدستور والذي ينص على الفصل بين السلطات، والمواطنة وهي تشمل علاقة المواطن بالدولة وله حقوق فيها وواجبات، واحتكار الدولة لوسائل استخدام العنف الشرعي وفقا للقانون وهي الشرطة والجيش وعدم تكوين ميليشيات مسلحة أو انتشار السلاح، والتزام الدولة بتقديم الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم.

وتابعت «أبو سكين» حديثها لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن الدين في الدولة الحديثة موقعه «المجال الخاص»، أما المجال العام فأساسه الحريات العامة والحقوق والواجبات وفقا للدستور، وعالم الدين موقعه في المسجد أو الكنيسة، ويوضح وجهة نظر الدين في العبادات والمعاملات، ويوضح الحكم الشرعي في أمور حياتنا، والمواطن حر يختار أن يكون متدينا والتنفيذ من عدمه، والدولة غير مسئولة عن دخول المواطن الجنة أو النار، وليس من وظيفة الدولة الحكم على الأفراد أو إجبار الناس على تنفيذ تعاليم الدين.

وأشارت إلى أن الدولة مسئولة عن توفير الخدمات والسلع، مؤكدة أن حرية العقيدة شرط من شروط الدولة الحديثة وكذلك حرية ممارسة الشعائر والعبادات، لافتة إلى أن المجال العام يتسع للجميع.

تنظيم الإفتاء

وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أنه إذا كان غالبية الدولة من المسلمين فلا مانع من وجود مؤسسات دينية (كالأزهر والأوقاف والإفتاء) على ألا تتدخل المؤسسة الدينية في السياسة، ولكن مجالها هو المجال الخاص (الأمور الدينية وبيان دين الله)، فلا توجه الناس لانتخاب تيار محدد.

وشددت على ضرورة أن يكون هناك قوانين وقرارات تنظم من يتصدر للإفتاء والدعوة، موضحة أن شيوخ السلفيين لا يتبعون المؤسسات الدينية الشرعية في الدولة، مضيفة أن الدولة تركت لهم الساحة بعد ثورة 25 يناير ما تسببوا في إشعال فتن طائفية في محافظات عدة.

وأكدت «أبو سكين»، أن الذي يتصدر للفتوى والدعوة يجب أن يكون متخصصا حاصل مؤهل في ذلك ولديه تصريح من الأزهر أو الأوقاف بممارسة الإفتاء والدعوة، وكذا تخصص التخصص في مجال الدين كأن يكون شيوخا للمواريث أو المعاملات أو العبادات أو التجارة.

عالم الدين والصراعات السياسية

واستطردت أنه في حالة الخلافات والصراعات السياسية، فلا موقع ولا دور لعالم الدين في تلك الخلافات وفقا للدولة الحديثة، وإذا مارس دور سياسي يجب محاسبته فدوره عدم التدخل في السياسة، ولكن دوره يقتصر على التوعية بأن الفتنة حرام وإراقة الدماء حرام والتكفير مخالف للشرعية، وليس من دوره أي إسقاط على تيار سياسي، لافتة إلى أن مفهوم الدولة الحديثة جاء للتخلص من سلطة الدولة الدينية في أوروبا حيث كانت الكنيسة مسيطرة على السياسة وتملك صكوك الغفران، ولذا تم فصل الدين عن المجال العام.

وأشارت إلى أن الصراعات الطائفية والحروب في المنطقة العربية سببها توظيف تيار الإسلام السياسي لأغراض خاصة، مشيرة إلى أن انتشار تنظيم «داعش» في سوريا والعراق بسبب الفتاوى المتطرفة.

عالم الدين وأهل السلطة

ولفتت إلى أن عالم الدين يجب ألا يقترب من أهل السلطة والنفوذ حتى لا يفقد ثقة الناس فيه وتوظفه السلطة لأغراض سياسية، ولكن يتعامل من السلطة بشكل مؤسسي، موضحة أن المؤسسات الدينية مستقلة طبقا للدستور مثل القضاء وتصدر الأحكام الشرعية والفتاوى باستقلالية.

عالم الدين والولاء السياسي

وأكدت أستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن بعض علماء الدين يميلون إلى إصدار فتاوى متشددة لخلق شعبية كبيرة لهم لأن الناس تدرك أن صحيح الدين هو الاعتدال، مضيفة أن هناك علماء دين في مصر بنوا مضمون خاطبهم على ولاءات سياسية.

أضرار لا تراجع عنها

وأوضحت أن الأفكار المتطرفة لم تعالج في وقتها وتضررت منها شعوب كثيرة، وحتى إذا تراجع عالم الدين عن فتوى متطرفة، لكنها تكون انتشرت واقتنع بها كثيرون.