الموقف المصري| مبادئ وقدرة على الردع.. وليس مصالح

الموقف المصري| مبادئ وقدرة على الردع.. وليس مصالح
الموقف المصري| مبادئ وقدرة على الردع.. وليس مصالح

- لا نتدخل فى شئون الآخرين.. ولا نصمت أمام تهديد أمننا القومى

‎تدير القاهرة علاقاتها الخارجية وفقًا لمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها، وقد برز ذلك النهج فى تعاطيها مع تطورات المشهد الليبي، ولم تتدخل مصر فى مجريات الصراع أو تدعم أحد طرفى الصراع خلال المراحل المتعاقبة التى مرت بها ليبيا منذ 2011 وحتى الآن. حيث تشغل ليبيا أولوية لدى صانع القرار المصري، كونها دولة ذات حدود مشتركة -1200كم- تمثل حالة السيولة الأمنية فى ليبيا عدة تحديات للسيادة المصرية كتسلل العناصر الإرهابية وعمليات التهريب. فضلاً عما يمثله استمرار الصراع من استنزاف لمقدرات وثروات الشعب الليبى ويهدد طول أمد القتال فرص ومجالات حفظ وحدة الدولة الوطنية الموحدة، والخطر الذى مثله إعادة تموضع التنظيمات الإرهابية والمقاتلين فى الجماعات الهاربة من ساحات القتال الخارجية كسوريا والعراق على أمن الإقليم وأمن مصر القومي، بالإضافة الى ما انتجه الصراع فى ليبيا من حالات نزوح للمواطنين وأوضاع إنسانية أضرت بالبناء المجتمعى الليبي، واضطرار حجم كبير من المصريين العاملين فى ليبيا الى العودة بعد اشتعال دائرة النزاع فى المدن الليبية.


يمكن التيقن أن التحركات المصرية تجاه الأزمة الليبية تستهدف حفظ أمنها القومى عبر صون البناء الوطنى الليبى الموحد، ومواجهة خطر إعادة توطين التنظيمات الإرهابية فى ليبيا عبر دعم جهود الجيش الوطنى فى محاربة الإرهاب والقضاء على الوجود المتطرف بها. كذلك استعادة الاستقرار بالبلاد والعودة للمسار السياسى لحل الأزمة من خلال رفض التحركات العسكرية واعتمادها كوسيلة لحسم الصراع، ودعم جهود البعثة الأممية لإدارة حوار ليبى يمهد الى خارطة طريق تحفظ سلامة الدولة، ودعم جهود توحيد المؤسسات الوطنية الليبية كالبرلمان -كونه الممثل الشرعى عن الليبيين- والمؤسسات السيادية. بالإضافة إلى تثبيت دعائم الأمن لتسهيل عمليات إعادة الإعمار لإتاحة الفرصة أمام المصريين العائدين والراغبين فى الاستثمار والعمل فى ليبيا للعودة واستعادة أنشطتهم الاقتصادية بها.


قدرة الردع


على الجانب العسكرى تقوم مصر بتحديث شامل لكل الأفرع الميدانية للقوات المسلحة المصرية، عن طريق: تدعيم شبكة قاعدة الصناعات الدفاعية المحلية: ‎من خلال الشراكات المتعددة مع القوى الدولية والصاعدة ونقل تكنولوجيا التصنيع الحربى المتقدم ولاسيما التصنيع البحري. 


إبرام صفقات تسليحية مباشرة وتنويع مصادر التسليح ‎وتعتبر تلك النقطة الأهم فى مسار التحديث الشامل للقوات المسلحة المصرية، إذ اتسمت عمليات التحديث والصفقات التسليحية بتنويع مصادر التسليح وعدم حصره فقط على المكون الأمريكي، فاتجهت القيادة العسكرية لدول كبرى مثل فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، دون خسارة حيلف أو خلق عدو. ولكن تلك الصفقات ركزت بشكل رئيسى على سلاحى الجو والبحرية.


القوات البحرية


‎لدى البحرية المصرية تاريخ عريق بجانب بحريات القوى الدولية الكبرى، فحسب المؤسسات الغربية المعنية بدراسات الاستخبارات، تقع البحرية المصرية كسادس أقوى بحرية فى العالم، مع حذف القدرات النووية للدول. قبل إجراء القوات المسلحة لعمليات التحديث الشاملة قبل 2013، كانت البحرية المصرية تُصنف كبحرية تأمين سواحل، ولكن بعد قدوم حاملات المروحيات وسفن الإنزال والهجوم البرمائى «ميسترال» تحولت البحرية المصرية لبحرية أعالى البحار. 


‎وبعيداً عن رصد كافة الأسلحة البحرية الجديدة لدى القوات المسلحة المصرية وتتبع صفقاتها التسليحية، يمكننا الوقوف على أبعاد وسقف القوة البحرية المصرية الجديدة بالنظر لحاملات المروحيات، وما حققته فى القدرة النارية المصرية، وما غيرته بصورة قاطعة على الصعيد العملياتى والتخطيطى والتسليحي:
وتم توزيعهما بالبحرين، الأحمر، والأبيض المتوسط، كل واحدة منهما تشكل عصب وعقل الأسطول. الأسطول الشمالى بمسرح عملياتى يشمل البحر الأبيض المتوسط، والجنوبى يشمل خط عملياتى يبدأ من ميناء بورسعيد شمالاً حتى باب المندب جنوباً وسواحل الصومال.


‎يُلاحظ انتباه القيادة العسكرية لأخطار الصراع على المضائق والممرات البحرية، ومن جهة أخرى إدراك تحركات القوى المعادية على ضفاف المضائق ولاسيما باب المندب، إذ أن أى مهام لمعالجة التهديدات القادمة من تلك البؤر ذات الاختناقات المرورية تطلب آلة نقل تعبوى استراتيجى عابر للحدود الدولية، وهو ما تقدمه حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائى «ميسترال».


غواصات هجومية


‎أجرت البحرية المصرية صفقات تسليحية مع الجانب الألمانى تم بمقتضاه الاتفاق على توريد غواصات التايب الهجومية بواقع أربع قطع قابلة للزيادة. تمتلك غواصات التايب قدرة هجومية نوعية كبيرة، وقدرات متعددة المهام تتنوع ما بين الاستطلاع والرصد وأعمال الاستخبار الالكتروني. لطالما كان قدرات مصر فى الأعماق نقطة ضعف أمام خصومها فى الإقليم.


‎قطع السطح هى الأخرى كانت حاضرة فى فِكر القيادة العسكرية المخططة لعمليات التحديث الشامل، إذ تم تزويد البحرية المصرية بأحدث مدمرات الشرق الأوسط «فرقاطة فريم» الفرنسية، ذات القدرات المأهولة فى مهام القيادة والسيطرة البحرية والاستخبار الالكترونى ومكافحة الغواصات، لكن تبقى قدراتها الأبرز فى مهاجمة الأهداف البحرية والساحلية وقدرة صاروخية كبيرة بواقع 16 خلية اطلاق لصواريخ ايستر، وصواريخ سطح جو لمهام الدفاع الجوي، وسطح سطح لمهام إغراق الأهداف البحرية المعادية بصواريخ أكسوسيت.


‎المكون الفرنسى للبحرية المصرية شمل أيضاً عددا من الكورفيتات «جويند 2500»، بعدد أربع قطع. لتعزز القدرة الصاروخية المصرية فى عرض البحار وإمكانات مكافحة الغواصات على حد سواء.


‎المكون الألمانى كان حاضراً أيضاً فى الترسانة الناشئة للقوة البحرية المصرية، بإجمالى 6 قطع من فرقاطات الـ MEKO A-200 الألمانية، ذات القدرات المعززة.


‎فهى قادرة على خوض الحرب الكاملة رباعية الأبعاد من مكافحة سفن السطح، ومكافحة الغواصات، والدفاع الجوي، والحرب البيولوجية والكيماوية والعمليات المستدامة عبر مجموعة كاملة من العمليات والمهام العامة: كالدوريات والاعتراض، ودعم عمليات القوات الخاصة، وعمليات البحث والإنقاذ.


طفرة فى سلاح الجو


‎شهدت سلاح الجو المصرى طفرة كبيرة فى قدراته، إثر موجات متتالية من صفقات التسليح كان أبرزها توريد مقاتلات الرافال الفرنسية، وهى مقاتلات كل المهام، وليست متعددة المهام فقط. توفر الرافال قدرة اخماد الدفاعات الجوية فى العمق المعادي، وكذلك مهام السيطرة الجوية نظراً لإمكاناتها الميكانيكية الكبيرة فى المناورة، وقدراتها الالكترونية المميزة وبصمتها الرادارية والحرارية المنخفضتين.


‎يُلاحظ التكاملية التى يعمل من خلالها سلاح الجو المصري، والتنوع بين قطعه العاملة، من القطع الامريكية والروسية والفرنسية المطورة.. قامت الرفال بتوسيع المدى العملياتى لسلاح الجو المصرى ليكافئ مدى البحرية الناشئ والمتسع ليشمل بحريين هامين فى طرق النقل والتجارة الدوليين، البحر الأحمر والمتوسط والمناطق الساحلية المتاخمة لحدودهما.


‎يُلاحظ إدراك القيادة العسكرية والسياسية المصرية لمحورية دور الحرب الحديثة، ومستقبلها، فى معالجة تهديدات الأمن القومي، ومواجهة الأطماع التوسعية للقوى الإقليمية الصاعدة. الحرب الحديثة، هى حرب (جو-بحرية) يكن لسلاحى الجو والبحرية فيها الدور الأعظم فى مسارات المعارك وعليهما تقع غالبية تنفيذ مهام الدفاع والهجوم المتقدم على حد سواء. كما ان استقدام حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائى ميسترال أضفى على قدرات مصر فى هذه الحرب الحديثة، قدرات نوعية عززت معها قدرة الردع، بأنماطه المختلفة، ولاسيما الردع بالإنكار. وثنى الخصوم والأعداء عن الإقدام على أية عمليات عدائية أو استفزازية تجاه الدولة المصرية.


مواجهة الأطماع الإقليمية


‎وهو ما ظهر فى التدريبات النوعية الأخيرة للبحرية المصرية قبل يومين، إذ أجرت للمرة الأولى عملية إطلاق حى لصاروخ هاربون عمق سطح بمدى 130 كم فى عرض البحر المتوسط، وهو من البحار ذات النطاق العرضى الضيق مقارنة بطوله، ما يرسل رسالة شديدة اللهجة للأطراف الإقليمية الفاعلة، بأن ثمة مساس بالحقوق المصرية فى المياه الاقتصادية الخالصة سيُقابل بجملة إجراءات تختلف وقد تتعدى الاستجابة القبرصية واليونانية للتحرشات التركية الدورية بهما.


‎وعليه فإن منظومة الردع المصرية لم تٌشكل فقط بالقدرة العسكرية الكبيرة، وإنما أيضاً بالشراكات الاستراتيجية مع دول الحوض، حيث أتمت مصر شراكاتها مع كل من قبرص واليونان.