خبير آثار: مصر وجهة الحجاج المسيحيين منذ 1600 عام

مصر كانت واستمرت وجهة الحجاج المسيحيين منذ 1600 عام
مصر كانت واستمرت وجهة الحجاج المسيحيين منذ 1600 عام

مصر كانت واستمرت وجهة الحجاج المسيحيون منذ القرن الرابع الميلادى حين إنشاء القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين لكنيسة العذراء مريم بجوار شجرة العليقة المقدسة بالوادى المقدس طوى وحجت إلى سيناء ومن وقتها أصبح الطريق التي اتخذته من أوروبا إلى سيناء ومنها إلى القدس طريقًا معروفًا للحجاج المسيحيون مستمر حتى الآن.

وأكد خبير الآثار د. عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء، لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن مباركة بابا روما مؤخرًا لمسار العائلة المقدسة كطريق للحج مختص بمسار العائلة المقدسة من رفح إلى الدير المحرق وهو طريق مختلف عن طريق الحج المعروف إلى مصر منذ القرن الرابع الميلادى وإن كان يشترك معه فى المسافة من رفح إلى الفرما وبهذا تكون مصر وجهة حجاج مسيحى العالم من كل الطوائف فى طريقين مباركين طريق الحج القديم ومباركة مسار العائلة المقدسة مؤخرًا.

وأوضح «ريحان»، أن أغلب المسيحيين الذين يذهبون إلى القدس يضعون مصر وسيناء فى برنامجهم وقد وصلتنا كتابات عديدة للمرتحلين المسيحيين إلى القدس عبر العصور فبين أعوام (381 384م) حيث جاءت الراهبة إجيريا أو إثيرى (كما ذكرت بعض المراجع) قادمة من أوروبا إلى منطقة الجبل المقدس بسيناء عازمة على اتخاذ نفس الطريق الذى سلكه بنو إسرائيل فى رحلة الخروج من مصر إلى فلسطين عبر سيناء.

وأضاف «ريحان»، علي تسمية سيناء وتطلق إثيرى على مجموعة من الجبال من بينها جبل الشريعة أو جبل سيناء وهو جبل موسى الحالى 2242م فوق مستوى سطح البحر ووصفت صعودها إلى جبل موسى فقالت أنها وجدت على قمته كنيسة صغيرة حيث أقيم قداس تلاه توزيع خيرات الله على شكل فواكه من إنتاج منطقة الجبل المقدس ويستدل من كتابات إثيرى على أن هذه الرحلة كانت شاقة وكثيرة التكاليف لا يقدم عليها إلا الشخصيات الكبيرة ذو النفوذ الواسع والمال الوفير.

ويتابع «ريحان»، أن من بين هؤلاء الحجاج المشهورين بوستوميان وهو من أهالى ناريون بجنوب فرنسا حيث حج إلى مصر عام 400م بعد أن عبر البحر المتوسط فى أربعين يومًا إلى الإسكندرية ثم توجه للقدس عن طريق سيناء وكان معه عدة مرافقين ووصف لنا رحلته وجاء القديس أنطونين من إيطاليا إلى الجبل المقدس وذكر أن عدداً هائلاً من النساك جاءوا لمقابلته ينشدون التراتيل وأنه كان لكل دير ثلاثة رؤساء أحدهم يجيد اللاتينية والثانى الإغريقية والثالث القبطية.

«طريق الحج عبر سيناء»

أشار «ريحان»، إلى أن هناك طريقان مشهوران للحج بسيناء، طريق شرقي وطريق غربي أما الطريق الشرقى فهو للمسيحيين القادمين من القدس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس إلى أيلة (العقبة حالياً) إلى النقب ثم وادى الحسى إلى وادى وتير الذى تتوفر فيه المياه من بئر الحسى وبئر صويرا ويجاور وادى وتير أيضًا عين فرتاقة وبها جدول صغير يفيض بالماء طوال العام ثم يسير الطريق فى وادى غزالة إلى عين حضرة ثم وادى حجاج وبه تلال من حجر رملى بها نقوش نبطية ويونانية وأرمينية ثم يسير إلى سفح جبل جونة إلى وادى مارة ثم يدخل سفح جبل سيناء.

وتابع: «ريحان» إلى أن ميخائيل ستون قام بأعمال مسح أثرى ودراسة لنقوش وادى حجاج بهذا الطريق حين زيارته لسيناء عام 1979 وقد وجد بهذا الوادى نقوش أرمينية عددها 55 نقش أرّخها بين القرن (الأول إلى الرابع الهجرى / السابع إلى العاشر الميلادى) منها نقش لأحد المسيحيين يقول (أنا ذاهب حول موسى) يعنى جبل موسى وآخر يقول (أنا رأيت القدس) وأن وجود مثل هذا العدد من النقوش الأرمينية فى الطريق الشرقى بسيناء وعدم وجودها فى الطريق الغربى يدل على كم المسيحيين الأرمن القادمين إلى جبل سيناء من القدس.

ونوه «ريحان»، إلى الطريق الغربى الذى يبدأ من القدس عبر شمال سيناء وشرق خليج السويس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس عسقلان ، غزة ، رافيا (رفح) رينوكورورا (العريش) أوستراسينى (الفلوسيات) ،كاسيوم (القلس) ، بيلوزيوم (الفرما) سرابيوم (الإسماعيلية) القلزم (السويس) عيون موسى ، وادى غرندل ، وادى المغارة ، وادى المكتّب ، وادى فيران إلى جبل سيناء وطول هذا الطريق من القدس إلى القلزم (السويس) 390كم ، ومن القلزم حتى جبل سيناء 300كم فيكون الطريق من القدس إلى جبل سيناء 690كم .

وأوضح « ريحان»، أن ميناء الطور فى العصر المملوكى استخدم طريقًا للحج المسيحى منذ (القرن الثامن الهجرى / الرابع عشر الميلادى) وكانت السفن تبحر من موانئ إيطاليا، جنوة أو البندقية (فينيسيا) إلى الإسكندرية ثم تتوجه بالنيل إلى القاهرة ، وبعد أن يحصلوا على عهد الأمان أو الفرمان من سلطان المماليك يقيم المسيحيون فترة فى استراحة للحجاج بالقاهرة حيث يتم إعطاء أطعمة للفقراء المتوجهين إلى سانت كاترين ويعود المسيحيون إلى أوروبا عن طريق الإسكندرية على سفن البندقية التى تنتظر التجارة المصدرة إلى الإسكندرية من الشرق، وتحدد وثائق البندقية أواخر العصور الوسطى الفترة من 8 إلى 23 سبتمبر من كل عام موعدًا لرحيل سفنها للإسكندرية وتكون على استعداد للعودة محملة بالتوابل فى منتصف أكتوبر أو بداية نوفمبر قبل حلول الشتاء ، كما أن لها رحلة أخرى فى مارس لتصل للإسكندرية وتغادرها فى أبريل.

وأكد أنه نظرًا لوقوع دير الوادى بطور سيناء فى موقع وسط بين دير سانت كاترين ومصر العليا وفلسطين فكان يقيم المسيحيون به لزيارة الأماكن المقدسة بالطور تم يأخذوا طريقهم إلى جبل سيناء ثم إلى فلسطين ويحوى الدير 96 حجرة على طابقين بعضها قلايا للرهبان والأخرى حجرات لاستضافة المسيحيين الوافدين للدير.

وكان المسيحيين القادمين من أوروبا يقيمون لعدة أيام بدير أبو مينا (مارمينا) بمريوط غرب الإسكندرية وكان به عدة حجرات كانت تستخدم مكاتب خاصة لشئونهم مما يدل على كم المسيحيون القادمون من أوروبا إلى سيناء وكان الحاج المسيحى يجهز نفسه روحانيًا ويرتدى ثوب التقديس ويضع الصليب الأحمر على الثوب ورداء الرأس ويأخذ نقود كافية ثم يتجه إلى البندقية أو جنوة أو مارسيليا.

وأوضح « ريحان» أن الحجاج كانوا يستقبلون أحسن أستقبال ولهم وكلاء مسيحيون لإعطاء التعليمات والاستشارات ويأخذوا طريقهم إلى القدس عن طريق غزة للحجاج الراغبين الحج إلى القدس أما الراغبين فى الحج إلى جبل سيناء ودير سانت كاترين فلهم الحق فى الإعفاء من الرسوم وهى 23 دوقة ويجهز الحجاج بالجمال إلى سيناء وللحجاج سواءً كانوا من الشرق أو الغرب الحرية فى قراءة القداس طبقًا لطقوسهم الخاصة فى كنيسة لاتينية خاصة قرب سكن الضيوف بدير سانت كاترين.

ويصعد الحجاج إلى جبل موسى الذى تبلغ عدد درجاته حوالى ثلاثة آلاف درجة،حيث يعبر الحاج بوابتين من الصخر الأولى يجلس فيها القديس اسطفانوس ليستمع لاعترافات المقدّسين ويتسلم شهادات اعترافهم قبل أن يسمح لهم بالصعود إلى البوابة الثانية حتى يصلوا إلى قمة جبل موسى ثم يهبط المقدّسون إلى دير سانت كاترين و يأخذوا طريقهم إلى العليقة الملتهبة عن طريق الجناح المخصص لذلك وهو الجناح الشمالى بالكنيسة الرئيسية ، وبعد زيارة العليقة المقدسة يكمل الحاج رحلته بالتحرك إلى الخلف عن طريق الجناح الجنوبى وبذلك يأخذ تحركهم شكل حرف Uحول ظهر شرقية الكنيسة.

كيفية استغلال الطريق

طالب الدكتور ريحان بإحياء هذا الطريق مما سيكون له مردود سريع فى كل أوروبا لأنه يمثل قيمة كبيرة لديهم ويمكن عمل إنشاءات سياحية جديدة فى محطات هذا الطريق مستوحاة من العمارة البيزنطية خاصة وأن خامات البناء متوفرة بسيناء من أحجار جرانيتية ورملية وجيرية والرخام متوفر فى مصر ولدينا الدراسات عن طرز العمارة البيزنطية من خلال دراستنا المعمارية للآثار المسيحية بسيناء.

كما يطالب بعمل منتجات خاصة مرتبطة بهذا الطريق ولها أصول تاريخية وتمثل قيمة دينية لرواد هذا الطريق مثل قنانى المقدّسين أو قنانى القديس مينا ، وذاعت شهرة القديس المصرى مينا الذى رفض عبادة الإمبراطورية الوثنية فى عهد دقلديانوس ورفض السجود للآلهة وخرج إلى الصحراء متوحداً وقضى زمناً طويلاً ثم قبض عليه وتعرّض للتعذيب ثم قطعت رأسه بالسيف ودفن بالإسكندرية ولما انقضى زمن الإضطهاد نقلت رفاته إلى المكان الذى يحمل اسمه الآن بمريوط وذلك على أثر رؤيا ظهرت للبطريرك فى ذلك الوقت بأنه أثناء حمل الجسمان من الإسكندرية توقف الجمل الذى يحمله فى مكان معين ولم يتحرك حتى بعد أن استبدلوا الجمل بآخر لم يتحرك أيضاً لذلك دفنوه فى هذا المكان بمريوط حيث شيد الدير.

ويتابع الدكتور ريحان بأن شهرة تلك المنطقة شاعت فى جميع أنحاء العالم وجاء الحجاج لزيارة قبر القديس لنيل البركة وطلب الاستشفاء، وكان يوجد بالقرب من قبره بئر يأخذ المسيحيون من مائها فى أوانى خاصة كانت تصنع من الفخار فى مصانع بالمنطقة وعليها صورة القديس بارزة ، وكانوا يعتقدون أن تلك المياه تشفى من أمراض العيون.

وقام العالم الألمانى كاوفمان فى عام 1907بأعمال حفائر فى الموقع وتبعه الدكتور بيتر جروسمان وعثر بين انقاض دير مار مينا على بقايا أوانى فخارية تعرف بقنانى القديس مينا الفخارية من أحجام مختلفة ، كما يوجد بالمتحف القبطى بمصر والمتحف البريطانى والمتاحف الأوربية مجموعات عديدة من هذه الأوانى التى كان يحملها المقدّسون المسيحيون ممتلئة بالماء عند زيارة القديس مينا وهذه الأوانى لا يمكن أن تقوم واقفة بل يجب حملها بواسطة خيوط تربط بين العنق والأذنين كما كشف عن نماذج من هذه القنانى.

كما يشير د. ريحان فى ميناء دهب الذى أعيد استخدامه كحصن لحماية الحدود الشرقية لسيناء ضد أخطار الفرس فى العصر البيزنطى فى القرن السادس الميلادى.

كما يمكن عمل نماذج للأدوات والملابس الخاصة المستخدمة فى القداس داخل الكنائس واللوحات الفنية والأيقونات.