مصر الجديدة :

متحف للسينما.. تعبنا

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

لن أتحدث عن تاريخ السينما فى مصر فما أكثر ما كتبت، وفى كتابى « أنا والسينما « الكثير. سأتحدث عن حلم تحدثت فيه كثيرا وكتبت، وتحدث وكتب السينمائيون من نقاد وكتاب وممثلين كثيرا حتى أصابنا اليأس. كيف لبلد كانت هوليوود الشرق بدأت فيها السينما منذ أكثر من مائة سنة، وعُرض فيها أول فيلم سينمائى للأخوين لوميير فى الإسكندرية بعد عرضه فى باريس عام 1895 بثلاثة أشهر، ثم صارت مكانا لنفس الأخوين لعمل فيلم سينمائى عن ميدان القناصل - المنشية - وبعدها تتالت المظاهر السينمائية من مجلة كانت الأولى فى الشرق الأوسط باللغة الفرنسية، إلى ستوديوهات تصوير، إلى انجذاب كبير للجاليات الأجنبية للإخراج والإنتاج ومعهم المصريون، إلى بعثات لدراسة السينما والتمثيل، إلى طلعت حرب وأكبر تأسيس للسينما كفن واستوديوهات. كيف لهذا البلد الذى مرّ عليه عظماء فى الإخراج والتمثيل والسيناريو والموسيقى التصويرية والانتاج ألا يكون به متحف للسينما يحتوى على روائع الأفلام فى قاعة، وعلى تراث الراحلين، وعلى ما تبقى من ملابس وديكورات لا تتكرر لابد أنها موجودة فى الاستوديوهات المتفرقة التى ضاع بعضها ويعانى ما بقى منها من قلة الانتاج. أكتب هذا الكلام يائسا كما كتبت من قبل مع كل مرة نفقد فيها فنانا عظيما فى هذا المجال. المناسبة هذه المرة هى الخبر الذى تم تداوله عن بيع مقتنيات الفنان الرائع أحمد زكى من قبل أخيه وريثه الوحيد. ليس لى علاقة بما جرى، وهل هو خطأ أو صواب، لكن سمعت كالعادة أن وزارة الثقافة ستتحرك لإنقاذ ما يمكن انقاذه، وأنا لا أعرف كيف، ولقد سمعت هذا من قبل بعد وفاة مغنى الأوبرا والفنان العظيم حسن كامى الذى بيعت مقتنياته الثرية. متى ننتهى من هذا الجدل وتقرر الدولة إقامة متحف للسينما ما دامت الدولة تتباهى بأن لديها وزارة للثقافة. ما هى المشكلة؟ أنا لا أعرف، لأنى على يقين أنه لو تم تخصيص قطعة أرض كافية لذلك، وفُتح باب التبرعات من رجال الأعمال ومن الشعب، تستطيع الوزارة، أو الدولة، أو ما تشاء، أن تنجز هذا العمل العظيم، الذى مهما تم صرف أموال فيه يمكن استعادتها بتذاكر الدخول والزيارات مع الوقت، فما بالك إذا فتح باب التبرعات، فلن تخسر الدولة الكثير إن لم تكن ستخسر شيئا أصلا. هذا عمل لا يستطيع أن يقوم به القطاع الخاص، ولا رجال الأعمال، لأنه ستقف أمامهم ألف مشكلة من نوع مصادر المشتريات والمقتنيات وغير ذلك من أمور توقف حال أى مشروع خاص فضلا عن أنه مشروع الدولة بالأساس، المتاحف ليست مجالا للاستثمار المادى لكنها أعظم مكان للاستثمار الروحى. وهكذا حين تضطلع الدولة بالمشروع تختلف القصة، والتبرعات ليست ممنوعة، فنحن نرى إعلانات كل يوم عن تبرعات للمستشفيات وغيرها من الجمعيات الخيرية. يا سادة يا كرام بيعت أفلامنا إلى قنوات خارجية ولا تزال، لكن يمكن أن يكون لدينا نسخ مصورة من كل الأفلام حتى ولو غير أصلية وما جرى قد جرى. لن أدخل فى التفاصيل لكن والله بعيدا عن عظمة ما قدمته السينما المصرية، فإن صور الممثلين والمخرجين والمنتجين والمغنين وغيرهم وحدها، يمكن أن تجعل جدران أى مكان قطعة من الجنة، فما بالك حين تكون هناك قاعة للأفلام التجريبية، وقاعة لبقية الأفلام، وقاعة لأفضل مائة فيلم، وصور من السيناريوهات، ونسخ من الكاميرات قديمها وحديثها، وبقايا الأزياء المستخدمة والإشارة إلى من نفذوها، وغير ذلك مما يجعل المتحف جنة حقيقية. يا مصر ربنا يخليكى اسمعى كلامى مرة زهقت.